من رسائل الشيخ الداعية معاذ أبو مصعب الشنقيطي حفظه الله
بـــــســــم الله الـــرحــمــن الــــرحــيــم
الحمد لله رب العالمين القائل في محكم التنزيل[ياأيها النبي جاهد الكفار والمنافقين وأغلظ عليهم ومأواهم جهنم وبيس المصير] والصلاة والسلام على الضحوك القتال القائل [بعثت بين يدي الساعة بالسيف حتى يعبد الله وحده]وعلى آله وصحبه ومن أتبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد فإن الجهاد هو رهبانية هذه الأمة ولا عزة لهذه الأمة ولا كرامة إلا به فهو حياة للمؤمنين كما قال الله عزو جل [يأيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم]ولقد أمرنا الله عز وجل بالتأسي بالنبي صلى الله عليه وسلم فقال[لقد كان لكم في رسول إسوة حسنة لمن كان يرجوا الله واليوم الآخر] فأعظم ما نتأسى به قتاله صلى الله عليه وسلم،فقد جاهد في الله حق جهاده وكذلك أصحابه الكرام رضي الله عنهم وأرضاههم.
إن الله سبحانه تكفل للمجاهد بالهداية فقال [والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا]،فالمؤمن المجاهد هو الأقدر على معرفة سنن ونواميس الحياة قال السيد رحمه الله إن النفس التي تنفر في سبيل الله هي التي تتفقه في دين الله وهي التي تنذر قومها إذا رجعت،إن هذا الدين لا يعرفه فقيه قاعد قد خزن المعلومات قوالب في ذهنه باردة،إن هذا الدين لا يعرفه إلا من تحرك به في واقع الحياة ودفع له ثمنا.إنتهي)،إن المؤمن في ظل الجهاد يحس من أعماق نفسه وهو على أرض الجهاد بأنه قد أصبح إنسانا أخر ، وأنه أصبح يعيش حياة أخرى بعيدة كل البعد عن ما كان يعيشه قبل الجهاد وان الحياة في ظل الجهاد قد علمته أشياء وأشياء كثيرة وقد صنعت منه إنسانا أخر متميزا في فكره وعمله وفهمه للحياة وإذا نظرنا إلى حالة الصحابة قبل الإسلام وبعد دخولهم فى الإسلام رأينا بونا شاسعا ، فلقد تربى ذلك الجيل الفريد الذي لن يتكرر بمجموعه في عصر من العصور على يدي أكبر معلم عرفته البشرية وهو محمد صلى الله عليه وسلم ، ولقد كانت المدرسة التي تربوا فيها هي مدرسة الجهاد في سبيل الله ومن خلال هذه المدرسة تعلم الصحابة وبسببها تغيرت حياتهم
قال الشيخ أبو قتادة الفلسطيني فك الله أسره [ إننا نرى أن أغلب مسائل العلم التي علمها الرسول صلى الله عليه وسلم سواء كانت في تجارة أو بقية الأحكام إنما تعلمها الصحابة وهم في حال الجهاد كانت في الجهاد وأنا لا أستطيع أن أكثر الأمثلة أو أستوعب بعضها في ذكر النماذج التي تشهد لهذه القاعدة لكني أدعوا طلبة العلم وغيرهم إلى فتح وقراءة صحيح البخاري مثلا فهو أفضل نموذج لما أقول ويقرؤونه بتمعن وتدبر ويحاول كل واحد أن يجمع سبب الحديث الوارد بمعنى أن يذكر الزمن الذي قيل فيه الحديث وأين قيل ] انتهى كلامه .
وكما أخبر الشيخ فإني سأذكر القليل مما تعلمته في مدرسة الجهاد فالموضوع كبير وحتى لا نخرج عن إطار رسالة فلقد قسمت هذه الرسالة إلي عدة فصول:
- نقاوة التوحيد
- الطليعة المجاهدة فئة قليلة من الأمة
- الموت أجل لايتقدم أو يتأخر
- القيادة تخرج من الميدان
- الصبر على الإخوان
- الثبات من عند الله
- الأخذ بالسنن الشرعية والكونية
- الابتلاء والامتحان سنة ماضية
- وجعل رزقي تحت ظل رمحي
نسأل الله سبحانه وتعالى أن تكون هذه الرسالة تذكرة نافعة لإخواني المجاهدين خاصة وللمسلمين عامة قال الله عز وجل ( وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين ) وهي بعنوان هكذا علمتني الحياة في ظل الجهاد والله المستعان وعليه التكلان ولا حول ولا قوة إلا بالله العلى العظيم..
-- فصلنقاوة التو حيد --
علمتني الحياة فى ظل الجهاد أن هذا التو حيد لا يتمحص من الشوائب والشبهات إلا فى أرض الجهاد ؛ فحين ما يعتزل الإنسان الجاهلية بأكملها يهديه الله عز وجل إلى الطريق القويم ، ويهديه سبيل الموحدين، فكمال التوحيد لا يتم إلا باجتناب الطاغوت - وهو بغضه وعداوته بالقلب وسبه وتقبيحه باللسان، وإزالته باليد عند القدرة ومفارقته وهذه الأمور بأجمعها لايستطيعها القاعد عن الجهاد لأن أجهزة الطاغوت وبطشه له بالمرصاد، فلابد من أرض الجهاد حتى يعلن عن براءته واجتنابه الكامل للطاغوت جهارا نهارا ، قال السيد قطب رحمه عند قول الله تعالى ( وإذ اعتزلتموهم وما يعبدون إلا الله فأووا إلى الكهف ) . ولقد تبين الطريقان واختلف المنهجان فلا سبيل إلى الإ لتقاء ولا للمشاركة في الحياة ، ولابد من الفرار بالعقيدة إنهم ليسوا رسلا إلى قومهم فيواجهوهم بالعقيدة الصحيحة ويدعوهم إليها ويتلقوا ما يتلقاه الرسل إنهم فتية تبين لهم الهدى في وسط ظالم كافر،ولا حياة لهم في هذا الوسط إن هم أعلنوا عقيدتهم وجاهروا بها وهم لا يطيقون كذلك أن يداروا القوم ويداوروهم، ويعبدوا ما يعبدون من الآلهة على سبيل التقية ويخفوا عبادتهم لله والأرجح أن أمرهم قد كشف فلا سبيل لهم إلا أن يفروا بدينهم إلى لله وأن يختاروا الكهف على زينة الحياة.
فما أشبه فتية التوحيد في عصرنا بأصحاب الكهف حينما تضيق عليهم الضائقة من أعداء الله المرتدين ،فيخرجون من واقع الردة المخيم على الديار،فيخرجوا لا ليعتزلوا الحياة فقط ولكن ليمتشقوا سلاحهم ويقفوا وجها لوجه أمام هذا الطاغوت الكافر ويذيقوه ألوان العذاب،ولسان حالهم:
نحن بالرشاش عدنا *** نملك اليوم القيادة
وكذالك فإن الشبهات التي علقت بذهن المرء وذالك بسبب مرجئة العصر الذين استفحل شرهم واشرأبت فتنتهم وتطاولت وانتشرت بين الرعاع شبههم وذلك في أصل الدين ولا حول ولا قوة إلا بالله قال تعالى ( وكذالك جعلنا لكل نبي عدوا شياطين الإنس والجن يوحي بعضهم الى بعض زخرف القول غرورا ولو شاء ربك ما فعلوه فذرهم وما يفترون ولتصغي إليه أفئدة الذين لا يؤمنون بالآخرة وليقترفوا ما هم مقترفون ) .
فيا لك من آيات حق لو اهتدى *** بهن مورد الحق كن هواديا
ولكن على تلك القلوب أكنة ** فليست وإن أصغت تجيب المناديا
إن تلك الشبهات لا يمكن أن تزول بالكلية الا تحت شمس الجهاد اللاهب التي لا تترك شبهة الا أحرقتها.
إن هذا الجهاد هو تطبيق فعلي لمفهوم التوحيد فالمجاهد حين ما يحمل سلاحه فهو بهذا الفعل يجسد فعليا معنى الكفر بالطاغوت الذي هو الشطر التوحيد فهو يريد أن يقيم التوحيد ويحطم الشرك بنوعيه ( شرك القصور وشرك القبور ).
فالجهاد بالسنان هو أعظم درجات التوحيد فهذا إمام الموحدين خليل الله إبراهيم عليه الصلاة والسلام يعمد الى أصنام الكفار فيحطمها- وهاهو النبي صلى الله عليه وسلم يحطم الأصنام عند الكعبة.
فعند فهم حقيقة التوحيد في أرض الجهاد تتضح لك وبجلاء حقيقة المرتدين وتنكشف أمامك عوراتهم وترى الحقد الذى يملأ جوانبهم على هذه العصبة المجاهدة وتنكشف كذالك ألاعيب السحرة والرهبان من علماء السوء الذين يلبسون على الأمة كفر الطواغيت ووجوب قتالهم ، وكذلك تتعرى الحركات الإسلامية المبتدعة التي زورت الإسلام وشوهت وجهه الجميل وتسقط أمامك كل تلك المشيخات الذين ملأوا الدنيا جعجعة ولم يرى لهم طحينا ؛ لأن هذا الجهاد هو الذي يميز الناس ويظهر فيه الناس على حقيقتهم وتسقط فيه الهالات الكاذبة والشخوص المزيفة .
-- فصل الطليعة المجاهدة فئة قليلة من الأمة --
علمتني الحياة في ظل الجهاد أن الفئة القليلة من الأمة هم الذين يحملون هم تبليغ هذا الدين ونشره والدفاع عنه رغم ضعفهم وقلة وسائلهم ورغم تكالب الأعداء عليهم وذلك مصداق قول النبي صلى الله عليه وسلم [لا تزال طائفة من أمتي يقاتلون على الحق ظاهرين إلى يوم القيامة ،قال فينزل عيسى بن مريم صلى الله عليه وسلم فيقول أميرهم تعالى صلي لنا فيقول،لا إن بعضكم على بعض أمراء تكرمة الله هذه الأمة] رواه مسلم وكذلك حديث جابر رضي الله عنه قال،قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (لن يبرح هذا الدين قائما يقاتل عليه عصبة من المسلمين حتى تقوم الساعة) رواه مسلم وقال الله عز وجل (كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله).
يقول السيد قطب"قليل هم الذين يحملون المباد ئ وقليل من هذا القليل هم الذين ينفرون من الدنيا لتطبيق هذه المبادئ وقليل من هذه الصفوة الذين يقدمون أرواحهم ودمائهم من أجل نصرة هذه المبادئ والقيم ،هم قليل من قليل ولا يمكن أن يوصل إلى المجد إلا عبر هذا الطريق وهذا الطريق وحده."
وهذه الفئة المجاهدة اليوم لطواغيت العصر هي الطائفة المنصورة وهي عبارة عن عصابات منتشرة في العالم اليوم وقد بدأت تتوحد ولله الحمد والمنة تحت راية واحدة وها هي مع قلتها تقارع الكفر العالمي وعلى رأسه أمريكا وأذنابها من حكام وجيوش الردة المتسلطين على الأمة، فمع ما بذلته أمريكا من قوة لمحاربة المجاهدين ،
ورغم وسائلها الضخمة و الهائلة وضجيجها الإعلامي،لم تحقق سوى الخيبة والخسران ،فهاهي تخسر بلايين الدولارات في حربها للمجاهدين،وما غزوتي نيويورك وواشنطن عنا ببعيد،فقد قامت فئة قليلة من أبطال الإسلام من أهل الطائفة المنصورة نسأل الله أن يتقبلهم في الشهداء ،بدك معاقل الكفر في عقر داره وأمام استخباراته وأقماره الصناعية ،لتسقط أسطورة السي اي إي والأمن القومي إلى غير رجعة بإذن الله عز وجل .
قال الله تعالى (إن الذين كفروا ينفقون أموالهم ليصدوا عن سبيل الله فسينفقونها ثم تكون عليهم حسرة ثم يغلبون ) ،وهذا ما رأيناه وتحققناه ولله الحمد .
إن الذين يظنون أن الأمة بمجموعها ستقوم بنصرة هذا الدين هم واهمون ولم يعرفوا طبيعة هذا الدين ولم يتدبروا سيرة نبيهم صلى الله عليه وسلم،فالناس لم يدخلوا في دين الله أفواجا إلا بعد الفتح كما قال الله عز وجل (إذا جاء نصر الله والفتح ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجا......)،فحينما تضحى الطليعة المجاهدة وتبذل الغالي والنفيس من أجل دينها فإن مبادئها تحيى بين الناس يقول أبو بكر ناجى في كتابه إدارة التو حش:"إن ما قدمته أجيال المجاهدين من الهجرة والجهاد وترك الديار والمنافع والمصالح الدنيوية وإراقة دمائهم وهلاك نفوسهم في الجهاد وما لاقوه من أهوال لن يذهب هباء وسيعمل أثره ولو بعد حين فهذا عكرمة ابن أبى جهل وسفيان بن حرب يحدث أحدهما الآخر بعد إسلامهما مباشرة (لقد سبقنا القوم ،لقد عذب وقتل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وهاجروا وتركوا الديار والأهل وقدموا الأنفس والأموال والتضحيات الجسام فما بالنا)،فكانت الإجابة قم لتنهض تقاتل أهل الكفر لعل الله يرزقنا الشهادة فيغفر لنا ويرفع درجاتنا،فهذه التضحيات والأهوال التي واجهت المجاهدين والمؤمنين لها مردود على الأجيال التي ستدخل الإسلام في المرحلة القادمة بإذن الله."
