صنائع المعروف ....
(( صنائع المعروف )) * ... للشيخ محمد الشنقيطي ..
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله أما بعد:
إن الله إذا أحب عبداً من عباده شرح صدره لطاعته،
فإذا أراد أن يتمم عليه نعمته وأن يكمل عليه منته تممها وكملها
بمكارم الأخلاق، يوم يصير للخيرات سباقاً، ولطاعة ربه
ورحمته توَّاقاً ومشتاقاً، يوم يصير مفتاحاً من مفاتيح الخيرات،
وسبباً من أسباب الرحمات.....
ولم تدخل الرحمة إلى قلب عبد من عباد الله،
إلا أهله الله لرحمته......
فالله يرحم من عباده الرحماء
والله يحلم على الحلماء، وييسر على الذين ييسرون
على عباده، ويرفق بمن رفق بخلقه وعبيده.
وما يدريك فلعل دمعة اليتيم التي كفكفتها يكفكف الله بها
دموعك في الحشر...
وما يدريك عن هذه الكربة من أرملة من أرامل المسلمين
فرجتها عنها فلعل الله أن يفرج عنك بها كربة من كرب
يوم الدين.... في يوم شديد الأهوال، في يوم تشيب منه
ذوائب الأطفال، في يوم تضع فيه الأثقال ذوات الأحمال.
أيها الأحبة في الله: ما شرح الله صدر عبدٍ من عباده لهذه الخيرات
إلا جعله من أحب الخلق إليه، ومن أكرمهم وأعظمهم زلفى لديه،
لذلك كان من أجلِّ نعم الله بعد الهداية أن يشرح صدر الإنسان
لصنع المعروف.
قواعد وأسس في صنائع المعروف:
الإخلاص لله:
أول قاعدة في صنائع المعروف (( الإخلاص))
أن ينفق الإنسان وتسح يمينه بالخيرات آناء الليل
وأطراف النهار، يشتري بذلك رحمة الله تعالى,
لا ينفق رياءً ولا سمعةً ولا ثناءً، ولكن يريد رحمة
الله، يريد ما عند الله...
أن تنفق يوم تنفق والآخرة أمام عينيك، أن تنفق يوم تنفق
ومزارع الجنة كأنها أمام ناظريك، أن تشتري رحمة الله
بكل مالٍ تُعطيه ولكل فقير تواسيه، أن تشتري رحمة الله
بقلب لا يريد إلا ما عند الله جل جلاله، ما كان لله دام وبقي ..
ما كان لله نفع العبد في الدنيا وفي الآخرة.
فكم من عامل أحبط الله عمله بالرياء!
وكم من عامل أحبط الله عمله بالثناء!
فاشترِ ما عند الله جل وعلا، فإن الثناء كل الثناء من
الله، ولذلك ورد في الحديث وإن كان قد تكلم بعض
العلماءعلى إسناده ولكنه عبرة وعظة ومعناه صحيح:
(أن العبد إذا أقامه الله يوم القيامة وذكره أعماله الصالحة،
قيل له: قرِّب، فيقرب أعماله، فيقول الله: ما تقبلت منها شيئاً)
وجاء في رواية أن الله تعالى يقول لـه:
(اذهب فخذ أجرك ممن رائيته)
اذهب وخذ الحسنات والأجور من ثناء الناس،
خذ ما تريد من مدح الناس، خذ ما تريد من ذكر
الناس، فاليوم لمن أراد الله والدار الآخرة، اشتر
رحمة الله فإنها باقية خالدة تالدة.
امتلاك القلب الرقيق:
القاعدة الثانية والتي لا يمكن للإنسان أن يكون
من أهل المعروف إلا بها: أن يرزق الله العبد قلباً رقيقاً......
(الراحمون يرحمهم الله)
الراحمون أي: الذين أكرمهم الله جل وعلا بلين القلوب،
والعطف على عباد الله، والشفقة على خلق الله جل جلاله
، فليكن الإنسان رحيماً بعباد الله.
إذا أتاك المهموم أو صاحب الحاجة أو المغموم فاعلم أن له
فضلاً عليك يوم اختارك من بين الناس لهمه وغمه.
ولذلك قال ابن عباس : [ما سألني صاحب حاجة حاجته إلا
اعتقدت الفضل لـه أن اختارني من بين الناس]
اختارك من بين الناس لحزنه، واختارك من بين الناس لهمه
وغمه، فأعطه من الحنان وأعطه من الرحمة والإحسان فوق
ما يرجوه منك.
