علوم الرياضيات



انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

علوم الرياضيات

علوم الرياضيات

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

علوم الرياضيات بإشراف: أ.عبدالواحد حسني


3 مشترك

    وفاة الخليل ابراهيم عليه السلام

    avatar
    بدر أبوبكر مقيبل ش/20
    عالم جديد
    عالم جديد


    المساهمات : 18
    تاريخ التسجيل : 23/12/2014

    وفاة الخليل ابراهيم عليه السلام Empty وفاة الخليل ابراهيم عليه السلام

    مُساهمة من طرف بدر أبوبكر مقيبل ش/20 الثلاثاء ديسمبر 23, 2014 1:41 am

    ذكر وفاة إبراهيم وما قيل في عمره[عدل]
    ذكر ابن جرير في "تاريخه": أن مولده كان في زمن النمرود بن كنعان وهو فيما قيل: الضحاك الملك المشهور، الذي يقال: إنه ملك ألف سنة، وكان في غاية الغشم والظلم.

    وذكر بعضهم: أنه من بني راسب، الذي بعث إليهم نوح عليه السلام، وأنه كان إذ ذاك ملك الدنيا. وذكروا أنه طلع نجم أخفى ضوء الشمس والقمر، فهاك ذلك أهل الزمان وفزع النمرود. فجمع الكهنة والمنجمين وسألهم عن ذلك؟ فقالوا: يولد مولود في رعيتك يكون زوال ملكك على يديه. فأمر عند ذلك بمنع الرجال عن النساء، وأن يقتل المولودون من ذلك الحين. فكان مولد إبراهيم الخليل في ذلك الحين فحماه الله عز وجل وصانه من كيد الفجار، شب شبابا باهرا، وأنبته الله نباتا حسنا، حتى كان من أمره ما تقدم.

    وكان مولده بالسوس. وقيل: ببابل، وقيل: بالسواد من ناحية كوثى وتقدم عن ابن عباس: أنه ولد ببرزة شرقي دمشق، فلما أهلك الله نمرود على يديه، هاجر إلى حران، ثم إلى أرض الشام، وأقام ببلاد إيليا كما ذكرنا، وولد له إسماعيل وإسحاق، وماتت سارة قبله بقرية حبرون، التي في أرض كنعان، ولها من العمر مائة وسبع وعشرون سنة، فيما ذكر أهل الكتاب، فحزن عليها إبراهيم عليه السلام ورثاها رحمها الله، واشترى من رجل من بني حث، يقال له عفرون بن صخر مغارة بأربع مائة مثقال، ودفن فيها سارة هنالك.

    قالوا: ثم خطب إبراهيم على ابنه إسحاق، فزوجه رفقا بنت بتوئيل بن ناحور بن تارح، وبعث مولاه فحملها من بلادها، ومعها مرضعتها، وجواريها على الإبل.

    قالوا: ثم تزوج إبراهيم عليه السلام قنطورا، فولدت له زمران، ويقشان، ومادان، ومدين، وشياق، وشوح. وذكروا: ما ولد كل واحد من هؤلاء أولاد قنطورا.

    وقد روى ابن عساكر عن غير واحد من السلف، عن أخبار أهل الكتاب، في صفة مجيء ملك الموت إلى إبراهيم عليه السلام أخبارا كثيرة الله أعلم بصحتها. وقد قيل: إنه مات فجأة، وكذا داود وسليمان، والذي ذكره أهل الكتاب وغيرهم خلاف ذلك.

    قالوا: ثم مرض إبراهيم عليه السلام، ومات عن مائة وخمس وسبعين. وقيل وتسعين سنة، ودفن في المغارة المذكورة التي كانت بحبرون الحيثي، عند امرأته سارة التي في مزرعة عفرون الحيثي، وتولى دفنه إسماعيل وإسحاق صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين. وقد ورد ما يدل على أنه عاش مائتي سنة، كما قاله ابن ال*****ي.

    فقال أبو حاتم بن حبان في "صحيحه": أنبأنا المفضل بن محمد الجندي بمكة، حدثنا علي بن زياد اللخمي، حدثنا أبو قرة، عن ابن جريج، عن يحيى بن سعيد، عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم: قال : "اختتن إبراهيم بالقدوم، وهو ابن عشرين، ومائة سنة، وعاش بعد ذلك ثمانين سنة".

    وقد رواه الحافظ ابن عساكر من طريق عكرمة بن إبراهيم وجعفر بن عون العمري، عن يحيى بن سعيد، عن سعيد، عن أبي هريرة موقوفا.

    ثم قال ابن حبان: ذكر الخبر المدحض قول من زعم أن رفع هذا الخبر وهم: أخبرنا محمد بن عبد الله بن الجنيد، حدثنا قتية بن سعيد، حدثنا الليث، عن ابن عجلان، عن أبيه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: اختتن إبراهيم حين بلغ عشرين ومائة سنة، وعاش بعد ذلك ثمانين سنة، واختتن بقدوم".