وقال الشيخ العلوان في رسالته ألا إن نصر الله قريب في تعليقه على حديث الراهب والغلام "وإنه لشيء عظيم وأمر كبير أن يذهب غلام أو رجال من البشر فداء لدوافع معقولة وغايات مطلوبة فبقاء الحق مقدم على بقاء الجسد فأهل الحق يذهبون بأبدانهم وتعيش أفكارهم وكلماتهم وقد تحدث الحديث عن الغلام وعن تضحيته بدمه بغية إسلام الناس وإيمانهم بالله فتحقق القصد المطلوب ونفذ الأمر المنشود وسرى مراد هذا الغلام من وصول الإيمان والتوحيد إلى أعماق القلوب فآمن قومه ووحدوا ربهم وكانوا من قبل في ضلال مبين لا يعرفون الإسلام ولا الدين الحق يعبدون المادة والحياة ويدينون للبشر بالعبادة والطاعة وتهيمن عليهم أنظمة الملوك وتشريعاتهم غير أن هذا لم يدم فشعور الغلام بالمسؤولية وتقديره للقضية حال دون ذلك فأعلن في دنيا الواقع كلمة الحق وقدم دمه في صلاح البشر وتحطيم الوثنية ،حينها تحررت القلوب من عبوديتها لدين الملك، للأحجار، للحياة، للتراب، وصوتت بروح عالية ونفس مطمئنة وقلوب ثابتة آمنا برب الغلام آمنا برب الغلام آمنا برب الغلام ولم ترضخ لبطش الجبارين ولا تعذيب المجرمين."
وإذا رجعنا إلى السيرة النبوية نجد أن المعركة الفاصلة الحاسمة بين الكفر و الإيمان هي معركة بدر الكبرى،وكان عدد المسلمين وعدتهم فيها قليل بالمقارنة بعدد الكفار وعدتهم وزيادة على ذلك كون المسلمين لم يخرجوا للقتال وإنما من أجل العير،وتحققت سنة الله تعالى [كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله].
والتاريخ الإسلامي زاخر بمثل هذه المواقف التي تقف فيها الفئة القليلة المؤمنة أمام جحافل الكفر المدججة بأنواع
العدد ولنأخذ مثالين.
موقعة عين جالوت والتي انتصر فيها سيف الدين قطز والفئة القليلة، على الجموع الهمجية التترية التي كانت في تلك الفترة أكبر قوة وقد شاع بين الناس أن التتار لا يهزمون.
وكذلك ما وقع لألب أرسلان حيث كان جيشه يبلغ عشرين ألفا بينما كانت جحافل الكفار كالجبال مكونة من الروم والكرخ والفرنج وعدد عظيم وعدد،فأشار عليه الفقيه أبو نصر محمد بن عبد الملك البخاري بأن يكون النزال وقت الجمعة بعد الزوال حين يكون الخطباء يدعون للمجاهدين فلما كان ذلك الوقت وتوافق الفريقان وتواجه الفتيان،نزل السلطان عن فرسه وسجد لله عز وجل ومرغ وجهه في التراب ودعا الله واستنصره فأنزل الله نصره على المسلمين وهكذا يعود للأمة نصرها يوم أن ترجع إلى دينها.
-- فصل الموت أجل لايتقدم أو يتأخر --
علمتني الحياة في ظل الجهاد أن الموت أجل محدود لا يتقدم ولا يتأخر كما قال الله عز وجل (فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون) وقال الله عز وجل (أينما تكونوا يدرككم الموت ولو كنتم في بروج مشيدة)،يقول سيد قطب رحمه الله في الظلال عند هذه الآية (فالموت حتم في موعده المقدر ولا علاقة له بالحرب والسلم ولا علاقة له بحصانة المكان الذي يحتمي به الفرد أو قلة حصانته ولا يؤخره أن يؤخر عنهم تكليف القتال إذن ،ولا هذا التكليف والتعرض للناس في الجهاد يعجله عن موعده، هذا أمر وذاك أمر ولا علاقة بينهما ....إنما العلاقة هناك بين الموت والأجل بين الموعد الذي قدره الله وحلول ذلك الموعد....وليست هناك علاقة أخرى....ولا معنى إذن لتمنى تأجيل القتال ولا معنى إذن لخشية الناس في قتال أو في غير قتال وبهذه اللمسة الثانية يعالج المنهج القرآني كل ما يهجس في الخاطر من هذا الأمر وكل ما ينشئه من التصور المضطرب من خوف ومن ذعر).
فالموت لا تقدمه الشجاعة ولا يؤخره الجبن قال الله عز وجل [قل لو كنتم في بيوتكم لبرز الذين كتب عليهم القتل إلى مضاجعهم ]،فها نحن على أرض الجهاد والقذائف تتصبب عليك من كل ناحية و الرصاص يدوى وأنت لا تصاب بأي شيء كما قال أحد المجاهدين لعل الطلقة التي كتب عليها أنها تقتلني لم تصنع بعد،ففي الجهاد تصل إلى درجة اليقين بالنسبة للأجل فكم من إخواننا سقطوا في كمائن لأعداء الله عز وجل وحفظهم الله ونجاهم والحكايات عند المجاهدين من هذا القبيل أكثر من أن تحصر،إن الذين لم يعيشوا في أرض الجهاد يظنون أنه بمجرد أن تنطلق الرصاصة ستصل إلى قلبه ويموت،ويرون هذه الراجمات والصواريخ والقنابل شيئا عظيما، فالمجاهدون بفضل الله عز وجل جربوا في الميدان أن هذه الأسلحة لا تساوى شيئا أمام قوة الله عز وجل وأن جموع الردة والكفر لا تحقق شيئا أمام جند الله عز وجل.
إن المجاهد في سبيل الله لا يفكر كما يفكر الناس فهو يتمنى القتل ويدعوا الله صباحا ومساء أن يتخذه الله شهيدا وشتان شتان يبن القتل الكريم والموت الأليم يقول المصطفى صلى الله عليه وسلم (لا يجد الشهيد من ألم الموت إلا كما يجد أحدكم من مس القرصة).
لقد كان الصحابة رضي الله عنهم يجمعهم حب القتل في سبيل الله كما قال قائلهم جئناكم بقوم يحبون الموت كما تحبون الحياة،فهذا خالد بن الوليد رضي الله عنه يقتحم الجيوش ويدخل في أتون المعارك ومع ذلك يقول "ما في جسدي موضع أصبع إلا وفيه ضربة بسيف أو طعنة برمح وها أنا أموت على فراشي كما يموت البعير فلا أقر الله أعين الجبناء"،رغم كل هذه المخاطر التي يجابهها، يموت على فراشه رضي الله عنه وأرضاه فهذا درس للجبناء، الذين يحسبون الهروب من المعارك يجلب لهم الحياة، فهاهم الناس اليوم في دنياهم يصبح أحدهم معافى وإذا به يخرج إلى عمله أو يخرج من بيته فتصدمه سيارة فتقتله أو تسقط به الطائرة أو ينقلب به قاربه،فإذن الموت ليس أقرب إلى المجاهد من غيره قال علي رضي الله عنه:
في أي يوميّ من الموت أفر*** أيـوم لا يــقدر أم يوم قــــدر
يـــوم لا يــقــدر لا أرهــبــه *** ومن المقدور لا ينجى الحذر
إن هذه الفئة المجاهدة اليوم تسير على نهج أسلافها من الصحابة وتترنم شوقا إلى القتل في سبيل الله فهذا ابن رواحة يقول:
لكنني أسأل الرحمن مغفرة *** وضربة ذات فرغ تقذف الزبدا
أو طعنة بيدي حران مجهزة *** بحربة تقذف الأحشاء والكبدا
حتى يقال إذا مروا على جدثى *** يا أرشد الله من غاز وقد رشدا
-- فصل القيادة تخرج من الميدان --
علمتني الحياة في ظل الجهاد أن الإمارة و القيادة في أرض الجهاد تكليف لا تشريف ولا تتم إلا لمن يستحقها،فبعد جهد كبير وتعب متواصل وسهر على مصالح الأمة،يقدم هذا الإنسان لأن يكون قائدا وكذلك لشجاعته وقتله لأعداء الله عز وجل،فالميدان هو الذي يحدد ذلك ففي الجهاد في سبيل الله تعالى تبرز القيادة الحقيقية،لأن الثبات في أوقات الشدائد والأهوال والمصابرة والمكابدة هي ظروف قاسية تكشف المعادن على حقيقتها؛حينئذ يكون معدن القائد خالي من الشوائب والكدر فهو قائد حقيقي يستحق هذا المنصب بل المنصب يتشرف به ويفخر؛فحركة الجهاد هي التي تربى الأمة وتبرز القيادات وتعرفنا بمقادير الرجال ويكشف لنا القرآن الكريم كيف تبرز القيادة الصحيحة وما صفتها يقول الشيخ أبو قتادة الفلسطيني فك الله أسره من سجون الصليبيين بتصرف يسير[سورة البقرة من الآية ٢٤٦-٢٥٢ تتكلم عن الملأ من بني إسرائيل وطلبهم لملك يقاتلون معه ووضعوا له صفات لكن الله عز وجل بعث إليهم ملكا وهو طالوت كما قال الله عز وجل "إن الله قد بعث لكم طالوت ملكا" ومبرر البعث "بسطة في العلم والجسم"أي القوة والأمانة فطالوت أثناء مسيره بالجند للجهاد عرف حقيقة جنوده ومن حركة الجهاد أيضا ظهر الجندي داوود عليه السلام وبرز بعد ماذا ?بعد"وقتل داوود جالوت"فجمع الله لداود عليه السلام ما تفرق قبل الحدث بين النبوة والملك"وآتاه الله الملك والحكمة "نعم عندما قتل الجندي داود عليه السلام الكافر جالوت كانت مقدمة الاختيار ] ومن هذه القصة القرآنية يستنبط الشيخ أبو قتادة فك الله اسره:
١-قيادة داود عليه السلام برزت من وسط المعركة ومن خلا لها بعد برهان حقيقي أنه من عنده القدرة على إصابة الرأس-جالوت-فهو يستحق أن يكون الرأس.
٢-أن العلم الشرعي شرط من شروط القيادة الجهادية لأن حركة الجهاد حركة مضبوطة بضوابط الشرع وأوامر لإله جل في علاه .انتهى
وإذا رجعنا إلى السيرة النبوية نجد كيف كان القائد الأعلى محمد صلى الله عليه وسلم،فلقد كان من أشجع الناس حيث أنه كان السابق في أي أمر يدهم الناس وكان الصحابة رضي الله عنهم إذا أشتدت بهم الحرب يتقون بالنبي صلى الله عليه وسلم وكذلك تبرز قيادته في وضع الصحابة عند مقاعدهم للقتال ،حيث يكون اختياره للمواقع القتالية موفقا واستراتجيا وكان يضع الخطط العسكرية المحكمة وذلك كله من تأييد الله سبحانه لعبده.
ولو رجعنا إلى الصحابة رضي الله عنهم فإن روح القيادة تسرى فيهم جميعا كيف لا وقد تربوا في أكبر جامعة عسكرية وهي الجهاد وعلى يدي المعلم القائد الأعظم محمد صلى الله عليه وسلم.
فهذا خالد رضي الله عنه منذ أسلم ،قدمه الصحابة رضي الله عنهم للقيادة وذلك أثناء غزوة مؤتة،لأن ميدان المعركة هو الذي يقدم أو يؤخر ،فأخذ القيادة بجدارة وذلك بعد مقتل القواد الثلاثة رضي الله عنهم ففرج الله به على الصحابة وأنقذ الموقف فانحاز بالصحابة إنحيازا عجيبا أذهل العقلاء لدقته وإحكامه والأمثلة كثيرة جدا.
-- فصل الصبر على الإ خوان --
علمتني الحياة في ظل الجهاد أن المجاهدين ليسوا ملائكة كما يظن البعض –لا يخطئون ولا تصدر منهم المشاحنات والخلافات بل إن المجاهدين بشر مثل البشر إلا إن الله وفقهم لخدمة هذا الدين، فهم خيار هذه الأمة وفضلائها، فالبشر هم البشر بأحاسيسهم وبأخطائهم، قال النبي صلى الله عليه وسلم (كل ابن آدم خطاء وخير الخطائين التوابون)،فتجد أثناء ساحة الجهاد معاملات من إخوان غير لائقة، وقد يغضبك أخوك كما قال العالم المجدد عبد الله عزام رحمه الله تعالى كاد الجهاد أن يكون صبرا على الإخوة ،نعم صبرا على الإخوة لأن طول الطريق و المساكنة والظروف التي تمر عليهم ،تجعل المؤمن يصبر على أخاه ،قال الشيخ أبو قتادة الفلسطينى فك الله أسره(حين يتحدث الناس عن الجهاد في سبيل الله تعالى،فهذه كلمة جميلة و,جميلة جدا -الجهاد في سبيل الله تعالى-ولكن واقع الجهاد ليس جميلا كله في كل أحداثه ، فالجهاد ليس هو هذه الخطب الرنانة وليس هو تلك الكلمات الجميلة,وليس كله غنائم وسبايا وليس كله نصر مؤزر وليس كله خطب نارية بل فيه موت الحبيب وفيه جرح الصديق وفيه تطاير الأشلاء وفقد المال وفقد المعين وبمعنى آخر فيه من المشقة العظيمة ثم فيه اختلاف الجنود وحصول الخصومات بين الناس فهذا ضرب هذا وهذا خاصم هذا وهذا شط على هذا،فهو حركة بشرية ."
