اعجاز خلق الدماغ
أسرار الدماغ
يقول عالم الأعصاب المعروف ديفيد أوتوسون ـ صاحب كتاب علم وظائف الأعصاب ـ في مقدمة كتابه: "يستحيل على علماء الأعصاب في يوم من الأيام، لا في الوقت الحاضر ولا في المستقبل، أن يسبروا أغوار الدماغ ويكتشفوا أسراره بشكل نهائي وقطعي، وذلك لأن الدماغ البشري لا يستطيع أن يفهم نفسه."
هل من الممكن تفوق الحاسب الآلي على العقل البشري في أدائه في المستقبل؟
قام العالم هانز مورافاك ـ وهو عالم متخصص في علم الأعصاب وعلم الحاسبات في آن واحد ـ بعقد مقارنة بين أحدث الحاسبات في سنة 2000م وبين الدماغ البشري، وهو في مقارنته هذه لم يستقطع جزءً من الدماغ ليقوم بمقارنته مع الحاسبة الآلية الحديثة وإنما لجأ إلى شبكية العين وذلك للتعقيد الشديد لأجزاء الدماغ، اعتماداً على الحقيقة التي تقول بأن شبكية العين هي جزء ممتد من الدماغ إلى مؤخرة العين. وكانت نتيجة المقارنة
ـ حسبما تمخضت عنه تجربة هذا العالم ـ أن الحاسبة الآلية الحديثة تحاكي في كفاءتها دماغ نملة واحدة، وإذا استمر خط التطور للحاسبات على النحو التصاعدي الحالي فمن المؤمل أن تصل الحاسبة في كفاءتها إلى مستوى دماغ ابسط الزواحف (الوزغ) بعد أربعين سنة أي في سنة 2040 م.
أما عن الدماغ البشري فلا يستطيع علم الحاسبات في الوقت الحاضر ولا في المستقبل إنتاج حاسبة تساوي في مقدرتها الدماغ البشري، ذلك لأن الدماغ البشري يساوي في كفاءته مليون حاسبة متطورة تعمل في نفس الوقت، وإذا أخذنا بنظر الاعتبار القدرة الكهربائية المستهلكة من قبل هذه الحاسبات وهي تعمل مجتمعة، فإنها ستستهلك ما يقارب من 100 ألف أمبير، في حين أن دماغا بشريا واحدا يستهلك 6 واط في الدقيقة الواحدة 0.1) أمبير).
دقة خلق الألياف العصبية
حاول العلماء في الستينيات من القرن الماضي ـ في مراكز أبحاث العلوم العصبية الأمريكية ـ صناعة أسلاك تضاهي في قابليتها الألياف العصبية، فوجدوا بعد دراسة معمقة دامت سنين طويلة أن مقاومة ليف عصبي واحد بطول متر واحد (أي من الحبل الشوكي إلى أخمص القدم) تساوي مقاومة نظيره من النحاس لكن بطول يساوي المسافة بين الأرض والمريخ عشر مرات أي 10×1300 ألف كم. والإعجاز في ذلك ليس في هذه المقاومة فحسب، وإنما يتجلى في حقيقة أن سلكا بهذه المسافة الكونية لو أرسلت في بدايته إشارة بقوة ألف فولت فإنها ستتبدد في هذه المسافة الطويلة، ولا يصل منها شيئا إلى الطرف الآخر. في حين أن الإشارة التي ترسل من الحبل الشوكي بقيمة 100 ملي فولت 0,1)فولت) ستصل دون أن تفقد شيئا من الطاقة إلى نهاية الليف العصبي في القدم.
إن هذه الحقيقة اضطرت هؤلاء العلماء إلى القول باستحالة تقليد ليفاً عصبياً واحداً.
لذا لا يمكننا القول بإمكانية تقليد الدماغ بخلاياه وأليافه ووظائفه البالغة التعقيد إلى حد الإعجاز. بسم الله الرحمن الرحيم: "هذا خلق الله فأروني ماذا خلق الذين من دونه بل الظالمون في ضلال مبين." (سورة لقمان: 11(
لا يستطيع أحد من البشر ـ مهما بلغ من درجة العلم وقوة التخيل ـ أن يتصور التعقيد المذهل للدماغ البشري. فقد أجمع العلماء على أن الدماغ هو أعقد مخلوق لله تعالى في هذا الكون، وهذا ما أدلى به عالم الأعصاب المعروف والدر بنفيلد حيث قال "إن الدماغ البشري هو كون صغير، لا يقل في تعقيده عن الكون الكبير. فكما أن الله قد تجلى لخلقه في الكون الكبير، فانه كذلك قد تجلى في هذا الكون الصغير".