    وقد رواه الحافظ ابن عساكر من طريق يحيى بن سعيد، عن ابن عجلان، عن أبيه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم.

    ثم روى ابن حبان عن عبد الرزاق، أنه قال: القدوم اسم القرية.

    قلت: الذي في الصحيح أنه اختتن. وقد أتت عليه ثمانون سنة.

    وفي رواية: وهو ابن ثمانين سنة. وليس فيهما تعرض لما عاش بعد ذلك والله أعلم.

    وقال محمد بن إسماعيل الحساني الواسطي: زاد في تفسير وكيع عنه فيما ذكره من الزيادات، حدثنا أبو معاوية، عن يحيى بن سعيد، عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة، قال: كان إبراهيم أول من تسرول، وأول من فرق، وأول من استحد، وأول من اختتن بالقدوم، وهو ابن عشرين ومائة سنة. وعاش بعد ذلك ثمانين سنة. وأول من قرى الضيف، وأول من شاب. هكذا رواه موقوفا. وهو أشبه بالمرفوع خلافا لابن حبان والله أعلم.

    وقال مالك عن يحيى بن سعيد بن المسيب قال: كان إبراهيم أول من أضاف الضيف، وأول الناس اختتن، وأول الناس قص شاربه، وأول الناس رأى الشيب، فقال: يا رب ما هذا؟ فقال الله: " وقار". فقال: يا رب زدني وقارا.

    وزاد غيرهما: وأول من قص شاربه، وأول من استحد، وأول من لبس السراويل.

    فقبره وقبر ولده إسحاق وقبر ولد ولده يعقوب في المربعة التي بناها سليمان بن داود عليه السلام ببلد حبرون وهو البلد المعروف بالخليل اليوم. وهذا متلقى بالتواتر أمة بعد أمة، وجيل بعد جيل، من زمن بني إسرائيل وإلى زماننا هذا أن قبره بالمربعة تحقيقا. فأما تعيينه منها فليس فيه خبر صحيح عن معصوم، فينبغي أن تراعى تلك المحلة، وأن تحترم احترام مثلها، وأن تبجل وأن تجل أن يداس في أرجائها، خشية أن يكون قبر الخليل، أو أحد أولاد الأنبياء عليهم السلام تحتها.

    وروى ابن عساكر بسنده إلى وهب بن منبه قال: وجد عند قبر إبراهيم الخليل على حجر كتابة خلقة:

    ألهى جهولا أمله ** *** يموت من جا أجله

    ومن دما من حتفه *** لم تغن عنه حيله

    وكيف يبقى آخرا *** من مات عنه أوله

    والمرء لا يصحبه ** في القبر إلا عمله

    ذكر أولاد إبراهيم الخليل
    avatar
    بدر أبوبكر مقيبل ش/20
    عالم جديد
    عالم جديد


    المساهمات : 18
    تاريخ التسجيل : 23/12/2014

    وفاة الخليل ابراهيم عليه السلام Empty اولاده عليه السلام

    مُساهمة من طرف بدر أبوبكر مقيبل ش/20 الثلاثاء ديسمبر 23, 2014 1:43 am

    ذكر أولاد إبراهيم الخليل[عدل]
    أول من ولد له: إسماعيل من هاجر القبطية المصرية، ثم ولد له إسحاق من سارة بنت عم الخليل، ثم تزوج بعدها قنطورا بنت يقطن الكنعانية، فولدت له ستة: مدين، وزمران، وسرج، ويقشان، ونشق، ولم يسم السادس. ثم تزوج بعدها حجون بنت أمين، فولدت له خمسة: كيسان، وسورج، واميم، ولوطان، ونافس. هكذا ذكره أبو القاسم السهيلي في كتابه "التعريف والاعلام".
    avatar
    بدر أبوبكر مقيبل ش/20
    عالم جديد
    عالم جديد


    المساهمات : 18
    تاريخ التسجيل : 23/12/2014

    وفاة الخليل ابراهيم عليه السلام Empty قصة سيدنا لوط عليه السلام

    مُساهمة من طرف بدر أبوبكر مقيبل ش/20 الثلاثاء ديسمبر 23, 2014 1:45 am

    قصة لوط عليه السلام[عدل]
    ومما وقع في حياة إبراهيم الخليل من الأمور العظيمة قصة قوم لوط عليه السلام، وما حل بهم من النقمة العميمة.

    وذلك أن لوطا بن هاران بن تارح، وهو آزر، كما تقدم، ولوط ابن أخي إبراهيم الخليل، فإبراهيم، وهاران وناحور إخوة كما قدمنا. ويقال: إن هاران هذا هو الذي بنى حران. وهذا ضعيف لمخالفته ما بأيدي أهل الكتاب والله تعالى أعلم.