فلو رجعنا إلى الرعيل الأول لوجدنا ذلك واضحا ،فهذا أبو ذر رضي الله عنه يقول لبلال رضي الله عنه يا ابن السوداء فأغلظ عليه النبي صلى الله عليه وسلم حتى تمنى ،أن لا يكون أسلم قبل هذه الحادثة ،ثم يذهب إلى بلال ويتكئ على الأرض ويقول لبلال رضي الله عنه ضع رجلك على خدي ولكن بلال يستعلى بإيمانه فيقول لا أضع رجلي على خد يسجد الله تعالى،وكذلك ما وقع لصديق هذه الأمة أبوبكر رضي الله عنه مع المحدث عمر رضي الله عنه من مشاحنات ورفع للأصوات،ثم سرعان ما تنتهي وترجع الأمور إلى مجراها الطبيعي.
فالجهاد في سبيل الله تعالى فرض عين وبالتالي يدخل الصف كل الناس مع اختلاف طبائعهم فلا بد أن يقع النزاع والخلاف، فالمجاهد تكون فيه صفات حميدة وصفات مذمومة فالكمال لله وحده.
فالخلاف والنزاع واقع في كل أطوار البشرية وفى تجمعاتها ولكن ضابط هذا كله هو الرجوع إلى الكتاب والسنة قال تعالى "فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول" وكذلك يجب أن لا تختلط بين العداوات الشخصية والحظوظ النفسية بأمر الدين ونذكر هنا كلاما نفيسا لابن تيمية رحمه الله تعالى (هذا وأنا في سعة صدر لمن يخالفني فإنه وإن تعدى حدود الله في بتكفير أو تفسيق أو افتراء أو عصبية جاهلية فأنا لا أتعدى حدود الله فيه بل أضبط ما أقوله وأفعله وأزنه بميزان العدل واجعله مؤتما بالكتاب الذي أنزله الله وجعله هدى للناس حاكما فيما اختلفوا فيه قال تعالى "فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول "
-- فصل الثبات من عند الله --
علمتني الحياة في ظل الجهاد أن الثبات من عند الله عز وجل فليس لهذه النفس ثبات على دين الله إلا بتوفيقه قال تعالى ذكره لنبيه صلى الله عليه وسلم "ولولا أن ثبتناك لقد كدت تركن إليهم شيئا قليلا"الآية.
يقول السيد قطب رحمه الله تعالى في الظلال والنص يشير إلى هذه المحاولات ولا يفصلها ،ليذكر فضل الله على رسوله في تثبيته على الحق وعصمته من الفتنة ،ولو تخلى عنه تثبيت الله وعصمته لركن إليهم فاتخذوه خليلا،وللقي عاقبة الركون إلى فتنة المشركين وهي مضاعفة العذاب في الحياة والممات ،دون أن يجد له نصيرا منهم يعصمه من الله ،هذه المحاولات التي عصم الله منها رسوله ،هي محاولات أصحاب السلطان مع أصحاب الدعوات دائما محاولة إغرائهم لينحرفوا ولو قليلا عن استقامة الدعوة وصلابتها ويرضوا بالحلول الوسط التي يغرونهم بها في مقابل مغانم كثيرة ،ومن جملة الدعوات من يفتن بهذا عن دعوته لأنه يرى الأمر هينا ،فأصحاب السلطان لا يطلبون إليه أن يترك دعوته كلية ،إنما هم يطلبون تعديلات طفيفة ليلتقي الطرفان في منتصف الطريق وقد يدخل الشيطان على حامل الدعوة من هذه الثغرة فيتصور أن خير الدعوة في كسب السلطان إليها ولو بالتنازل عن جانب منها ولكن الإنحراف الطفيف في أول الطريق ينتهي إلى الإنحراف الكامل في نهاية الطريق وصاحب الدعوة الذي يقبل التسليم في جزء منها ولو يسير،وفى إغفال طرف منها ولو ضئيل لا يمكن أن يقف عند ما سلم به أول مرة لأن استعداده للتسليم يتزايد كلما رجع خطوة للوراء).
لقد كان أكثر دعاء النبي صلى الله عليه وسلم يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك ،يا مصرف القلوب صرف قلبي على طاعتك.
وإن الناظر إلى الذين ينتكسون عن الجهاد ويسلمون أنفسهم للطواغيت ويرتدون على أعقابهم لا تجد ميزة تجمعهم، فيرتد العالم كما يرتد الجاهل، ويرتد الأمير كما يرتد الجندي ويرتد الشجاع كما يرتد الجبان وإنما الوصف الجامع لكل أولئك قوله تعالى "إن الذين ارتدوا على أدبارهم من بعد ما تبين لهم الهدى الشيطان سول لهم و أملى لهم"،إنه تسويل الشيطان وإملائه نعوذ بالله من الحور بعد الكور.
ولو رجعنا إلى عصر الصحابة فإننا سنجد هذه الظاهرة متمثلة في جماعات وأفراد،فهاهم بني حنيفة أرتدوا عن دين الله واتبعوا مسيلمة وهذا الرجال بن عنفوة أحد كتاب الوحي يرتد ويموت مرتدا ،وهذا عبد الله بن أبى السرح يرتد ويعود إلى الإسلام ،فظاهرة الإنتكاسة والخيانة طبيعية في الدعوات وإن من أهم أسبابها اليأس والقنوط، فيظن أن الدين إلى زوال وأنه لن تقوم له قائمة وأن أصحابه نهايتهم الفشل و الهزيمة، قال تعالى عن المنافقين (وقالت طائفة منهم يا أهل يثرب لا مقام لكم فارجعوا) أي لا مقام لكم على الإسلام فارجعوا،أولا مقام لكم في القتال فهزيمتكم محققة، فارجعوا إلى منازلكم ، وسبحان الله ما أشبه المنافقين في زماننا بأولئك ،فهاهم منافقوا زماننا يقولون للمجاهدين إنكم لن تستطيعوا مواجهة القوى العظمى أمريكا وحلفائها من الصليبيين والمرتدين.
إن الثبات من عند الله والقلوب بين أصبعين من أصابع الرحمان يقلبها كيف يشاء , يقول الصحابة رضوان الله عليهم عند حفر الخندق:
اللهم لولا أنت ما اهتدينا *** ولا تصدقنا ولا صلينا
فأنزلن سكينة علينا *** وثبت الأقدام إن لاقينا
إن معرفة هذا الأمر ينمي في قلب المؤمن خشية الله وخوفه يسبب له انكسارا وتذللا لله عز وجل وابتهالا إليه أن يقيم قلبه على الدين ولا يزيغه، يفلا يغتر ولا يعجب بعمل من الأعمال حتى يختم له بالخاتمة الطيبة،ولذلك كان الصحابة يعملون أعمالا كبيرة ويخافون أن لا يتقبل الله منهم فهذا أبو بكر رضي الله عنه يقول "والله لا آمن مكر الله ولو كانت إحدى قدمي في الجنة" ،وكذلك عمر رضي الله عنه عند موته يخاف ويقول له الصحابة لقد بشرك رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجنة، فيقول "لعله على شرط لم يقع"، فلقد جمعوا بين إحسان وخوف وكثير من الناس غرهم إبليس فجمعوا بين إساءة وأمنا نسأل الله العافية والثبات.
-- فصل الأخذ بالسنن الشرعية والكونية --
علمتني الحياة في ظل الجهاد أن السنن لا تحابى أحدا والذي يظن بأنه بمجرد إلتزامك بالجهاد فقط، وأن عدوك شر منك وأنه مرتد ستنتصر عليه بدون الأخذ بالسنن الشرعية و الكونية،فهذا فهم خاطئ فلربما سلط عليك من هو شر منك ،فهاهم بنوا إسرائيل مع أنهم كانو الأمة المختارة في تلك الفترة سلط عليهم فرعون يقتل أبنائهم ويستحى نسائهم.
ونجد في السيرة النبوية أن أفضل الناس محمد صلى الله عليه وسلم، عندما خالف بعض الرماة أمرا شرعيا واحدا فى غزوة أحد أصابتهم الهزيمة وقتل سبعين من خيار الصحابة وكسرت رباعية النبي صلى الله عليه وسلم وهذا درس للمجاهدين في أن يتحرزوا من المعاصي لأن من السنن الشرعية أن النصر منوط بالطاعة يقول السيد قطبإن الهزيمة لا تلحق بالمؤمنين ولم تلحق بهم في تاريخهم إلا هناك ثغرة في حقيقة الإيمان،إما في الشعور وإما في العمل ومن الإيمان الأخذ بالعدة وإعداد القوة في كل حين بنية الجهاد في سبيل الله تعالى وتحت هذه الراية وحدها مجردة من كل إضافة ومن كل شائبة وبقدر هذه الثغرة تكون الهزيمة الوقتية ثم يعود النصر للمؤمنين حين يوجدون ففي أحد مثلا كانت الثغرة في الإغترار بالكثرة والإعجاب بها ونسيان السند الأصيل ولو ذهبنا نتبع كل مرة تخلف فيها النصر على المسلمين في تاريخهم لوجدنا شيئا من هذا نعرفه أولا نعرفه،أما وعد الله فهو حق في كل حين.)
يقول ابن القيم في تعليقه على غزوة أحد "لما علم القوم أن العدو إنما يدال عليهم بذنوبهم وأن الشيطان إنما يستزلهم ويهزمهم بها وأنها نوعان:تقصير في حق أو تجاوز لحد، وأن النصر منوط بالطاعة قالوا "ربنا اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا" ثم علموا أن ربهم تبارك وتعالى إن لم يثبت أقدامهم وينصرهم،لم يقدروا هم على تثبيت أقدام أنفسهم ونصرها على أعدائهم فسألوه ما يعلمون أنه بيده، دونهم وأنه إن لم يثبت أقدامهم وينصرهم لم يثبتوا ولم ينتصروا،فوفوا المقامين حقهما مقام المقتضى وهو التوحيد والإلتجاء إليه سبحانه ومقام إزالة المانع من النصرة وهو الذنوب والإسراف.
فأثر المعاصي في إنهزام الجيش واضح جدا وكذلك أثر الطاعات في النصر،فلقد كان صلاح الدين يجول في معسكره فإذا رأى فى أصحابه القيام بالطاعات يقول من هنا يأتي النصر وإذا رأى المعاصي يقول من هنا تأتى الهزيمة.
وكذلك لابد من الأخذ بالسنن الكونية من أجل أن ننتصر وذلك بأخذ العدة و تعلم فنون الحرب ،سواء من المسلم أو الكافر ،لأن هذه أمور كونية تعرف من طريق التجربة والأكتشاف فمن البلاهة أن يترك المسلمون فنون الحرب لأن الكفار هم الذين صنعوها واستخدموها بل هذه من الحكمة المأمور بأخذها كما في الحديث "الحكمة ضالة المؤمن متى وجدها فهو أحق الناس بها" وكذلك داخلة في عمومات الشريعة كقوله صلى الله عليه وسلم (أنتم أعلم بأمور دنياكم)
قال الشيخ أبو قتادة الفلسطيني فك الله أسره"فعلوم الحرب وطرقها ووسائلها علوم إنسانية مشاعة شئنا أم أبينا فهذه العلوم مما ينبغي أن نبكي على أهل الإسلام لإعراضهم عنها وهي علوم تنشأ بالتجربة والإطلاع وحدة العقل الراغب في هذه العلوم وتؤخذ من مظانها التي يعرفها أهل البحث والنظر وقد يقوى لها الفاسق ويضعف عنها التقي وحينئذ سنشكوا كما شكا عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال اللهم إني أعوذ بك من عجز التقي وجلد الفاجر" -انتهى .
و قال أيضا إذا يجب علينا أن نعلم أن البصر والعلم بما هو كوني شرط لتحقيق كمال الإيمان الواجب لتحقيق الوعود الإلهية في الكتاب والسنة ،كما أن البصر بما هو شرعي لتحقيق كمال الإيمان الواجب لتحقيق الوعود الإلهية في الكتاب والسنة سواء بسواء).
وإذا أمعنا النظر في السيرة النبوية نجد أن النبي صلى الله عليه وسلم أخذ بالسنن الشرعية والكونية ولذلك تحققت الوعود الإلهية وقامت دولة الإسلام وقمع الشرك وظهر الإسلام وبدأ الناس يدخلون في دين الله أفواجا .