إن مستوى تعقيد بنية الدماغ مهولا فعدد الخلايا العصبية في دماغ الإنسان هي عشرة آلاف مليون خلية عصبية، وهو عدد سهل اللفظ لكنه صعب التصور، وهناك في الدماغ خلايا أخرى وظيفتها تغذية وإسناد الخلايا العصبية يبلغ عددها عشرة أمثال الخلايا العصبية )أي 100 ألف مليون خلية(، أما عن الألياف العصبية فيكفي أن نذكر جانبا واحدا لنتصور مدى تعقيدها فمثلا يحتوي الجسم الثـفني (Corpus Callosum) على 300 مليون ليف عصبي، حيث أنه يصل الفص الأيمن بالفص الأيسر من الدماغ، وتبلغ عدد الإشارات العصبية التي تمر خلاله 4 مليارات إشارة في كل ثانية كي يعلم أحد الفصين ما يقوم به الفص الآخر!!!
هناك حقيقة أخرى تدلى على مدى شدة تعقيد الخلايا العصبية وهي أن كل خلية عصبية تتسلم عشرة آلاف اشتباك عصبي يأتيها من مختلف مناطق الدماغ. يستثنى من ذلك الفص الجبهي والمخيخ. ففي الفص الجبهي تتسلم كل خلية أربعين ألف اشتباك عصبي، أما في المخيخ فان نوعاً واحداً من أنواع خلاياه الخمسة، وهي خلايا بركنجي ـ والتي يبلغ عددها 30 مليون خلية ـ تتسلم كل خلية منها مليون اشتباك عصبي!!
الدماغ يسيطر على مختلف وظائف الجسم
في القرن الثامن عشر الميلادي، كان الاعتقاد سائداً في الأوساط العلمية أن الوظائف موزعة بصورة عشوائية على مختلف مناطق الدماغ، ولا يوجد هناك تقدير أو قانون لذلك. ولكن الأمر قد تغير في منتصف القرن التاسع عشر وما بعده فقد ثبت بالدليل القاطع أن هذه النظرية خاطئة، حيث أن هنالك توزيعاً دقيقاً ومحكماً لمختلف الوظائف على مناطق محددة من الدماغ. فمثلاً وظيفة الفص القحفي ـ الذي يقع في مؤخرة الدماغ ـ هي النظر بالتحديد، ووظيفة الفص الجبهي التفكير واتخاذ القرارات السليمة وجزء من الذاكرة، كما أن فيه الشريط الحركي الذي يسيطر على حركة الشق المقابل من الجسم) الوجه والطرف العلوي والسفلي)، وهكذا بخصوص بقية الأجزاء. يقول الله عز وجل: "وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً." (الفرقان: من الآية 2(
أما بالنسبة للعواطف والمشاعر الإنسانية، كالحب والبغض والفرح والحزن والاطمئنان والقلق وعلاقتها بالدماغ فهنالك نظاماً كاملاً في أعماق الدماغ يسمى النظام المحيطي العاطفي (Emotional Limbic System) وظيفته الوحيدة هي العواطف والمشاعر.
علاقة الروح والإرادة بالدماغ
هناك مراحل عديدة لتحديد هذه العلاقة من خلال تطور علم الأعصاب، وهو لا يزال الشغل الشاغل لكثير من علماء الأعصاب، وباختصار شديد نقول أن الروح ـ حسب معطيات العلم الحديث ـ هي التي تهيمن على الدماغ بكل ما تحويه الكلمة من معنى، فهي التي تفهم إشاراته، وهي التي توجهه (أي هي مصدر الإرادة( ليقوم بعمل معين، فالمسألة أشبه ما تكون بالملك والجنود.
وأخيرا فإن أنسب خاتمة هي قول الله تبارك وتعالى: بسم الله الرحمن الرحيم "نَحْنُ خَلَقْنَاكُمْ فَلَوْلا تُصَدِّقُونَ." (الواقعة:57)
نعم .. صدقنا وآمنا بك يا رب، كيف لا ونحن نشاهد عظمة خلقك وبديع صنعك وإعجاز تقديرك؟!!
المصادر
* الكتب العلمية المتخصصة بعلم الدماغ ترجمة الأستاذ الدكتور احمد عدنان أخصائي جراحة الجملة العصبية في مركز العلوم العصبية في بغداد.