فإذا رزق الله الإنسان إخلاص العمل ورزقه قلباً رقيقاً بعباد
الله رحيماً رفيقاً؛ تهيأت له أبواب الخيرات وتيسرت له سبل
المكرمات .....
أبواب صنائع المعروف:
كل خير يحبه الله ويحبه رسول الله صلى
الله عليه وسلم ذو نفعٍ متعدٍ فإنه من صنائع المعروف.
*(((( الدعوة إلى الله ))))*
إن أعظم معروف تبذله إلى الناس وأعظم خير
تبذله إلى خلق الله الدعوة إلى الله ، تقريب القلوب
إلى الله وتحبيب عباد الله في الله أعظم ما يكون من
الخير والمعروف، ,,
يوم ينقذ الله بك حائراً..
يوم يهدي الله بك ضالاً تائهاً..
يوم تأخذ إنساناً غريباً عن ربه بعيداً عن طاعته،
فتأخذ بمجامع ذلك القلب إلى الله...
فما ركع ركعة بين يدي الله إلا كان لك مثل أجره،
ولا صنع خصلة من خصال الخير إلا أجرت على تلك
الخصلة أياً كانت.
ففي الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم:
(أنه يقام للرجل يوم القيامة ديوانه فتأتي أعمال كالغمامات
فيقول: يا رب ما هذا؟ فيقال: سنن هديت إليها كان لك أجر
من عمل بها)
أي: سنن وخيرات دللت عليها وصنعت بها المعروف
أجرت مثلما أجر أصحابها.
*(((( المعونة على الدعوة إلى الله ))))*
وذلك بحب العلماء ونشر فتاويهم وذكرهم بالجميل،
وتحبيبهم إلى الناس وتقريبهم إلى قلوب الناس، فذلك
من المعروف بالعلماء، وذلك من رد الجميل لهم ذكرهم
بالجميل ونشر خيرهم بين الناس من أعظم الحسنات
وأعظم الأجور المقربة إلى الله، فوالله لا يحب العلماء
إلا الصالحون ولا يسعى لنشر خيرهم بين عباد الله إلا
عباد الله المتقون، جعلنا الله وإياكم منهم.
*((((السعي على الأرامل والأيتام ))))*
يوم تسعى على الأرملة التي لا تجد من يعولها
فتكفيها بإذن الله همها وغمها..
يوم تذكر تلك المهمومة المغمومة حزنها وشجاها بفقد
ولدها فتجد من عباد الله المسلمين من يفرج همها وغمها
بإذن الله رب العالمين.
والسعي على الأرامل والأيتام قال فيه النبي صلى الله
عليه وسلم:
(الساعي على الأرملة واليتيم كالصائم النهار
الذي لا يفطر، والقائم الذي لا يفتر)
قال بعض العلماء: إنما فضل النبي صلى الله عليه وسلم السعي
على الأرامل والأيتام بهذا الفضل لأن النفع متعدٍ،
ومثل اليتيم والأرملة لا يجد من يعينه إلا الله جل جلاله...
*((((إعانة المكروب ))))*
وذلك يكون بأمور كثيرة تختلف باختلاف الناس،
باختلاف الأزمنة والأمكنة، فكل ذي حاجة جاءك
في حاجته فأعنه على تلك الحاجة التي لا تغضب الله،
فذلك من صنيع المعروف الذي يحبه الله جل جلاله،
ويشمل ذلك ما كان بالأموال، وما كان بالجاه من
الشفاعة الحسنة التي لا تحول بين حد من حدود الله،
يوم يأتيك عبدٌ ضعيف يريد من جاهك أن تشفع شفاعة
لا يؤثر بها على ذي حق، ولا يتوصل بها إلى مظلمة
فتلك من الشفاعات المباركة.
مواساة المصابين والمكلومين
فإن الإنسان إذا سمع عن أخيه أنه أصيب بمصيبة في نفسه
أو أهله أو ولده؛ فعليه أن يؤهل نفسه لكي يقترب منه، فيذكره
بحسن الثواب، وحسن العاقبة عند الله والمآب، علَّ ذلك يكون
سبباً في صبره وسلوانه وعظم أجره عند ربه، فتثبيت القلوب
عند الكربات وتثبيت القلوب عند المصائب من صنائع المعروف.
فالمسلم يحتاج من أخيه إذا نزلت به ضائقة أن يواسيه ويسليه،
يحتاج من أخيه إذا نزل به همٌّ وغمٌّ أن يثبته، فإن القلوب إذا
نزلت بها المصائب تزلزلت، إلا أن يثبتها الله جل وعلا من
عنده، فإذا جاء العبد الصالح وذكّر أخاه بما عند الله من الأجر
والمثوبة كان ذلك من أعظم المعروف الذي يسديه إليه.