فإذا نظرنا إلى الجانب الشرعي نجد أن النبي صلى الله عليه وسلم ربى جيلا في أعلى درجات الأخلاق والعبادة رهبان بالليل فرسان بالنهار ،وإذا نظرنا إلى الجانب الكوني نجده صلى الله عليه وسلم يتخذ كافة أساليب الحرب الممكنة والتي علم بها فتارة يقوم بالحرب الصدامية الشاملة (بدر وأحد)- وتارة يستخدم حرب الأغتيالات وتصفية الرؤوس (قتل كعب بن الأشرف وغيره) وتارة يستعمل الإنقلاب والتغيير الشامل (حادثة فيروز الديلمى رضي الله عنه مع الأسود العنسي في اليمن )وتارة جهاد الدفع كما في الخندق وأحد وتارة جهاد الطلب كفتح مكة وحنين
السيرة النبوية معين لا ينضب ففيها الكفاية لتعلم الحروب وأساليبها ومن الأمثلة تطبيق النبي صلى الله عليه وسلم لخطة حفر الخندق لتأمين المدينة،وهى خطة فارسية أشار بها سلمان رضي الله عنه ،وكذلك كان يعتمد غلى الترصد الجيد قبل الهجوم من أجل بناء خطة مناسبة للهجوم.
وكذلك كان يستخدم أساليب التمويه والتورية فكان صلى الله عليه وسلم إذا أراد غزوة ورى بغيرها،ولما أتى وأبو بكر للأعرابي قبل غزوة بدر سألهما فقال له النبي صلى الله عليه وسلم نحن من ماء ،وكذلك كان يسلك في مسيره الأماكن الوعرة والبعيدة عن الأعين حتى يباغت العدو من حيث لا يتصور كما في غزوة الحديبية.
يقول السيد قطب رحمه الله (إن الله سبحانه وتعالى لم يرد أن يكون حملة دعوته وحماتها من التنابلة"الكسالى الذين يجلسون في استرخاء ثم يتنزل عليهم نصره سهلا هينا بلا عناء لمجرد أنهم يقيمون الصلاة ويرتلون القرآن ويتوجهون إلى الله بالدعاء ،كلما مسهم أذى ووقع عليهم اعتداء ،نعم إنهم يجب أن يقيموا الصلاة وأن يرتلوا القرآن وأن يتوجهوا إلى الله بالدعاء في السراء والضراء ولكن هذه العبادة وحدها لا تؤهلهم لحمل دعوة الله وحمايتها إنما هي الزاد الذي يتزودونه للمعركة والذخيرة التي يدخرونها للموقعة والسلاح الذي يطمئنون إليه وهم يواجهون الباطل بمثل سلاحه ويزيدون عنه سلاح التقوى والإيمان والإتصال بالله)انتهى.
-- فصل الابتلاء والامتحان سنة ماضية --
علمتنى الحياة فى ظل الجهاد أن الابتلاء سنة ماضية لابد منها قال تعالى "ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين ".
إن الإبتلاء يمحص هذه النفوس ويخلصها من الشوائب وكذلك الإبتلاء يتميز به الصادق من الكاذب قال تعالى (الم أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لايفتنون ولقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين.) ويقول النبي صلى الله عليه وسلم (أشد الناس بلاء الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل)،ومما لاشك فيه أن ذروة سنام هذا الدين الجهاد في سبيل الله ولهذا يبتلى المجاهدون فى سبيل الله بصنوف شتى من الإبتلاءات و الفتن.
فمرة تبتلى بفقد إخوة لك أعزة كانوا معك على أرض الجهاد،أسودا على أعداء الله أذلة على إخوانهم، وإذا بالعين تلتفت فلا تراهم وحينها حق لك أن تقول كما قال القائل:
إخواننا قتلوا فى الحرب قد قتلوا *** يا رب تلهمنا صبرا فنحتملوا
ولكن عزاؤك فيهم أن مضوا إلى الخلد في منازل الشهداء، وأن دماءهم نور ونار،نور يضيء لنا دربنا ونار على أعداء الله تحرق قلوبهم غيظا وحنقا.
وقد يكون الإبتلاء بتكالب الأعداء على الفئة المجاهدة وحصارهم من كل مكان ويأتون بكل ما يملكون من جنود ومروحيات وكاشفات ،وتبلغ القلوب الحناجر ويزلزل المؤمنون، ومع ذلك يرجع أعداء الله خاسرين لم يحققوا شيئا ولله الحمد والمنة،وأما المجاهدون فيروا معية الله وتأييده لهم ويستفيدون دروسا كثيرة من هذه الابتلاءات يقول ابن القيم (إن النفوس تكتسب من العافية الدائمة والنصر والغنى طغيانا وركونا إلى العاجلة وذلك مرض يعوقها عن جدها في سيرها إلى الله والدار الآخرة، فإذا أراد بها ربها ومالكها وراحمها كرامته قيض لها من الإبتلاء والمحن ما يكون دواء لذلك المرض العائق عن السير الحثيث إليه فيكون ذلك البلاء بمنزلة الطبيب يسقي العليل الدواء الكريه ويقطع منه العروق المؤلمة لاستخراج الأدواء منه ولو تركه لغلبته الأدواء حتى يكون فيها هلاكه).
وقد يكون الإبتلاء ناتج عن نقص في الأموال والثمرات فتجد المجاهدين ماعندهم ما يسد جوعتهم ويظلون أياما كذلك فتجهدهم المخمصة ولكن سرعان ما تنكشف، وإذا بالمجاهدين يأكلون مالم يأكله أهل الغنى فى بيوتهم وذلك مصداق قول الله تعالىإن مع العسر يسرا)، فبمجرد أن يبلغ الإبتلاء نهايته يأتي الفرج وهذا أمر تحققه المجاهدون وعلموه.
وإذا رجعنا إلى السيرة النبوية نجد أنه في غزوة أحد فقد الصحابة سبعين من الخيار وعلى رأسهم حمزة رضي الله عنه حتى أن النبي صلى الله عليه وسلم من شدة الفاجعة قال لأمثلن بسبعين من المشركين وقال أيضا أما,حمزة رضي الله عنه فلا بواكي له، نعم إنه يبلغ الحزن والمرارة إلى هذا الحد.
فالدين العظيم, لا يقوم إلا على دماء الشهداء وجماجم الأولياء قال تعالى (وكم من نبيء قتل معه ربيون كثير فما وهنوا لما أصابهم فى سبيل الله وما ضعفوا وما استكانوا)،أي فما وهن من بقي لما أصابهم في سبيله وما ضعفوا وما استكانوا وما وهنوا عند القتل ولا ضعفوا ولا استكانوا بل تلقوا الشهادة بالقوة والعزيمة والإقدام فلم يستشهدوا مدبرين مستكينين أذلة بل استشهدوا
أعزة كراما مقبلين غير مدبرين .
وأما بالنسبة لتكالب الأعداء فلقد لقي النبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنون معه النصيب الأكبر
ففي غزوة الأحزاب يصور لنا القرآن الموقف (إذ جاءوكم من فوقكم ومن أسفل منكم وإذ زاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر وتظنون بالله الظنونا هنالك أبتلي المؤمنون وزلزلوا زلزالا شديدا)،ولكن تدخلت قدرة الله فجاءت الريح فقوضت خيامهم ولم تدع لهم قدرا إلا اكفأته والملائكة يزلزلونهم ويلقون فى قلوبهم الرعب فردهم الله بغيظهم لم ينالوا خيرا وكفى الله نبيه القتال.
وأما بالنسبة للمخمصة فقد حوصر النبي صلى الله عليه وسلم في الشعب هو ومن معه قال ابن القيم [بقوا ثلاث سنين محبوسين محصورين مضيقا عليهم جدا مقطوع عنهم الميرة والمادة حتى بلغهم الجهد وسمع أصوات صبيانهم من البكاء من وراء الشعب ثم فرج الله عنهم بالأرضة التى أكلت الصحيفة الجائرة ولم تبق منها إلا ذكر الله .] ،وكذلك ما وقع لسرية أبا عبيدة من الجوع حتى أكلوا الخبط ثم إن الله ساق لهم دابة عظيمة من البحر فأكلوا منها وادهنوا وذهبت عنهم المخمصة.
-- فصلوجعل رزقي تحت ظل رمحي --
علمتني الحياة في ظل الجهاد أن رزق المجاهدين هو من ظلال الرماح،وليس كما يظن البعض أنه لابد من إقامة شركات والمشاركة في التجارة حتى نحصل أموال لكي نجاهد ففي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم قال عن الطائفة المنصورة "ويزيغ الله لهم قلوب أقوام و يرزقهم منهم حتى تقوم الساعة وحتى يأتي وعد الله "،فهذه هي موارد الإقتصاد بالنسبة للطائفة المجاهدة وهي الغنيمة والفيء،إن هذه الأنظمة والحكومات المرتدة التي تسلطت على هذه الأمة قد نهبت خيراتها و أغرقت هذه الأمة في المجاعات حتى لا يصبح همهم إلا طلب العيش،فلا يفكروا في نصرة دينهم ،فهاهي شركاتهم وبنوكهم وأموالهم حلال للطائفة المجاهدة فيأخذون منها إما غنيمة أو فيئا.
فالمجاهدون بفضل الله تعالى من أحسن الناس عيشا فإنهم لما تركوا الدنيا رزقهم الله عيشا طيبا وذلك مصداق قوله تعالى (والذين هاجروا في الله من بعد ما ظلموا لنبوئنهم في الدنيا حسنة).
إنه لما قام سوق الجهاد والتجارة الرابحة ترك الصحابة رضي الله عنهم ما كانوا يقومون به من أعمال ،فقد كان أهل مكة أصحاب تجارة (المهاجرون)،وكان أهل المدينة(الأنصار) أصحاب زرع فلم يقل لهم النبي صلى الله عليه وسلم انتظروا حتى تحصلوا لنا رؤوس أموال من التجارة والزراعة ثم نقوم بالجهاد،كلا بل بين لهم أن وظيفتهم هي الجهاد في سبيل الله تعالى وأن أموالهم وما يحتاجونه يجدونه من المغنم والفيء ولذلك تجد في السيرة النبوية أن غزوة بدر يوم الفرقان كان سببها اعتراض عير قريش وكذلك عدة سرايا خرجت من أجل هذا الهدف .
ولله در شيخ المجاهدين أبي عبد الله أسامة بن لادن حفظه الله تعالى حيث أمر بضرب مفاصل الاقتصاد الأمريكي,ولاشك أن هذه الأنظمة العربية المرتدة ما هي إلا محميات للمصالح الصليبية فما على المجاهدين في كل مكان إلا أن يسارعوا في ضرب مصالح الصليبيين وأعوانهم المرتدين،فإن قوة الكفار قائمة على الاقتصاد فإذا ما سقط فسيسقطون معه بإذن الله.
ولما قام الصحابة بالجهاد فتح الله عليهم البلاد وأصابوا مغانم كثيرة كما وعدهم الله (وعدكم الله مغانم كثيرة تأخذونها...)الآية قال ابن القيم [فأثابهم على الرضا بحكمه والصبر لأمره فتحا قريبا ومغانم كثيرة يأخذونها وكان أول الفتح فتح خيبر ومغانمها ثم استمرت الفتوح والمغانم إلى انقضاء الدهر].
فأصبحوا أغنياء بعد أن كان أحدهم يسقط من الجوع ،وهاهو سراقة رضي الله عنه يلبس سواري كسرى، وبلغ المسلمون درجة من الغنى حيث أصبح يطاف بالصدقة فلا تجد من يأخذها، وأصبح أكثر الصحابة أمراء كما قال عمر رضي الله عنه 'كنا رعاة الغنم فأصبحنا رعاة الأمم'.
إن الإقامة في إ صلاح الأموال وترك الجهاد تهلكة كما قال الله عز وجل "ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة" قال الواحدي في أسباب النزول" قام أبو أيوب الأنصاري صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أيها الناس إنكم تتأولون هذه الآية على غير التأويل إنما أنزلت هذه الآية فينا معشر الأنصار،إنا لما أعز الله تعالى دينه وكثر ناصروه قلنا بعضنا لبعض سرا من رسول الله صلى الله عليه وسلم إن أموالنا قد ضاعت فلو أنا أقمنا فيها وأصلحنا ما ضاع منها فأنزل الله الآية أي الإقامة التي أردنا أن نقيم في الأموال نصلحها فأمرنا بالغزو فما زال أبو أيوب غازيا في سبيل الله حتى قبضه الله عز وجل."
وهذا وعد الله عز وجل باق إلى قيام الساعة قال تعالى "وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا يعبدونني لا يشركون بي شيئا" ،وقال تعالى "وأورثكم أرضهم وديارهم وأموالهم وأرضا لم تطؤوها".
وسيتحقق وعد النبي صلى الله عليه وسلم (لن يبقى بيت حجر ولا وبر ولا مدر إلا أدخله الله هذا الدين بعز عزيز أو بذل ذليل عزا يعز الله به الإسلام وذلا يذل الله به الكفر ).