أسرار الدماغ
يقول عالم الأعصاب المعروف ديفيد أوتوسون ـ صاحب كتاب علم وظائف الأعصاب ـ في مقدمة كتابه: "يستحيل على علماء الأعصاب في يوم من الأيام، لا في الوقت الحاضر ولا في المستقبل، أن يسبروا أغوار الدماغ ويكتشفوا أسراره بشكل نهائي وقطعي، وذلك لأن الدماغ البشري لا يستطيع أن يفهم نفسه."
هل من الممكن تفوق الحاسب الآلي على العقل البشري في أدائه في المستقبل؟
قام العالم هانز مورافاك ـ وهو عالم متخصص في علم الأعصاب وعلم الحاسبات في آن واحد ـ بعقد مقارنة بين أحدث الحاسبات في سنة 2000م وبين الدماغ البشري، وهو في مقارنته هذه لم يستقطع جزءً من الدماغ ليقوم بمقارنته مع الحاسبة الآلية الحديثة وإنما لجأ إلى شبكية العين وذلك للتعقيد الشديد لأجزاء الدماغ، اعتماداً على الحقيقة التي تقول بأن شبكية العين هي جزء ممتد من الدماغ إلى مؤخرة العين. وكانت نتيجة المقارنة
ـ حسبما تمخضت عنه تجربة هذا العالم ـ أن الحاسبة الآلية الحديثة تحاكي في كفاءتها دماغ نملة واحدة، وإذا استمر خط التطور للحاسبات على النحو التصاعدي الحالي فمن المؤمل أن تصل الحاسبة في كفاءتها إلى مستوى دماغ ابسط الزواحف (الوزغ) بعد أربعين سنة أي في سنة 2040 م.
أما عن الدماغ البشري فلا يستطيع علم الحاسبات في الوقت الحاضر ولا في المستقبل إنتاج حاسبة تساوي في مقدرتها الدماغ البشري، ذلك لأن الدماغ البشري يساوي في كفاءته مليون حاسبة متطورة تعمل في نفس الوقت، وإذا أخذنا بنظر الاعتبار القدرة الكهربائية المستهلكة من قبل هذه الحاسبات وهي تعمل مجتمعة، فإنها ستستهلك ما يقارب من 100 ألف أمبير، في حين أن دماغا بشريا واحدا يستهلك 6 واط في الدقيقة الواحدة 0.1) أمبير).
دقة خلق الألياف العصبية
حاول العلماء في الستينيات من القرن الماضي ـ في مراكز أبحاث العلوم العصبية الأمريكية ـ صناعة أسلاك تضاهي في قابليتها الألياف العصبية، فوجدوا بعد دراسة معمقة دامت سنين طويلة أن مقاومة ليف عصبي واحد بطول متر واحد (أي من الحبل الشوكي إلى أخمص القدم) تساوي مقاومة نظيره من النحاس لكن بطول يساوي المسافة بين الأرض والمريخ عشر مرات أي 10×1300 ألف كم. والإعجاز في ذلك ليس في هذه المقاومة فحسب، وإنما يتجلى في حقيقة أن سلكا بهذه المسافة الكونية لو أرسلت في بدايته إشارة بقوة ألف فولت فإنها ستتبدد في هذه المسافة الطويلة، ولا يصل منها شيئا إلى الطرف الآخر. في حين أن الإشارة التي ترسل من الحبل الشوكي بقيمة 100 ملي فولت 0,1)فولت) ستصل دون أن تفقد شيئا من الطاقة إلى نهاية الليف العصبي في القدم.
إن هذه الحقيقة اضطرت هؤلاء العلماء إلى القول باستحالة تقليد ليفاً عصبياً واحداً.
لذا لا يمكننا القول بإمكانية تقليد الدماغ بخلاياه وأليافه ووظائفه البالغة التعقيد إلى حد الإعجاز. بسم الله الرحمن الرحيم: "هذا خلق الله فأروني ماذا خلق الذين من دونه بل الظالمون في ضلال مبين." (سورة لقمان: 11(
لا يستطيع أحد من البشر ـ مهما بلغ من درجة العلم وقوة التخيل ـ أن يتصور التعقيد المذهل للدماغ البشري. فقد أجمع العلماء على أن الدماغ هو أعقد مخلوق لله تعالى في هذا الكون، وهذا ما أدلى به عالم الأعصاب المعروف والدر بنفيلد حيث قال "إن الدماغ البشري هو كون صغير، لا يقل في تعقيده عن الكون الكبير. فكما أن الله قد تجلى لخلقه في الكون الكبير، فانه كذلك قد تجلى في هذا الكون الصغير".
