نبذة تاريخية عن علم الهندسة في الرياضيات
إعداد الدكتور/ حمدى نورالدين
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لانبى بعده وبعد:
الهندسة أحد علوم الرياضيات ، أو أولها في نظر بن سيناء ، وهو علم يتعامل مع النقطة , المستقيم , السطح ، الفضاء ويؤدي إلى دراسة الأشكال من حيث مجموع قياسات زواياها , مساحاتها ، حجمها وتأثير الحركات عليها , كما يهتم بتحديد درجات تقوس السطح 0 وأحد أنواع تلك الهندسة يسمى الهندسة التحليلية التي أمكن باستخدامها حل بعض المسائل الجبرية هندسياً وأمكن التعبير عن النماذج الهندسية بمعادلات رياضية.
وللهندسة التحليلية أهمية بالغة عند دراسة معظم علوم الرياضيات والتطبيقات الفيزيائية وعلوم التقنية 0 وكذلك الهندسة ساعدت على دراسة الفضاء وخواصه الهندسية في العصر الحديث وترتبط بكل ما هو جديد حيث أنها تُعتبر الأساس في تفسير الصور في علم الكمبيوتر.
وتعتبر الهندسة التحليلية مدخل لدراسة الهندسة التفاضلية ( هندسة الحركة ) والهندسة الجبرية حيث أن الهندسة التفاضلية تختص بدراسة الأشكال الهندسية وخاصة المنحنيات والسطوح من حيث خواصها الهندسية وذلك بتطبيق حساب التفاضل والتكامل ويرجع ظهور الهندسة التفاضلية إلى النصف الأول من القرن الثامن عشر وأول من أسس هذا الجزء من الرياضيات أويلر- موبخ- جاوس وقد تطورت الهندسة التفاضلية مع تطور التحليل الرياضي حتى أصبح الآن لها ارتباط وثيق بالعلوم الفيزيائية والعلوم الهندسية وكذلك لها تطبيقات مباشرة على العديد من العلوم التطبيقية مثل الهيدروديناميكا والهندسة الضوئية ونظرية المجال.
النشأة التاريخية للهندسة :
لقد نشأت الهندسة في مصر والعراق , نتيجة لبحث الإنسان عن قواعد عملية تمكنه من قياس الزوايا وحساب مساحات بعض الأشكال وحجومها التى استخدمت لمسح الأراضي وتشيد الأبنية وبناء الأهرامات ولقد تطورت هذه القواعد بالتجربة وتناقلها الناس وبعد زمن وضعت هذه القواعد في صيغ عامة .
وقد عنى بها الإغريق منذ عهد مبكر , وإن سبقتهم إليها ثقافات قديمة أخرى كالمصرية والبابلية , ولعلها من أبرز الدلائل على العبقرية اليونانية 0 وقد تلقف العرب هذا التراث اليوناني في القرن التاسع الميلادي , ومضوا يتدارسونه جيلاً بعد جيل حيث ترجموا الأصول ، وأخذوا منها ما أخذوه , وأضافوا إضافات هامة تعتبر أساسا لبعض فروع المعرفة , ومنهم من كتب في الهندسة ابتداءً معبراً عن رأيه وموضحاً وجهة نظره. ففي القرن العاشر أصبح أمامنا علم عربي في الهندسة , تحدد موضوعه وإتضحت معالمه واستقرت لغته مصطلحاته.
ويعتبر طاليس ( 640- 546ق0م )، الذي تعلم الهندسة في مصر والفلك في العراق، أول من أنتقل بالهندسة من قياس أطوال ومساحات إلى التجديد واستخدام المنطق الرياضي في البرهان , فأصبحت الهندسة علماً إستنتاجياً , ثم جاء فيثاغورث ( 566-497ق0م) ، والذي درس الهندسة والفلك في مصر والحساب في العراق وتوسع والفيثاغورثيون في بناء الهندسة , ولقد أطلقوا على منطوق الحقيقة وبرهانها اصطلاح نظرية ,
ويعتبر تياتينوس ( 415-369ق0م) أول من كتب عن المجسمات المنتظمة ويعتير مينا خموس ( معاصر لأفلاطون ) أول مكتشف لما يسمى بالقطوع المخروطية التي لها العديد من التطبيقات منها على سبيل المثال لا الحصر إستعمالها في عواكس الضوء وموجات الراديو وفي دراسة مسارات القذائف المتحركة تحت تأثير الجاذبية الأرضية وفي تصميم جسور التعليق المنتشرة في معظم الدول المتقدمة وكذلك تستخدم في دراسة حركة الكواكب والإلكترونات.
ولتعليم الهندسة أهداف عديدة منها:
تنمية الفهم العملي.
تنمية التفكير المنطقي.