انتهى
وتم الفراغ منه بحمد الله عز وجل يوم الثلا ثاء ٢٥ذى القعدة هجرية١٤٢٨
كتبه العبد الضعيف الفقير إلى رحمة ربه معاذ أبو مصعب الشنقيطي
الجبل الأبيض منطقة الجنوب
بـــــســــم الله الـــرحــمــن الــــرحــيــم
الحمد لله رب العالمين القائل في محكم التنزيل[ياأيها النبي جاهد الكفار والمنافقين وأغلظ عليهم ومأواهم جهنم وبيس المصير] والصلاة والسلام على الضحوك القتال القائل [بعثت بين يدي الساعة بالسيف حتى يعبد الله وحده]وعلى آله وصحبه ومن أتبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد فإن الجهاد هو رهبانية هذه الأمة ولا عزة لهذه الأمة ولا كرامة إلا به فهو حياة للمؤمنين كما قال الله عزو جل [يأيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم]ولقد أمرنا الله عز وجل بالتأسي بالنبي صلى الله عليه وسلم فقال[لقد كان لكم في رسول إسوة حسنة لمن كان يرجوا الله واليوم الآخر] فأعظم ما نتأسى به قتاله صلى الله عليه وسلم،فقد جاهد في الله حق جهاده وكذلك أصحابه الكرام رضي الله عنهم وأرضاههم.
إن الله سبحانه تكفل للمجاهد بالهداية فقال [والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا]،فالمؤمن المجاهد هو الأقدر على معرفة سنن ونواميس الحياة قال السيد رحمه الله إن النفس التي تنفر في سبيل الله هي التي تتفقه في دين الله وهي التي تنذر قومها إذا رجعت،إن هذا الدين لا يعرفه فقيه قاعد قد خزن المعلومات قوالب في ذهنه باردة،إن هذا الدين لا يعرفه إلا من تحرك به في واقع الحياة ودفع له ثمنا.إنتهي)،إن المؤمن في ظل الجهاد يحس من أعماق نفسه وهو على أرض الجهاد بأنه قد أصبح إنسانا أخر ، وأنه أصبح يعيش حياة أخرى بعيدة كل البعد عن ما كان يعيشه قبل الجهاد وان الحياة في ظل الجهاد قد علمته أشياء وأشياء كثيرة وقد صنعت منه إنسانا أخر متميزا في فكره وعمله وفهمه للحياة وإذا نظرنا إلى حالة الصحابة قبل الإسلام وبعد دخولهم فى الإسلام رأينا بونا شاسعا ، فلقد تربى ذلك الجيل الفريد الذي لن يتكرر بمجموعه في عصر من العصور على يدي أكبر معلم عرفته البشرية وهو محمد صلى الله عليه وسلم ، ولقد كانت المدرسة التي تربوا فيها هي مدرسة الجهاد في سبيل الله ومن خلال هذه المدرسة تعلم الصحابة وبسببها تغيرت حياتهم
قال الشيخ أبو قتادة الفلسطيني فك الله أسره [ إننا نرى أن أغلب مسائل العلم التي علمها الرسول صلى الله عليه وسلم سواء كانت في تجارة أو بقية الأحكام إنما تعلمها الصحابة وهم في حال الجهاد كانت في الجهاد وأنا لا أستطيع أن أكثر الأمثلة أو أستوعب بعضها في ذكر النماذج التي تشهد لهذه القاعدة لكني أدعوا طلبة العلم وغيرهم إلى فتح وقراءة صحيح البخاري مثلا فهو أفضل نموذج لما أقول ويقرؤونه بتمعن وتدبر ويحاول كل واحد أن يجمع سبب الحديث الوارد بمعنى أن يذكر الزمن الذي قيل فيه الحديث وأين قيل ] انتهى كلامه .
وكما أخبر الشيخ فإني سأذكر القليل مما تعلمته في مدرسة الجهاد فالموضوع كبير وحتى لا نخرج عن إطار رسالة فلقد قسمت هذه الرسالة إلي عدة فصول:
- نقاوة التوحيد
- الطليعة المجاهدة فئة قليلة من الأمة
- الموت أجل لايتقدم أو يتأخر
- القيادة تخرج من الميدان
- الصبر على الإخوان
- الثبات من عند الله
- الأخذ بالسنن الشرعية والكونية
- الابتلاء والامتحان سنة ماضية
- وجعل رزقي تحت ظل رمحي
نسأل الله سبحانه وتعالى أن تكون هذه الرسالة تذكرة نافعة لإخواني المجاهدين خاصة وللمسلمين عامة قال الله عز وجل ( وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين ) وهي بعنوان هكذا علمتني الحياة في ظل الجهاد والله المستعان وعليه التكلان ولا حول ولا قوة إلا بالله العلى العظيم..
-- فصلنقاوة التو حيد --
علمتني الحياة فى ظل الجهاد أن هذا التو حيد لا يتمحص من الشوائب والشبهات إلا فى أرض الجهاد ؛ فحين ما يعتزل الإنسان الجاهلية بأكملها يهديه الله عز وجل إلى الطريق القويم ، ويهديه سبيل الموحدين، فكمال التوحيد لا يتم إلا باجتناب الطاغوت - وهو بغضه وعداوته بالقلب وسبه وتقبيحه باللسان، وإزالته باليد عند القدرة ومفارقته وهذه الأمور بأجمعها لايستطيعها القاعد عن الجهاد لأن أجهزة الطاغوت وبطشه له بالمرصاد، فلابد من أرض الجهاد حتى يعلن عن براءته واجتنابه الكامل للطاغوت جهارا نهارا ، قال السيد قطب رحمه عند قول الله تعالى ( وإذ اعتزلتموهم وما يعبدون إلا الله فأووا إلى الكهف ) . ولقد تبين الطريقان واختلف المنهجان فلا سبيل إلى الإ لتقاء ولا للمشاركة في الحياة ، ولابد من الفرار بالعقيدة إنهم ليسوا رسلا إلى قومهم فيواجهوهم بالعقيدة الصحيحة ويدعوهم إليها ويتلقوا ما يتلقاه الرسل إنهم فتية تبين لهم الهدى في وسط ظالم كافر،ولا حياة لهم في هذا الوسط إن هم أعلنوا عقيدتهم وجاهروا بها وهم لا يطيقون كذلك أن يداروا القوم ويداوروهم، ويعبدوا ما يعبدون من الآلهة على سبيل التقية ويخفوا عبادتهم لله والأرجح أن أمرهم قد كشف فلا سبيل لهم إلا أن يفروا بدينهم إلى لله وأن يختاروا الكهف على زينة الحياة.
فما أشبه فتية التوحيد في عصرنا بأصحاب الكهف حينما تضيق عليهم الضائقة من أعداء الله المرتدين ،فيخرجون من واقع الردة المخيم على الديار،فيخرجوا لا ليعتزلوا الحياة فقط ولكن ليمتشقوا سلاحهم ويقفوا وجها لوجه أمام هذا الطاغوت الكافر ويذيقوه ألوان العذاب،ولسان حالهم:
نحن بالرشاش عدنا *** نملك اليوم القيادة
وكذالك فإن الشبهات التي علقت بذهن المرء وذالك بسبب مرجئة العصر الذين استفحل شرهم واشرأبت فتنتهم وتطاولت وانتشرت بين الرعاع شبههم وذلك في أصل الدين ولا حول ولا قوة إلا بالله قال تعالى ( وكذالك جعلنا لكل نبي عدوا شياطين الإنس والجن يوحي بعضهم الى بعض زخرف القول غرورا ولو شاء ربك ما فعلوه فذرهم وما يفترون ولتصغي إليه أفئدة الذين لا يؤمنون بالآخرة وليقترفوا ما هم مقترفون ) .
فيا لك من آيات حق لو اهتدى *** بهن مورد الحق كن هواديا
ولكن على تلك القلوب أكنة ** فليست وإن أصغت تجيب المناديا
إن تلك الشبهات لا يمكن أن تزول بالكلية الا تحت شمس الجهاد اللاهب التي لا تترك شبهة الا أحرقتها.
إن هذا الجهاد هو تطبيق فعلي لمفهوم التوحيد فالمجاهد حين ما يحمل سلاحه فهو بهذا الفعل يجسد فعليا معنى الكفر بالطاغوت الذي هو الشطر التوحيد فهو يريد أن يقيم التوحيد ويحطم الشرك بنوعيه ( شرك القصور وشرك القبور ).
فالجهاد بالسنان هو أعظم درجات التوحيد فهذا إمام الموحدين خليل الله إبراهيم عليه الصلاة والسلام يعمد الى أصنام الكفار فيحطمها- وهاهو النبي صلى الله عليه وسلم يحطم الأصنام عند الكعبة.
فعند فهم حقيقة التوحيد في أرض الجهاد تتضح لك وبجلاء حقيقة المرتدين وتنكشف أمامك عوراتهم وترى الحقد الذى يملأ جوانبهم على هذه العصبة المجاهدة وتنكشف كذالك ألاعيب السحرة والرهبان من علماء السوء الذين يلبسون على الأمة كفر الطواغيت ووجوب قتالهم ، وكذلك تتعرى الحركات الإسلامية المبتدعة التي زورت الإسلام وشوهت وجهه الجميل وتسقط أمامك كل تلك المشيخات الذين ملأوا الدنيا جعجعة ولم يرى لهم طحينا ؛ لأن هذا الجهاد هو الذي يميز الناس ويظهر فيه الناس على حقيقتهم وتسقط فيه الهالات الكاذبة والشخوص المزيفة .
-- فصل الطليعة المجاهدة فئة قليلة من الأمة --
علمتني الحياة في ظل الجهاد أن الفئة القليلة من الأمة هم الذين يحملون هم تبليغ هذا الدين ونشره والدفاع عنه رغم ضعفهم وقلة وسائلهم ورغم تكالب الأعداء عليهم وذلك مصداق قول النبي صلى الله عليه وسلم [لا تزال طائفة من أمتي يقاتلون على الحق ظاهرين إلى يوم القيامة ،قال فينزل عيسى بن مريم صلى الله عليه وسلم فيقول أميرهم تعالى صلي لنا فيقول،لا إن بعضكم على بعض أمراء تكرمة الله هذه الأمة] رواه مسلم وكذلك حديث جابر رضي الله عنه قال،قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (لن يبرح هذا الدين قائما يقاتل عليه عصبة من المسلمين حتى تقوم الساعة) رواه مسلم وقال الله عز وجل (كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله).
يقول السيد قطب"قليل هم الذين يحملون المباد ئ وقليل من هذا القليل هم الذين ينفرون من الدنيا لتطبيق هذه المبادئ وقليل من هذه الصفوة الذين يقدمون أرواحهم ودمائهم من أجل نصرة هذه المبادئ والقيم ،هم قليل من قليل ولا يمكن أن يوصل إلى المجد إلا عبر هذا الطريق وهذا الطريق وحده."
وهذه الفئة المجاهدة اليوم لطواغيت العصر هي الطائفة المنصورة وهي عبارة عن عصابات منتشرة في العالم اليوم وقد بدأت تتوحد ولله الحمد والمنة تحت راية واحدة وها هي مع قلتها تقارع الكفر العالمي وعلى رأسه أمريكا وأذنابها من حكام وجيوش الردة المتسلطين على الأمة، فمع ما بذلته أمريكا من قوة لمحاربة المجاهدين ،
ورغم وسائلها الضخمة و الهائلة وضجيجها الإعلامي،لم تحقق سوى الخيبة والخسران ،فهاهي تخسر بلايين الدولارات في حربها للمجاهدين،وما غزوتي نيويورك وواشنطن عنا ببعيد،فقد قامت فئة قليلة من أبطال الإسلام من أهل الطائفة المنصورة نسأل الله أن يتقبلهم في الشهداء ،بدك معاقل الكفر في عقر داره وأمام استخباراته وأقماره الصناعية ،لتسقط أسطورة السي اي إي والأمن القومي إلى غير رجعة بإذن الله عز وجل .
قال الله تعالى (إن الذين كفروا ينفقون أموالهم ليصدوا عن سبيل الله فسينفقونها ثم تكون عليهم حسرة ثم يغلبون ) ،وهذا ما رأيناه وتحققناه ولله الحمد .
إن الذين يظنون أن الأمة بمجموعها ستقوم بنصرة هذا الدين هم واهمون ولم يعرفوا طبيعة هذا الدين ولم يتدبروا سيرة نبيهم صلى الله عليه وسلم،فالناس لم يدخلوا في دين الله أفواجا إلا بعد الفتح كما قال الله عز وجل (إذا جاء نصر الله والفتح ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجا......)،فحينما تضحى الطليعة المجاهدة وتبذل الغالي والنفيس من أجل دينها فإن مبادئها تحيى بين الناس يقول أبو بكر ناجى في كتابه إدارة التو حش:"إن ما قدمته أجيال المجاهدين من الهجرة والجهاد وترك الديار والمنافع والمصالح الدنيوية وإراقة دمائهم وهلاك نفوسهم في الجهاد وما لاقوه من أهوال لن يذهب هباء وسيعمل أثره ولو بعد حين فهذا عكرمة ابن أبى جهل وسفيان بن حرب يحدث أحدهما الآخر بعد إسلامهما مباشرة (لقد سبقنا القوم ،لقد عذب وقتل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وهاجروا وتركوا الديار والأهل وقدموا الأنفس والأموال والتضحيات الجسام فما بالنا)،فكانت الإجابة قم لتنهض تقاتل أهل الكفر لعل الله يرزقنا الشهادة فيغفر لنا ويرفع درجاتنا،فهذه التضحيات والأهوال التي واجهت المجاهدين والمؤمنين لها مردود على الأجيال التي ستدخل الإسلام في المرحلة القادمة بإذن الله."