*((((الصلح بين الناس ))))*
ومن صنائع المعروف: الصلح بين الناس إذا تقاطعوا،
والصلح بين الناس إذا تهاجروا، وقطع أسباب الضغائن
والشحناء، وقطع أسباب الفتن والبغضاء، فإنها من أعظم
الأمور المقربة إلى الله جل وعلا، والتي شهد الله من فوق
سبع سماوات أنها خير النجوى،
قال سبحانه وتعالى: لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ
أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ
ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً [النساء: 114].
إنها لخطوات عزيزة عند الله يوم تسعى في لمِّ شملٍ قد تفرق ..
يوم تسعى لجمع قلوب المؤمنين، فما أحوج الناس إذا وقعت بينهم
الخصومات والنـزاعات إلى من يجمع شملهم ..
إلى من يؤلف بين قلوبهم ..
إلى من يقطع سبيل الشياطين عنهم ..
إلى من يقف معهم لكي يذكرهم بما في العفو من الأجر عند
الله جل جلاله!
فلذلك كان من أحب الأعمال إلى الله: السعي بالصلح بين الناس ..
الصلح بين الزوجين ..
الصلح بين المتخاصمين، فلا تعلم بقطيعة بين مسلم ومسلم
إلا أهّلت نفسك للصلح بينهم، فإن الله يشكر خطوات الصلح
ويحب أهلها ويثني عليهم كما أخبر الله جل وعلا بحسن الأجر
لهم، وأن من احتسب أجره وثوابه عند الله أن الله يؤتيه أجراً عظيماً.
هل طلب العلم وحفظ القرآن من صنائع المعروف؟
فإن طلب العلم جمع الله فيه بين الفضلين: فضله على النفس
وفضله للغير، ولذلك فإن طلب العلم أفضل من صنائع المعروف
لأنه أشرفها وأعظمها وأعلاها وأجزلها ثواباً عند الله جل وعلا؛
لأنه أعظم المعروف.
فأعظم المعروف أن تأخذ بحجز القلوب عن النار، وأعظم المعروف
أن تقرب العباد إلى رحمة الله الكريم الغفار، فأبشر بخير ما أنت فيه
من طلب العلم، ففيه خير كثير.
(( صنائع المعروف )) * ... للشيخ محمد الشنقيطي ..
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله أما بعد:
إن الله إذا أحب عبداً من عباده شرح صدره لطاعته،
فإذا أراد أن يتمم عليه نعمته وأن يكمل عليه منته تممها وكملها
بمكارم الأخلاق، يوم يصير للخيرات سباقاً، ولطاعة ربه
ورحمته توَّاقاً ومشتاقاً، يوم يصير مفتاحاً من مفاتيح الخيرات،
وسبباً من أسباب الرحمات.....
ولم تدخل الرحمة إلى قلب عبد من عباد الله،
إلا أهله الله لرحمته......
فالله يرحم من عباده الرحماء
والله يحلم على الحلماء، وييسر على الذين ييسرون
على عباده، ويرفق بمن رفق بخلقه وعبيده.
وما يدريك فلعل دمعة اليتيم التي كفكفتها يكفكف الله بها
دموعك في الحشر...
وما يدريك عن هذه الكربة من أرملة من أرامل المسلمين
فرجتها عنها فلعل الله أن يفرج عنك بها كربة من كرب
يوم الدين.... في يوم شديد الأهوال، في يوم تشيب منه
ذوائب الأطفال، في يوم تضع فيه الأثقال ذوات الأحمال.
أيها الأحبة في الله: ما شرح الله صدر عبدٍ من عباده لهذه الخيرات
إلا جعله من أحب الخلق إليه، ومن أكرمهم وأعظمهم زلفى لديه،
لذلك كان من أجلِّ نعم الله بعد الهداية أن يشرح صدر الإنسان
لصنع المعروف.
قواعد وأسس في صنائع المعروف:
الإخلاص لله:
أول قاعدة في صنائع المعروف (( الإخلاص))
أن ينفق الإنسان وتسح يمينه بالخيرات آناء الليل
وأطراف النهار، يشتري بذلك رحمة الله تعالى,
لا ينفق رياءً ولا سمعةً ولا ثناءً، ولكن يريد رحمة
الله، يريد ما عند الله...
أن تنفق يوم تنفق والآخرة أمام عينيك، أن تنفق يوم تنفق
ومزارع الجنة كأنها أمام ناظريك، أن تشتري رحمة الله
بكل مالٍ تُعطيه ولكل فقير تواسيه، أن تشتري رحمة الله
بقلب لا يريد إلا ما عند الله جل جلاله، ما كان لله دام وبقي ..