تنمية الخيال
يمكن للهندسة أن تلعب خمسة أدوار أساسية هي:
الهندسة كعلم للفضاء
لقد تراكمت معلومات كثيرة عن الأشكال في الفضاء، وكان التعليم التقليدي يتمثل أساسا في تلقين جزءا من هذه المعلومات المتنافرة مع تأكيد فائدتها.
ولكن هل نحن على يقين بأن حفظ قاعدة مساحة مثلث مثلا هي أهم من تدريب التلميذ على تقدير مساحة ما بتقسيمها إلى أجزاء بسيطة وإعادة تركيبها بطريقة مختلفة؟
ألا نساهم في تطوير الحس الجمالي عند التلاميذ لما نساعدهم على اكتشاف مساحة مثلث عرفت أطواله:
(القاعدة التي تنسب إلى هير: ¼(ا + ب + ج)(ا + ب – ج)(ب + ج – ا)(ج + ا – ب) ؟
ألا نلهب حماسهم عندما نقول لهم بأن هذه القاعدة قد أكتشفها أرخميدس من قبل، وفي عصر لم يكن يعرف بعد لغة الجبر؟
الهندسة كنموذج للدقة
إن اتباع المنهج الهندسي (وكذلك المنهج التحليلي أو الجبري) يسمح باكتساب عادات معينة في مجال التفكير الرياضي وقدرة معينة في مجال التجريد والتعميم.
وهذا كله يؤدي إلى تنمية الدقة الرياضية.
الهندسة كمنشط للقدرة على الاستدلال
إن إعداد مجموعة من المواقف التعليمية والأنشطة المناسبة لممارسة البرهان الرياضي يعطي للهندسة مكانة أساسية لا بصفتها نموذج للدقة فحسب،
بل كذلك تعتبر وسيلة لتنمية القدرات الاستدلالية.
إن الهندسة أداة تربوية لا تجارى لتنمية الوعي لما تتميز به البراهين من طبيعة مفيدة ومنتجة.
لكن لابد من جعل التلميذ على حذر من البداهة الهندسية وذلك باستعداد الدائم إلى إخضاع فكره لقواعد التفكير الرياضي المنطقي.
الهندسة كلغة للكشف والاستنباط
من الواضح أن العمل مع الحاسبات يشكل باعثا قويا لإضفاء الطابع الشكلي على التفكير.
إلا أن أهمية الهندسة قد تكمن فيما تحتوي من معلومات وفي كونها أكثر لغات التعلم عن طريق الاستكشاف مما يستوجب تعلمها.
إن تنمية التفكير الحدسي تزداد عند تحليلنا لموقف معقد عن طريق الشكل التشخيصي أو الرمزي.
كما أن استخدام لغة الهندسة في مجالات رياضية يسمح بالتوصل إلى استنباطات مدهشة.
كذلك تنبع فعالية الهندسة على تعلم الاستنباط من الفرص التي تتيحها لتمثيل مفاهيم رمزية بشكل دقيق وواضح قد يتعذر الوصول إليها إذا كتبت بطرق أخرى.
الهندسة كفن للتحويل
لقد أصبحت الهندسة منذ القرن 19 علم التحويلات لأنها تدرس تعديلات الأشكال الهندسية أو ما يمثلها، مع ما يصحبها من ثوابت. فكثير من خواص الأشكال الهندسية المألوفة مثلا يمكن إثباتها عن طريق التناظر مما يجنبنا استعمال البرهان عليها بطريقة سقيمة. ويمكن الحصول على كثير من الخواص الهندسية عن طريق تحويل شكل عام إلى شكل معياري (من خلال المنظور يمكن تحويل المضلع الرباعي إلى مربع والقطاع المخروطي إلى دائرة...). وهذا يتطلب مستوى من التفكير الهندسي الذي يعطي أهمية لشكل عملية التحويل أكثر من الأشكال المحولة نفسها.
ان استغلال فائدة الهندسة كأسلوب أساسي لمعالجة الرياضيات، وكذلك تقديم المفاهيم الهندسية التي تفيد وتثير الاهتمام،
واستثمار تجارب التلاميذ واهتماماتهم، واستخدام المشاكل التي تستحوذ على خيال الحال،ستولد لدى التلاميذ عدد من المهارات منها ::
مهارات تطبيقية (القدرة على استخدام النماذج الهندسية في حل المشاكل).
مهارات بصرية (القدرة على التعرف على مختلف الأشكال المستوية والفضائية وتحديد العلاقات بينها).
مهارات لفظية (القدرة على وصف الأشكال وصياغة التعاريف والتعرف على البنى المنطقية شفهيا).
مهارات الرسم (القدرة على رسم الأشكال والتعرف على دورها ومميزاتها).
مهارات منطقية (القدرة على البرهان بمختلف أنماطه ومعرفة دور المنهج الاستنتاجي)