وقال الشيخ العلوان في رسالته ألا إن نصر الله قريب في تعليقه على حديث الراهب والغلام "وإنه لشيء عظيم وأمر كبير أن يذهب غلام أو رجال من البشر فداء لدوافع معقولة وغايات مطلوبة فبقاء الحق مقدم على بقاء الجسد فأهل الحق يذهبون بأبدانهم وتعيش أفكارهم وكلماتهم وقد تحدث الحديث عن الغلام وعن تضحيته بدمه بغية إسلام الناس وإيمانهم بالله فتحقق القصد المطلوب ونفذ الأمر المنشود وسرى مراد هذا الغلام من وصول الإيمان والتوحيد إلى أعماق القلوب فآمن قومه ووحدوا ربهم وكانوا من قبل في ضلال مبين لا يعرفون الإسلام ولا الدين الحق يعبدون المادة والحياة ويدينون للبشر بالعبادة والطاعة وتهيمن عليهم أنظمة الملوك وتشريعاتهم غير أن هذا لم يدم فشعور الغلام بالمسؤولية وتقديره للقضية حال دون ذلك فأعلن في دنيا الواقع كلمة الحق وقدم دمه في صلاح البشر وتحطيم الوثنية ،حينها تحررت القلوب من عبوديتها لدين الملك، للأحجار، للحياة، للتراب، وصوتت بروح عالية ونفس مطمئنة وقلوب ثابتة آمنا برب الغلام آمنا برب الغلام آمنا برب الغلام ولم ترضخ لبطش الجبارين ولا تعذيب المجرمين."
وإذا رجعنا إلى السيرة النبوية نجد أن المعركة الفاصلة الحاسمة بين الكفر و الإيمان هي معركة بدر الكبرى،وكان عدد المسلمين وعدتهم فيها قليل بالمقارنة بعدد الكفار وعدتهم وزيادة على ذلك كون المسلمين لم يخرجوا للقتال وإنما من أجل العير،وتحققت سنة الله تعالى [كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله].
والتاريخ الإسلامي زاخر بمثل هذه المواقف التي تقف فيها الفئة القليلة المؤمنة أمام جحافل الكفر المدججة بأنواع
العدد ولنأخذ مثالين.
موقعة عين جالوت والتي انتصر فيها سيف الدين قطز والفئة القليلة، على الجموع الهمجية التترية التي كانت في تلك الفترة أكبر قوة وقد شاع بين الناس أن التتار لا يهزمون.
وكذلك ما وقع لألب أرسلان حيث كان جيشه يبلغ عشرين ألفا بينما كانت جحافل الكفار كالجبال مكونة من الروم والكرخ والفرنج وعدد عظيم وعدد،فأشار عليه الفقيه أبو نصر محمد بن عبد الملك البخاري بأن يكون النزال وقت الجمعة بعد الزوال حين يكون الخطباء يدعون للمجاهدين فلما كان ذلك الوقت وتوافق الفريقان وتواجه الفتيان،نزل السلطان عن فرسه وسجد لله عز وجل ومرغ وجهه في التراب ودعا الله واستنصره فأنزل الله نصره على المسلمين وهكذا يعود للأمة نصرها يوم أن ترجع إلى دينها.
-- فصل الموت أجل لايتقدم أو يتأخر --
علمتني الحياة في ظل الجهاد أن الموت أجل محدود لا يتقدم ولا يتأخر كما قال الله عز وجل (فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون) وقال الله عز وجل (أينما تكونوا يدرككم الموت ولو كنتم في بروج مشيدة)،يقول سيد قطب رحمه الله في الظلال عند هذه الآية (فالموت حتم في موعده المقدر ولا علاقة له بالحرب والسلم ولا علاقة له بحصانة المكان الذي يحتمي به الفرد أو قلة حصانته ولا يؤخره أن يؤخر عنهم تكليف القتال إذن ،ولا هذا التكليف والتعرض للناس في الجهاد يعجله عن موعده، هذا أمر وذاك أمر ولا علاقة بينهما ....إنما العلاقة هناك بين الموت والأجل بين الموعد الذي قدره الله وحلول ذلك الموعد....وليست هناك علاقة أخرى....ولا معنى إذن لتمنى تأجيل القتال ولا معنى إذن لخشية الناس في قتال أو في غير قتال وبهذه اللمسة الثانية يعالج المنهج القرآني كل ما يهجس في الخاطر من هذا الأمر وكل ما ينشئه من التصور المضطرب من خوف ومن ذعر).
فالموت لا تقدمه الشجاعة ولا يؤخره الجبن قال الله عز وجل [قل لو كنتم في بيوتكم لبرز الذين كتب عليهم القتل إلى مضاجعهم ]،فها نحن على أرض الجهاد والقذائف تتصبب عليك من كل ناحية و الرصاص يدوى وأنت لا تصاب بأي شيء كما قال أحد المجاهدين لعل الطلقة التي كتب عليها أنها تقتلني لم تصنع بعد،ففي الجهاد تصل إلى درجة اليقين بالنسبة للأجل فكم من إخواننا سقطوا في كمائن لأعداء الله عز وجل وحفظهم الله ونجاهم والحكايات عند المجاهدين من هذا القبيل أكثر من أن تحصر،إن الذين لم يعيشوا في أرض الجهاد يظنون أنه بمجرد أن تنطلق الرصاصة ستصل إلى قلبه ويموت،ويرون هذه الراجمات والصواريخ والقنابل شيئا عظيما، فالمجاهدون بفضل الله عز وجل جربوا في الميدان أن هذه الأسلحة لا تساوى شيئا أمام قوة الله عز وجل وأن جموع الردة والكفر لا تحقق شيئا أمام جند الله عز وجل.
إن المجاهد في سبيل الله لا يفكر كما يفكر الناس فهو يتمنى القتل ويدعوا الله صباحا ومساء أن يتخذه الله شهيدا وشتان شتان يبن القتل الكريم والموت الأليم يقول المصطفى صلى الله عليه وسلم (لا يجد الشهيد من ألم الموت إلا كما يجد أحدكم من مس القرصة).
لقد كان الصحابة رضي الله عنهم يجمعهم حب القتل في سبيل الله كما قال قائلهم جئناكم بقوم يحبون الموت كما تحبون الحياة،فهذا خالد بن الوليد رضي الله عنه يقتحم الجيوش ويدخل في أتون المعارك ومع ذلك يقول "ما في جسدي موضع أصبع إلا وفيه ضربة بسيف أو طعنة برمح وها أنا أموت على فراشي كما يموت البعير فلا أقر الله أعين الجبناء"،رغم كل هذه المخاطر التي يجابهها، يموت على فراشه رضي الله عنه وأرضاه فهذا درس للجبناء، الذين يحسبون الهروب من المعارك يجلب لهم الحياة، فهاهم الناس اليوم في دنياهم يصبح أحدهم معافى وإذا به يخرج إلى عمله أو يخرج من بيته فتصدمه سيارة فتقتله أو تسقط به الطائرة أو ينقلب به قاربه،فإذن الموت ليس أقرب إلى المجاهد من غيره قال علي رضي الله عنه:
في أي يوميّ من الموت أفر*** أيـوم لا يــقدر أم يوم قــــدر
يـــوم لا يــقــدر لا أرهــبــه *** ومن المقدور لا ينجى الحذر
إن هذه الفئة المجاهدة اليوم تسير على نهج أسلافها من الصحابة وتترنم شوقا إلى القتل في سبيل الله فهذا ابن رواحة يقول:
لكنني أسأل الرحمن مغفرة *** وضربة ذات فرغ تقذف الزبدا
أو طعنة بيدي حران مجهزة *** بحربة تقذف الأحشاء والكبدا
حتى يقال إذا مروا على جدثى *** يا أرشد الله من غاز وقد رشدا
-- فصل القيادة تخرج من الميدان --
علمتني الحياة في ظل الجهاد أن الإمارة و القيادة في أرض الجهاد تكليف لا تشريف ولا تتم إلا لمن يستحقها،فبعد جهد كبير وتعب متواصل وسهر على مصالح الأمة،يقدم هذا الإنسان لأن يكون قائدا وكذلك لشجاعته وقتله لأعداء الله عز وجل،فالميدان هو الذي يحدد ذلك ففي الجهاد في سبيل الله تعالى تبرز القيادة الحقيقية،لأن الثبات في أوقات الشدائد والأهوال والمصابرة والمكابدة هي ظروف قاسية تكشف المعادن على حقيقتها؛حينئذ يكون معدن القائد خالي من الشوائب والكدر فهو قائد حقيقي يستحق هذا المنصب بل المنصب يتشرف به ويفخر؛فحركة الجهاد هي التي تربى الأمة وتبرز القيادات وتعرفنا بمقادير الرجال ويكشف لنا القرآن الكريم كيف تبرز القيادة الصحيحة وما صفتها يقول الشيخ أبو قتادة الفلسطيني فك الله أسره من سجون الصليبيين بتصرف يسير[سورة البقرة من الآية ٢٤٦-٢٥٢ تتكلم عن الملأ من بني إسرائيل وطلبهم لملك يقاتلون معه ووضعوا له صفات لكن الله عز وجل بعث إليهم ملكا وهو طالوت كما قال الله عز وجل "إن الله قد بعث لكم طالوت ملكا" ومبرر البعث "بسطة في العلم والجسم"أي القوة والأمانة فطالوت أثناء مسيره بالجند للجهاد عرف حقيقة جنوده ومن حركة الجهاد أيضا ظهر الجندي داوود عليه السلام وبرز بعد ماذا ?بعد"وقتل داوود جالوت"فجمع الله لداود عليه السلام ما تفرق قبل الحدث بين النبوة والملك"وآتاه الله الملك والحكمة "نعم عندما قتل الجندي داود عليه السلام الكافر جالوت كانت مقدمة الاختيار ] ومن هذه القصة القرآنية يستنبط الشيخ أبو قتادة فك الله اسره:
١-قيادة داود عليه السلام برزت من وسط المعركة ومن خلا لها بعد برهان حقيقي أنه من عنده القدرة على إصابة الرأس-جالوت-فهو يستحق أن يكون الرأس.
٢-أن العلم الشرعي شرط من شروط القيادة الجهادية لأن حركة الجهاد حركة مضبوطة بضوابط الشرع وأوامر لإله جل في علاه .انتهى
وإذا رجعنا إلى السيرة النبوية نجد كيف كان القائد الأعلى محمد صلى الله عليه وسلم،فلقد كان من أشجع الناس حيث أنه كان السابق في أي أمر يدهم الناس وكان الصحابة رضي الله عنهم إذا أشتدت بهم الحرب يتقون بالنبي صلى الله عليه وسلم وكذلك تبرز قيادته في وضع الصحابة عند مقاعدهم للقتال ،حيث يكون اختياره للمواقع القتالية موفقا واستراتجيا وكان يضع الخطط العسكرية المحكمة وذلك كله من تأييد الله سبحانه لعبده.
ولو رجعنا إلى الصحابة رضي الله عنهم فإن روح القيادة تسرى فيهم جميعا كيف لا وقد تربوا في أكبر جامعة عسكرية وهي الجهاد وعلى يدي المعلم القائد الأعظم محمد صلى الله عليه وسلم.
فهذا خالد رضي الله عنه منذ أسلم ،قدمه الصحابة رضي الله عنهم للقيادة وذلك أثناء غزوة مؤتة،لأن ميدان المعركة هو الذي يقدم أو يؤخر ،فأخذ القيادة بجدارة وذلك بعد مقتل القواد الثلاثة رضي الله عنهم ففرج الله به على الصحابة وأنقذ الموقف فانحاز بالصحابة إنحيازا عجيبا أذهل العقلاء لدقته وإحكامه والأمثلة كثيرة جدا.
-- فصل الصبر على الإ خوان --
علمتني الحياة في ظل الجهاد أن المجاهدين ليسوا ملائكة كما يظن البعض –لا يخطئون ولا تصدر منهم المشاحنات والخلافات بل إن المجاهدين بشر مثل البشر إلا إن الله وفقهم لخدمة هذا الدين، فهم خيار هذه الأمة وفضلائها، فالبشر هم البشر بأحاسيسهم وبأخطائهم، قال النبي صلى الله عليه وسلم (كل ابن آدم خطاء وخير الخطائين التوابون)،فتجد أثناء ساحة الجهاد معاملات من إخوان غير لائقة، وقد يغضبك أخوك كما قال العالم المجدد عبد الله عزام رحمه الله تعالى كاد الجهاد أن يكون صبرا على الإخوة ،نعم صبرا على الإخوة لأن طول الطريق و المساكنة والظروف التي تمر عليهم ،تجعل المؤمن يصبر على أخاه ،قال الشيخ أبو قتادة الفلسطينى فك الله أسره(حين يتحدث الناس عن الجهاد في سبيل الله تعالى،فهذه كلمة جميلة و,جميلة جدا -الجهاد في سبيل الله تعالى-ولكن واقع الجهاد ليس جميلا كله في كل أحداثه ، فالجهاد ليس هو هذه الخطب الرنانة وليس هو تلك الكلمات الجميلة,وليس كله غنائم وسبايا وليس كله نصر مؤزر وليس كله خطب نارية بل فيه موت الحبيب وفيه جرح الصديق وفيه تطاير الأشلاء وفقد المال وفقد المعين وبمعنى آخر فيه من المشقة العظيمة ثم فيه اختلاف الجنود وحصول الخصومات بين الناس فهذا ضرب هذا وهذا خاصم هذا وهذا شط على هذا،فهو حركة بشرية ."