ما كان لله نفع العبد في الدنيا وفي الآخرة.
فكم من عامل أحبط الله عمله بالرياء!
وكم من عامل أحبط الله عمله بالثناء!
فاشترِ ما عند الله جل وعلا، فإن الثناء كل الثناء من
الله، ولذلك ورد في الحديث وإن كان قد تكلم بعض
العلماءعلى إسناده ولكنه عبرة وعظة ومعناه صحيح:
(أن العبد إذا أقامه الله يوم القيامة وذكره أعماله الصالحة،
قيل له: قرِّب، فيقرب أعماله، فيقول الله: ما تقبلت منها شيئاً)
وجاء في رواية أن الله تعالى يقول لـه:
(اذهب فخذ أجرك ممن رائيته)
اذهب وخذ الحسنات والأجور من ثناء الناس،
خذ ما تريد من مدح الناس، خذ ما تريد من ذكر
الناس، فاليوم لمن أراد الله والدار الآخرة، اشتر
رحمة الله فإنها باقية خالدة تالدة.
امتلاك القلب الرقيق:
القاعدة الثانية والتي لا يمكن للإنسان أن يكون
من أهل المعروف إلا بها: أن يرزق الله العبد قلباً رقيقاً......
(الراحمون يرحمهم الله)
الراحمون أي: الذين أكرمهم الله جل وعلا بلين القلوب،
والعطف على عباد الله، والشفقة على خلق الله جل جلاله
، فليكن الإنسان رحيماً بعباد الله.
إذا أتاك المهموم أو صاحب الحاجة أو المغموم فاعلم أن له
فضلاً عليك يوم اختارك من بين الناس لهمه وغمه.
ولذلك قال ابن عباس : [ما سألني صاحب حاجة حاجته إلا
اعتقدت الفضل لـه أن اختارني من بين الناس]
اختارك من بين الناس لحزنه، واختارك من بين الناس لهمه
وغمه، فأعطه من الحنان وأعطه من الرحمة والإحسان فوق
ما يرجوه منك.
فإذا رزق الله الإنسان إخلاص العمل ورزقه قلباً رقيقاً بعباد
الله رحيماً رفيقاً؛ تهيأت له أبواب الخيرات وتيسرت له سبل
المكرمات .....
أبواب صنائع المعروف:
كل خير يحبه الله ويحبه رسول الله صلى
الله عليه وسلم ذو نفعٍ متعدٍ فإنه من صنائع المعروف.
*(((( الدعوة إلى الله ))))*
إن أعظم معروف تبذله إلى الناس وأعظم خير
تبذله إلى خلق الله الدعوة إلى الله ، تقريب القلوب
إلى الله وتحبيب عباد الله في الله أعظم ما يكون من
الخير والمعروف، ,,
يوم ينقذ الله بك حائراً..
يوم يهدي الله بك ضالاً تائهاً..
يوم تأخذ إنساناً غريباً عن ربه بعيداً عن طاعته،
فتأخذ بمجامع ذلك القلب إلى الله...
فما ركع ركعة بين يدي الله إلا كان لك مثل أجره،
ولا صنع خصلة من خصال الخير إلا أجرت على تلك
الخصلة أياً كانت.
ففي الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم:
(أنه يقام للرجل يوم القيامة ديوانه فتأتي أعمال كالغمامات
فيقول: يا رب ما هذا؟ فيقال: سنن هديت إليها كان لك أجر
من عمل بها)
أي: سنن وخيرات دللت عليها وصنعت بها المعروف
أجرت مثلما أجر أصحابها.
*(((( المعونة على الدعوة إلى الله ))))*
وذلك بحب العلماء ونشر فتاويهم وذكرهم بالجميل،
وتحبيبهم إلى الناس وتقريبهم إلى قلوب الناس، فذلك
من المعروف بالعلماء، وذلك من رد الجميل لهم ذكرهم
بالجميل ونشر خيرهم بين الناس من أعظم الحسنات
وأعظم الأجور المقربة إلى الله، فوالله لا يحب العلماء
إلا الصالحون ولا يسعى لنشر خيرهم بين عباد الله إلا
عباد الله المتقون، جعلنا الله وإياكم منهم.
*((((السعي على الأرامل والأيتام ))))*
يوم تسعى على الأرملة التي لا تجد من يعولها
فتكفيها بإذن الله همها وغمها..