إن مستوى تعقيد بنية الدماغ مهولا فعدد الخلايا العصبية في دماغ الإنسان هي عشرة آلاف مليون خلية عصبية، وهو عدد سهل اللفظ لكنه صعب التصور، وهناك في الدماغ خلايا أخرى وظيفتها تغذية وإسناد الخلايا العصبية يبلغ عددها عشرة أمثال الخلايا العصبية )أي 100 ألف مليون خلية(، أما عن الألياف العصبية فيكفي أن نذكر جانبا واحدا لنتصور مدى تعقيدها فمثلا يحتوي الجسم الثـفني (Corpus Callosum) على 300 مليون ليف عصبي، حيث أنه يصل الفص الأيمن بالفص الأيسر من الدماغ، وتبلغ عدد الإشارات العصبية التي تمر خلاله 4 مليارات إشارة في كل ثانية كي يعلم أحد الفصين ما يقوم به الفص الآخر!!!
هناك حقيقة أخرى تدلى على مدى شدة تعقيد الخلايا العصبية وهي أن كل خلية عصبية تتسلم عشرة آلاف اشتباك عصبي يأتيها من مختلف مناطق الدماغ. يستثنى من ذلك الفص الجبهي والمخيخ. ففي الفص الجبهي تتسلم كل خلية أربعين ألف اشتباك عصبي، أما في المخيخ فان نوعاً واحداً من أنواع خلاياه الخمسة، وهي خلايا بركنجي ـ والتي يبلغ عددها 30 مليون خلية ـ تتسلم كل خلية منها مليون اشتباك عصبي!!
الدماغ يسيطر على مختلف وظائف الجسم
في القرن الثامن عشر الميلادي، كان الاعتقاد سائداً في الأوساط العلمية أن الوظائف موزعة بصورة عشوائية على مختلف مناطق الدماغ، ولا يوجد هناك تقدير أو قانون لذلك. ولكن الأمر قد تغير في منتصف القرن التاسع عشر وما بعده فقد ثبت بالدليل القاطع أن هذه النظرية خاطئة، حيث أن هنالك توزيعاً دقيقاً ومحكماً لمختلف الوظائف على مناطق محددة من الدماغ. فمثلاً وظيفة الفص القحفي ـ الذي يقع في مؤخرة الدماغ ـ هي النظر بالتحديد، ووظيفة الفص الجبهي التفكير واتخاذ القرارات السليمة وجزء من الذاكرة، كما أن فيه الشريط الحركي الذي يسيطر على حركة الشق المقابل من الجسم) الوجه والطرف العلوي والسفلي)، وهكذا بخصوص بقية الأجزاء. يقول الله عز وجل: "وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً." (الفرقان: من الآية 2(
أما بالنسبة للعواطف والمشاعر الإنسانية، كالحب والبغض والفرح والحزن والاطمئنان والقلق وعلاقتها بالدماغ فهنالك نظاماً كاملاً في أعماق الدماغ يسمى النظام المحيطي العاطفي (Emotional Limbic System) وظيفته الوحيدة هي العواطف والمشاعر.
علاقة الروح والإرادة بالدماغ
هناك مراحل عديدة لتحديد هذه العلاقة من خلال تطور علم الأعصاب، وهو لا يزال الشغل الشاغل لكثير من علماء الأعصاب، وباختصار شديد نقول أن الروح ـ حسب معطيات العلم الحديث ـ هي التي تهيمن على الدماغ بكل ما تحويه الكلمة من معنى، فهي التي تفهم إشاراته، وهي التي توجهه (أي هي مصدر الإرادة( ليقوم بعمل معين، فالمسألة أشبه ما تكون بالملك والجنود.
وأخيرا فإن أنسب خاتمة هي قول الله تبارك وتعالى: بسم الله الرحمن الرحيم "نَحْنُ خَلَقْنَاكُمْ فَلَوْلا تُصَدِّقُونَ." (الواقعة:57)
نعم .. صدقنا وآمنا بك يا رب، كيف لا ونحن نشاهد عظمة خلقك وبديع صنعك وإعجاز تقديرك؟!!
المصادر
* الكتب العلمية المتخصصة بعلم الدماغ ترجمة الأستاذ الدكتور احمد عدنان أخصائي جراحة الجملة العصبية في مركز العلوم العصبية في بغداد.