فلو رجعنا إلى الرعيل الأول لوجدنا ذلك واضحا ،فهذا أبو ذر رضي الله عنه يقول لبلال رضي الله عنه يا ابن السوداء فأغلظ عليه النبي صلى الله عليه وسلم حتى تمنى ،أن لا يكون أسلم قبل هذه الحادثة ،ثم يذهب إلى بلال ويتكئ على الأرض ويقول لبلال رضي الله عنه ضع رجلك على خدي ولكن بلال يستعلى بإيمانه فيقول لا أضع رجلي على خد يسجد الله تعالى،وكذلك ما وقع لصديق هذه الأمة أبوبكر رضي الله عنه مع المحدث عمر رضي الله عنه من مشاحنات ورفع للأصوات،ثم سرعان ما تنتهي وترجع الأمور إلى مجراها الطبيعي.
فالجهاد في سبيل الله تعالى فرض عين وبالتالي يدخل الصف كل الناس مع اختلاف طبائعهم فلا بد أن يقع النزاع والخلاف، فالمجاهد تكون فيه صفات حميدة وصفات مذمومة فالكمال لله وحده.
فالخلاف والنزاع واقع في كل أطوار البشرية وفى تجمعاتها ولكن ضابط هذا كله هو الرجوع إلى الكتاب والسنة قال تعالى "فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول" وكذلك يجب أن لا تختلط بين العداوات الشخصية والحظوظ النفسية بأمر الدين ونذكر هنا كلاما نفيسا لابن تيمية رحمه الله تعالى (هذا وأنا في سعة صدر لمن يخالفني فإنه وإن تعدى حدود الله في بتكفير أو تفسيق أو افتراء أو عصبية جاهلية فأنا لا أتعدى حدود الله فيه بل أضبط ما أقوله وأفعله وأزنه بميزان العدل واجعله مؤتما بالكتاب الذي أنزله الله وجعله هدى للناس حاكما فيما اختلفوا فيه قال تعالى "فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول "
-- فصل الثبات من عند الله --
علمتني الحياة في ظل الجهاد أن الثبات من عند الله عز وجل فليس لهذه النفس ثبات على دين الله إلا بتوفيقه قال تعالى ذكره لنبيه صلى الله عليه وسلم "ولولا أن ثبتناك لقد كدت تركن إليهم شيئا قليلا"الآية.
يقول السيد قطب رحمه الله تعالى في الظلال والنص يشير إلى هذه المحاولات ولا يفصلها ،ليذكر فضل الله على رسوله في تثبيته على الحق وعصمته من الفتنة ،ولو تخلى عنه تثبيت الله وعصمته لركن إليهم فاتخذوه خليلا،وللقي عاقبة الركون إلى فتنة المشركين وهي مضاعفة العذاب في الحياة والممات ،دون أن يجد له نصيرا منهم يعصمه من الله ،هذه المحاولات التي عصم الله منها رسوله ،هي محاولات أصحاب السلطان مع أصحاب الدعوات دائما محاولة إغرائهم لينحرفوا ولو قليلا عن استقامة الدعوة وصلابتها ويرضوا بالحلول الوسط التي يغرونهم بها في مقابل مغانم كثيرة ،ومن جملة الدعوات من يفتن بهذا عن دعوته لأنه يرى الأمر هينا ،فأصحاب السلطان لا يطلبون إليه أن يترك دعوته كلية ،إنما هم يطلبون تعديلات طفيفة ليلتقي الطرفان في منتصف الطريق وقد يدخل الشيطان على حامل الدعوة من هذه الثغرة فيتصور أن خير الدعوة في كسب السلطان إليها ولو بالتنازل عن جانب منها ولكن الإنحراف الطفيف في أول الطريق ينتهي إلى الإنحراف الكامل في نهاية الطريق وصاحب الدعوة الذي يقبل التسليم في جزء منها ولو يسير،وفى إغفال طرف منها ولو ضئيل لا يمكن أن يقف عند ما سلم به أول مرة لأن استعداده للتسليم يتزايد كلما رجع خطوة للوراء).
لقد كان أكثر دعاء النبي صلى الله عليه وسلم يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك ،يا مصرف القلوب صرف قلبي على طاعتك.
وإن الناظر إلى الذين ينتكسون عن الجهاد ويسلمون أنفسهم للطواغيت ويرتدون على أعقابهم لا تجد ميزة تجمعهم، فيرتد العالم كما يرتد الجاهل، ويرتد الأمير كما يرتد الجندي ويرتد الشجاع كما يرتد الجبان وإنما الوصف الجامع لكل أولئك قوله تعالى "إن الذين ارتدوا على أدبارهم من بعد ما تبين لهم الهدى الشيطان سول لهم و أملى لهم"،إنه تسويل الشيطان وإملائه نعوذ بالله من الحور بعد الكور.
ولو رجعنا إلى عصر الصحابة فإننا سنجد هذه الظاهرة متمثلة في جماعات وأفراد،فهاهم بني حنيفة أرتدوا عن دين الله واتبعوا مسيلمة وهذا الرجال بن عنفوة أحد كتاب الوحي يرتد ويموت مرتدا ،وهذا عبد الله بن أبى السرح يرتد ويعود إلى الإسلام ،فظاهرة الإنتكاسة والخيانة طبيعية في الدعوات وإن من أهم أسبابها اليأس والقنوط، فيظن أن الدين إلى زوال وأنه لن تقوم له قائمة وأن أصحابه نهايتهم الفشل و الهزيمة، قال تعالى عن المنافقين (وقالت طائفة منهم يا أهل يثرب لا مقام لكم فارجعوا) أي لا مقام لكم على الإسلام فارجعوا،أولا مقام لكم في القتال فهزيمتكم محققة، فارجعوا إلى منازلكم ، وسبحان الله ما أشبه المنافقين في زماننا بأولئك ،فهاهم منافقوا زماننا يقولون للمجاهدين إنكم لن تستطيعوا مواجهة القوى العظمى أمريكا وحلفائها من الصليبيين والمرتدين.
إن الثبات من عند الله والقلوب بين أصبعين من أصابع الرحمان يقلبها كيف يشاء , يقول الصحابة رضوان الله عليهم عند حفر الخندق:
اللهم لولا أنت ما اهتدينا *** ولا تصدقنا ولا صلينا
فأنزلن سكينة علينا *** وثبت الأقدام إن لاقينا
إن معرفة هذا الأمر ينمي في قلب المؤمن خشية الله وخوفه يسبب له انكسارا وتذللا لله عز وجل وابتهالا إليه أن يقيم قلبه على الدين ولا يزيغه، يفلا يغتر ولا يعجب بعمل من الأعمال حتى يختم له بالخاتمة الطيبة،ولذلك كان الصحابة يعملون أعمالا كبيرة ويخافون أن لا يتقبل الله منهم فهذا أبو بكر رضي الله عنه يقول "والله لا آمن مكر الله ولو كانت إحدى قدمي في الجنة" ،وكذلك عمر رضي الله عنه عند موته يخاف ويقول له الصحابة لقد بشرك رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجنة، فيقول "لعله على شرط لم يقع"، فلقد جمعوا بين إحسان وخوف وكثير من الناس غرهم إبليس فجمعوا بين إساءة وأمنا نسأل الله العافية والثبات.
-- فصل الأخذ بالسنن الشرعية والكونية --
علمتني الحياة في ظل الجهاد أن السنن لا تحابى أحدا والذي يظن بأنه بمجرد إلتزامك بالجهاد فقط، وأن عدوك شر منك وأنه مرتد ستنتصر عليه بدون الأخذ بالسنن الشرعية و الكونية،فهذا فهم خاطئ فلربما سلط عليك من هو شر منك ،فهاهم بنوا إسرائيل مع أنهم كانو الأمة المختارة في تلك الفترة سلط عليهم فرعون يقتل أبنائهم ويستحى نسائهم.
ونجد في السيرة النبوية أن أفضل الناس محمد صلى الله عليه وسلم، عندما خالف بعض الرماة أمرا شرعيا واحدا فى غزوة أحد أصابتهم الهزيمة وقتل سبعين من خيار الصحابة وكسرت رباعية النبي صلى الله عليه وسلم وهذا درس للمجاهدين في أن يتحرزوا من المعاصي لأن من السنن الشرعية أن النصر منوط بالطاعة يقول السيد قطبإن الهزيمة لا تلحق بالمؤمنين ولم تلحق بهم في تاريخهم إلا هناك ثغرة في حقيقة الإيمان،إما في الشعور وإما في العمل ومن الإيمان الأخذ بالعدة وإعداد القوة في كل حين بنية الجهاد في سبيل الله تعالى وتحت هذه الراية وحدها مجردة من كل إضافة ومن كل شائبة وبقدر هذه الثغرة تكون الهزيمة الوقتية ثم يعود النصر للمؤمنين حين يوجدون ففي أحد مثلا كانت الثغرة في الإغترار بالكثرة والإعجاب بها ونسيان السند الأصيل ولو ذهبنا نتبع كل مرة تخلف فيها النصر على المسلمين في تاريخهم لوجدنا شيئا من هذا نعرفه أولا نعرفه،أما وعد الله فهو حق في كل حين.)
يقول ابن القيم في تعليقه على غزوة أحد "لما علم القوم أن العدو إنما يدال عليهم بذنوبهم وأن الشيطان إنما يستزلهم ويهزمهم بها وأنها نوعان:تقصير في حق أو تجاوز لحد، وأن النصر منوط بالطاعة قالوا "ربنا اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا" ثم علموا أن ربهم تبارك وتعالى إن لم يثبت أقدامهم وينصرهم،لم يقدروا هم على تثبيت أقدام أنفسهم ونصرها على أعدائهم فسألوه ما يعلمون أنه بيده، دونهم وأنه إن لم يثبت أقدامهم وينصرهم لم يثبتوا ولم ينتصروا،فوفوا المقامين حقهما مقام المقتضى وهو التوحيد والإلتجاء إليه سبحانه ومقام إزالة المانع من النصرة وهو الذنوب والإسراف.
فأثر المعاصي في إنهزام الجيش واضح جدا وكذلك أثر الطاعات في النصر،فلقد كان صلاح الدين يجول في معسكره فإذا رأى فى أصحابه القيام بالطاعات يقول من هنا يأتي النصر وإذا رأى المعاصي يقول من هنا تأتى الهزيمة.
وكذلك لابد من الأخذ بالسنن الكونية من أجل أن ننتصر وذلك بأخذ العدة و تعلم فنون الحرب ،سواء من المسلم أو الكافر ،لأن هذه أمور كونية تعرف من طريق التجربة والأكتشاف فمن البلاهة أن يترك المسلمون فنون الحرب لأن الكفار هم الذين صنعوها واستخدموها بل هذه من الحكمة المأمور بأخذها كما في الحديث "الحكمة ضالة المؤمن متى وجدها فهو أحق الناس بها" وكذلك داخلة في عمومات الشريعة كقوله صلى الله عليه وسلم (أنتم أعلم بأمور دنياكم)
قال الشيخ أبو قتادة الفلسطيني فك الله أسره"فعلوم الحرب وطرقها ووسائلها علوم إنسانية مشاعة شئنا أم أبينا فهذه العلوم مما ينبغي أن نبكي على أهل الإسلام لإعراضهم عنها وهي علوم تنشأ بالتجربة والإطلاع وحدة العقل الراغب في هذه العلوم وتؤخذ من مظانها التي يعرفها أهل البحث والنظر وقد يقوى لها الفاسق ويضعف عنها التقي وحينئذ سنشكوا كما شكا عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال اللهم إني أعوذ بك من عجز التقي وجلد الفاجر" -انتهى .
و قال أيضا إذا يجب علينا أن نعلم أن البصر والعلم بما هو كوني شرط لتحقيق كمال الإيمان الواجب لتحقيق الوعود الإلهية في الكتاب والسنة ،كما أن البصر بما هو شرعي لتحقيق كمال الإيمان الواجب لتحقيق الوعود الإلهية في الكتاب والسنة سواء بسواء).
وإذا أمعنا النظر في السيرة النبوية نجد أن النبي صلى الله عليه وسلم أخذ بالسنن الشرعية والكونية ولذلك تحققت الوعود الإلهية وقامت دولة الإسلام وقمع الشرك وظهر الإسلام وبدأ الناس يدخلون في دين الله أفواجا .