يوم تذكر تلك المهمومة المغمومة حزنها وشجاها بفقد
ولدها فتجد من عباد الله المسلمين من يفرج همها وغمها
بإذن الله رب العالمين.
والسعي على الأرامل والأيتام قال فيه النبي صلى الله
عليه وسلم:
(الساعي على الأرملة واليتيم كالصائم النهار
الذي لا يفطر، والقائم الذي لا يفتر)
قال بعض العلماء: إنما فضل النبي صلى الله عليه وسلم السعي
على الأرامل والأيتام بهذا الفضل لأن النفع متعدٍ،
ومثل اليتيم والأرملة لا يجد من يعينه إلا الله جل جلاله...
*((((إعانة المكروب ))))*
وذلك يكون بأمور كثيرة تختلف باختلاف الناس،
باختلاف الأزمنة والأمكنة، فكل ذي حاجة جاءك
في حاجته فأعنه على تلك الحاجة التي لا تغضب الله،
فذلك من صنيع المعروف الذي يحبه الله جل جلاله،
ويشمل ذلك ما كان بالأموال، وما كان بالجاه من
الشفاعة الحسنة التي لا تحول بين حد من حدود الله،
يوم يأتيك عبدٌ ضعيف يريد من جاهك أن تشفع شفاعة
لا يؤثر بها على ذي حق، ولا يتوصل بها إلى مظلمة
فتلك من الشفاعات المباركة.
مواساة المصابين والمكلومين
فإن الإنسان إذا سمع عن أخيه أنه أصيب بمصيبة في نفسه
أو أهله أو ولده؛ فعليه أن يؤهل نفسه لكي يقترب منه، فيذكره
بحسن الثواب، وحسن العاقبة عند الله والمآب، علَّ ذلك يكون
سبباً في صبره وسلوانه وعظم أجره عند ربه، فتثبيت القلوب
عند الكربات وتثبيت القلوب عند المصائب من صنائع المعروف.
فالمسلم يحتاج من أخيه إذا نزلت به ضائقة أن يواسيه ويسليه،
يحتاج من أخيه إذا نزل به همٌّ وغمٌّ أن يثبته، فإن القلوب إذا
نزلت بها المصائب تزلزلت، إلا أن يثبتها الله جل وعلا من
عنده، فإذا جاء العبد الصالح وذكّر أخاه بما عند الله من الأجر
والمثوبة كان ذلك من أعظم المعروف الذي يسديه إليه.
*((((الصلح بين الناس ))))*
ومن صنائع المعروف: الصلح بين الناس إذا تقاطعوا،
والصلح بين الناس إذا تهاجروا، وقطع أسباب الضغائن
والشحناء، وقطع أسباب الفتن والبغضاء، فإنها من أعظم
الأمور المقربة إلى الله جل وعلا، والتي شهد الله من فوق
سبع سماوات أنها خير النجوى،
قال سبحانه وتعالى: لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ
أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ
ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً [النساء: 114].
إنها لخطوات عزيزة عند الله يوم تسعى في لمِّ شملٍ قد تفرق ..
يوم تسعى لجمع قلوب المؤمنين، فما أحوج الناس إذا وقعت بينهم
الخصومات والنـزاعات إلى من يجمع شملهم ..
إلى من يؤلف بين قلوبهم ..
إلى من يقطع سبيل الشياطين عنهم ..
إلى من يقف معهم لكي يذكرهم بما في العفو من الأجر عند
الله جل جلاله!
فلذلك كان من أحب الأعمال إلى الله: السعي بالصلح بين الناس ..
الصلح بين الزوجين ..
الصلح بين المتخاصمين، فلا تعلم بقطيعة بين مسلم ومسلم
إلا أهّلت نفسك للصلح بينهم، فإن الله يشكر خطوات الصلح
ويحب أهلها ويثني عليهم كما أخبر الله جل وعلا بحسن الأجر
لهم، وأن من احتسب أجره وثوابه عند الله أن الله يؤتيه أجراً عظيماً.
هل طلب العلم وحفظ القرآن من صنائع المعروف؟
فإن طلب العلم جمع الله فيه بين الفضلين: فضله على النفس
وفضله للغير، ولذلك فإن طلب العلم أفضل من صنائع المعروف
لأنه أشرفها وأعظمها وأعلاها وأجزلها ثواباً عند الله جل وعلا؛
لأنه أعظم المعروف.
فأعظم المعروف أن تأخذ بحجز القلوب عن النار، وأعظم المعروف
أن تقرب العباد إلى رحمة الله الكريم الغفار، فأبشر بخير ما أنت فيه
من طلب العلم، ففيه خير كثير.