فإذا نظرنا إلى الجانب الشرعي نجد أن النبي صلى الله عليه وسلم ربى جيلا في أعلى درجات الأخلاق والعبادة رهبان بالليل فرسان بالنهار ،وإذا نظرنا إلى الجانب الكوني نجده صلى الله عليه وسلم يتخذ كافة أساليب الحرب الممكنة والتي علم بها فتارة يقوم بالحرب الصدامية الشاملة (بدر وأحد)- وتارة يستخدم حرب الأغتيالات وتصفية الرؤوس (قتل كعب بن الأشرف وغيره) وتارة يستعمل الإنقلاب والتغيير الشامل (حادثة فيروز الديلمى رضي الله عنه مع الأسود العنسي في اليمن )وتارة جهاد الدفع كما في الخندق وأحد وتارة جهاد الطلب كفتح مكة وحنين
السيرة النبوية معين لا ينضب ففيها الكفاية لتعلم الحروب وأساليبها ومن الأمثلة تطبيق النبي صلى الله عليه وسلم لخطة حفر الخندق لتأمين المدينة،وهى خطة فارسية أشار بها سلمان رضي الله عنه ،وكذلك كان يعتمد غلى الترصد الجيد قبل الهجوم من أجل بناء خطة مناسبة للهجوم.
وكذلك كان يستخدم أساليب التمويه والتورية فكان صلى الله عليه وسلم إذا أراد غزوة ورى بغيرها،ولما أتى وأبو بكر للأعرابي قبل غزوة بدر سألهما فقال له النبي صلى الله عليه وسلم نحن من ماء ،وكذلك كان يسلك في مسيره الأماكن الوعرة والبعيدة عن الأعين حتى يباغت العدو من حيث لا يتصور كما في غزوة الحديبية.
يقول السيد قطب رحمه الله (إن الله سبحانه وتعالى لم يرد أن يكون حملة دعوته وحماتها من التنابلة"الكسالى الذين يجلسون في استرخاء ثم يتنزل عليهم نصره سهلا هينا بلا عناء لمجرد أنهم يقيمون الصلاة ويرتلون القرآن ويتوجهون إلى الله بالدعاء ،كلما مسهم أذى ووقع عليهم اعتداء ،نعم إنهم يجب أن يقيموا الصلاة وأن يرتلوا القرآن وأن يتوجهوا إلى الله بالدعاء في السراء والضراء ولكن هذه العبادة وحدها لا تؤهلهم لحمل دعوة الله وحمايتها إنما هي الزاد الذي يتزودونه للمعركة والذخيرة التي يدخرونها للموقعة والسلاح الذي يطمئنون إليه وهم يواجهون الباطل بمثل سلاحه ويزيدون عنه سلاح التقوى والإيمان والإتصال بالله)انتهى.
-- فصل الابتلاء والامتحان سنة ماضية --
علمتنى الحياة فى ظل الجهاد أن الابتلاء سنة ماضية لابد منها قال تعالى "ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين ".
إن الإبتلاء يمحص هذه النفوس ويخلصها من الشوائب وكذلك الإبتلاء يتميز به الصادق من الكاذب قال تعالى (الم أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لايفتنون ولقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين.) ويقول النبي صلى الله عليه وسلم (أشد الناس بلاء الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل)،ومما لاشك فيه أن ذروة سنام هذا الدين الجهاد في سبيل الله ولهذا يبتلى المجاهدون فى سبيل الله بصنوف شتى من الإبتلاءات و الفتن.
فمرة تبتلى بفقد إخوة لك أعزة كانوا معك على أرض الجهاد،أسودا على أعداء الله أذلة على إخوانهم، وإذا بالعين تلتفت فلا تراهم وحينها حق لك أن تقول كما قال القائل:
إخواننا قتلوا فى الحرب قد قتلوا *** يا رب تلهمنا صبرا فنحتملوا
ولكن عزاؤك فيهم أن مضوا إلى الخلد في منازل الشهداء، وأن دماءهم نور ونار،نور يضيء لنا دربنا ونار على أعداء الله تحرق قلوبهم غيظا وحنقا.
وقد يكون الإبتلاء بتكالب الأعداء على الفئة المجاهدة وحصارهم من كل مكان ويأتون بكل ما يملكون من جنود ومروحيات وكاشفات ،وتبلغ القلوب الحناجر ويزلزل المؤمنون، ومع ذلك يرجع أعداء الله خاسرين لم يحققوا شيئا ولله الحمد والمنة،وأما المجاهدون فيروا معية الله وتأييده لهم ويستفيدون دروسا كثيرة من هذه الابتلاءات يقول ابن القيم (إن النفوس تكتسب من العافية الدائمة والنصر والغنى طغيانا وركونا إلى العاجلة وذلك مرض يعوقها عن جدها في سيرها إلى الله والدار الآخرة، فإذا أراد بها ربها ومالكها وراحمها كرامته قيض لها من الإبتلاء والمحن ما يكون دواء لذلك المرض العائق عن السير الحثيث إليه فيكون ذلك البلاء بمنزلة الطبيب يسقي العليل الدواء الكريه ويقطع منه العروق المؤلمة لاستخراج الأدواء منه ولو تركه لغلبته الأدواء حتى يكون فيها هلاكه).
وقد يكون الإبتلاء ناتج عن نقص في الأموال والثمرات فتجد المجاهدين ماعندهم ما يسد جوعتهم ويظلون أياما كذلك فتجهدهم المخمصة ولكن سرعان ما تنكشف، وإذا بالمجاهدين يأكلون مالم يأكله أهل الغنى فى بيوتهم وذلك مصداق قول الله تعالىإن مع العسر يسرا)، فبمجرد أن يبلغ الإبتلاء نهايته يأتي الفرج وهذا أمر تحققه المجاهدون وعلموه.
وإذا رجعنا إلى السيرة النبوية نجد أنه في غزوة أحد فقد الصحابة سبعين من الخيار وعلى رأسهم حمزة رضي الله عنه حتى أن النبي صلى الله عليه وسلم من شدة الفاجعة قال لأمثلن بسبعين من المشركين وقال أيضا أما,حمزة رضي الله عنه فلا بواكي له، نعم إنه يبلغ الحزن والمرارة إلى هذا الحد.
فالدين العظيم, لا يقوم إلا على دماء الشهداء وجماجم الأولياء قال تعالى (وكم من نبيء قتل معه ربيون كثير فما وهنوا لما أصابهم فى سبيل الله وما ضعفوا وما استكانوا)،أي فما وهن من بقي لما أصابهم في سبيله وما ضعفوا وما استكانوا وما وهنوا عند القتل ولا ضعفوا ولا استكانوا بل تلقوا الشهادة بالقوة والعزيمة والإقدام فلم يستشهدوا مدبرين مستكينين أذلة بل استشهدوا
أعزة كراما مقبلين غير مدبرين .
وأما بالنسبة لتكالب الأعداء فلقد لقي النبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنون معه النصيب الأكبر
ففي غزوة الأحزاب يصور لنا القرآن الموقف (إذ جاءوكم من فوقكم ومن أسفل منكم وإذ زاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر وتظنون بالله الظنونا هنالك أبتلي المؤمنون وزلزلوا زلزالا شديدا)،ولكن تدخلت قدرة الله فجاءت الريح فقوضت خيامهم ولم تدع لهم قدرا إلا اكفأته والملائكة يزلزلونهم ويلقون فى قلوبهم الرعب فردهم الله بغيظهم لم ينالوا خيرا وكفى الله نبيه القتال.
وأما بالنسبة للمخمصة فقد حوصر النبي صلى الله عليه وسلم في الشعب هو ومن معه قال ابن القيم [بقوا ثلاث سنين محبوسين محصورين مضيقا عليهم جدا مقطوع عنهم الميرة والمادة حتى بلغهم الجهد وسمع أصوات صبيانهم من البكاء من وراء الشعب ثم فرج الله عنهم بالأرضة التى أكلت الصحيفة الجائرة ولم تبق منها إلا ذكر الله .] ،وكذلك ما وقع لسرية أبا عبيدة من الجوع حتى أكلوا الخبط ثم إن الله ساق لهم دابة عظيمة من البحر فأكلوا منها وادهنوا وذهبت عنهم المخمصة.
-- فصلوجعل رزقي تحت ظل رمحي --
علمتني الحياة في ظل الجهاد أن رزق المجاهدين هو من ظلال الرماح،وليس كما يظن البعض أنه لابد من إقامة شركات والمشاركة في التجارة حتى نحصل أموال لكي نجاهد ففي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم قال عن الطائفة المنصورة "ويزيغ الله لهم قلوب أقوام و يرزقهم منهم حتى تقوم الساعة وحتى يأتي وعد الله "،فهذه هي موارد الإقتصاد بالنسبة للطائفة المجاهدة وهي الغنيمة والفيء،إن هذه الأنظمة والحكومات المرتدة التي تسلطت على هذه الأمة قد نهبت خيراتها و أغرقت هذه الأمة في المجاعات حتى لا يصبح همهم إلا طلب العيش،فلا يفكروا في نصرة دينهم ،فهاهي شركاتهم وبنوكهم وأموالهم حلال للطائفة المجاهدة فيأخذون منها إما غنيمة أو فيئا.
فالمجاهدون بفضل الله تعالى من أحسن الناس عيشا فإنهم لما تركوا الدنيا رزقهم الله عيشا طيبا وذلك مصداق قوله تعالى (والذين هاجروا في الله من بعد ما ظلموا لنبوئنهم في الدنيا حسنة).
إنه لما قام سوق الجهاد والتجارة الرابحة ترك الصحابة رضي الله عنهم ما كانوا يقومون به من أعمال ،فقد كان أهل مكة أصحاب تجارة (المهاجرون)،وكان أهل المدينة(الأنصار) أصحاب زرع فلم يقل لهم النبي صلى الله عليه وسلم انتظروا حتى تحصلوا لنا رؤوس أموال من التجارة والزراعة ثم نقوم بالجهاد،كلا بل بين لهم أن وظيفتهم هي الجهاد في سبيل الله تعالى وأن أموالهم وما يحتاجونه يجدونه من المغنم والفيء ولذلك تجد في السيرة النبوية أن غزوة بدر يوم الفرقان كان سببها اعتراض عير قريش وكذلك عدة سرايا خرجت من أجل هذا الهدف .
ولله در شيخ المجاهدين أبي عبد الله أسامة بن لادن حفظه الله تعالى حيث أمر بضرب مفاصل الاقتصاد الأمريكي,ولاشك أن هذه الأنظمة العربية المرتدة ما هي إلا محميات للمصالح الصليبية فما على المجاهدين في كل مكان إلا أن يسارعوا في ضرب مصالح الصليبيين وأعوانهم المرتدين،فإن قوة الكفار قائمة على الاقتصاد فإذا ما سقط فسيسقطون معه بإذن الله.
ولما قام الصحابة بالجهاد فتح الله عليهم البلاد وأصابوا مغانم كثيرة كما وعدهم الله (وعدكم الله مغانم كثيرة تأخذونها...)الآية قال ابن القيم [فأثابهم على الرضا بحكمه والصبر لأمره فتحا قريبا ومغانم كثيرة يأخذونها وكان أول الفتح فتح خيبر ومغانمها ثم استمرت الفتوح والمغانم إلى انقضاء الدهر].
فأصبحوا أغنياء بعد أن كان أحدهم يسقط من الجوع ،وهاهو سراقة رضي الله عنه يلبس سواري كسرى، وبلغ المسلمون درجة من الغنى حيث أصبح يطاف بالصدقة فلا تجد من يأخذها، وأصبح أكثر الصحابة أمراء كما قال عمر رضي الله عنه 'كنا رعاة الغنم فأصبحنا رعاة الأمم'.
إن الإقامة في إ صلاح الأموال وترك الجهاد تهلكة كما قال الله عز وجل "ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة" قال الواحدي في أسباب النزول" قام أبو أيوب الأنصاري صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أيها الناس إنكم تتأولون هذه الآية على غير التأويل إنما أنزلت هذه الآية فينا معشر الأنصار،إنا لما أعز الله تعالى دينه وكثر ناصروه قلنا بعضنا لبعض سرا من رسول الله صلى الله عليه وسلم إن أموالنا قد ضاعت فلو أنا أقمنا فيها وأصلحنا ما ضاع منها فأنزل الله الآية أي الإقامة التي أردنا أن نقيم في الأموال نصلحها فأمرنا بالغزو فما زال أبو أيوب غازيا في سبيل الله حتى قبضه الله عز وجل."
وهذا وعد الله عز وجل باق إلى قيام الساعة قال تعالى "وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا يعبدونني لا يشركون بي شيئا" ،وقال تعالى "وأورثكم أرضهم وديارهم وأموالهم وأرضا لم تطؤوها".
وسيتحقق وعد النبي صلى الله عليه وسلم (لن يبقى بيت حجر ولا وبر ولا مدر إلا أدخله الله هذا الدين بعز عزيز أو بذل ذليل عزا يعز الله به الإسلام وذلا يذل الله به الكفر ).
انتهى
وتم الفراغ منه بحمد الله عز وجل يوم الثلا ثاء ٢٥ذى القعدة هجرية١٤٢٨
كتبه العبد الضعيف الفقير إلى رحمة ربه معاذ أبو مصعب الشنقيطي
الجبل الأبيض منطقة الجنوب