    وكان لوط قد نزح عن محلة عمه الخليل عليهما السلام بأمره له وأذنه، فنزل بمدينة سدوم من أرض غور، زغر، وكان أم تلك المحله، ولها أرض ومعتملات وقرى، مضافة إليها ولها أهل من أفجر الناس وأكفرهم وأسوأهم طوية، وأرداهم سريرة وسيرة، يقطعون السبيل ويأتون في ناديهم المنكر، ولا يتناهون عن منكر فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون.

    ابتدعوا فاحشة لم يسبقهم إليها أحد من بني آدم، وهي إتيان الذكران من العالمين، وترك ما خلق الله من النسوان لعباده الصالحين.

    فدعاهم لوط إلى عبادة الله تعالى وحده لا شريك له، ونهاهم عن تعاطي هذه المحرمات، والفواحش المنكرات، والأفاعيل المستقبحات، فتمادوا على ضلالهم وطغيانهم، واستمروا على فجورهم وكفرانهم، فأحل الله بهم من البأس الذي لا يرد ما لم يكن في خلدهم وحسبانهم، وجعلهم مثله في العالمين، وعبرة يتعظ بها الألباء من العالمين.

    ولهذا ذكر الله تعالى قصتهم في غير ما موضع في كتابه المبين، فقال تعالى في سورة الأعراف: {ولوطا إذ قال لقومه أتأتون الفاحشة ما سبقكم بها من أحد من العالمين، إنكم لتأتون الرجال شهوة من دون النساء بل أنتم قوم مسرفون، وما كان جواب قومه إلا أن قالوا أخرجوهم من قريتكم إنهم أناس يتطهرون، فأنجيناه وأهله إلا امرأته كانت من الغابرين، وأمطرنا عليهم مطرا فانظر كيف كان عاقبة المجرمين}.

    وقال تعالى في سورة هود: {ولقد جاءت رسلنا إبراهيم بالبشرى قالوا سلاما قال سلام فما لبث أن جاء بعجل حنيذ، فلما رأى أيديهم لا تصل إليه نكرهم وأوجس منهم خيفة قالوا لا تخف إنا أرسلنا إلى قوم لوط، وامرأته قائمة فضحكت فبشرناها بإسحاق ومن وراء إسحاق يعقوب، قالت يا ويلتا أألد وأنا عجوز وهذا بعلي شيخا إن هذا لشيء عجيب، قالوا أتعجبين من أمر الله رحمة الله وبركاته عليكم أهل البيت إنه حميد مجيد، فلما ذهب عن إبراهيم الروع وجاءته البشرى يجادلنا في قوم لوط، إن إبراهيم لحليم أواه منيب، يا إبراهيم أعرض عن هذا إنه قد جاء أمر ربك وإنهم آتيهم عذاب غير مردود، ولما جاءت رسلنا لوطا سيء بهم وضاق بهم ذرعا وقال هذا يوم عصيب، وجاءه قومه يهرعون إليه ومن قبل كانوا يعملون السيئات قال يا قوم هؤلاء بناتي هن أطهر لكم فاتقوا الله ولا تخزوني في ضيفي أليس منكم رجل رشيد، قالوا لقد علمت ما لنا في بناتك من حق وإنك لتعلم ما نريد، قال لو أن لي بكم قوة أو آوي إلى ركن شديد، قالوا يا لوط إنا رسل ربك لن يصلوا إليك فأسر بأهلك بقطع من الليل فأسر بأهلك بقطع من الليل ولا يلتفت منكم أحد إلا امرأتك إنه مصيبها ما أصابهم إن موعدهم الصبح أليس الصبح بقريب، فلما جاء أمرنا جعلنا عاليها سافلها وأمطرنا عليها حجارة من سجيل منضود، مسومة عند ربك وما هي من الظالمين ببعيد}.

    وقال تعالى في سورة الحجر: {ونبئهم عن ضيف إبراهيم، إذ دخلوا عليه فقالوا سلاما قال إنا منكم وجلون، قالوا لا توجل إنا نبشرك بغلام عليم، قال أبشرتموني على أن مسني الكبر فبم تبشرون، قالوا بشرناك بالحق فلا تكن من القانطين، قال ومن يقنط من رحمة ربه إلا الضالون، قال فما خطبكم أيها المرسلون، قالوا إنا أرسلنا إلى قوم مجرمين، إلا آل لوط إنا لمنجوهم أجمعين إلا امرأته قدرنا إنها لمن الغابرين، فلما جاء آل لوط المرسلون، قال إنكم قوم منكرون، قالوا بل جئناك بما كانوا فيه يمترون، وأتيناك بالحق وإنا لصادقون، فأسر بأهلك بقطع من الليل واتبع أدبارهم ولا يلتفت منكم أحد وامضوا حيث تؤمرون، وقضينا إليه ذلك الأمر أن دابر هؤلاء مقطوع مصبحين، وجاء أهل المدينة يستبشرون قال إن هؤلاء ضيفي فلا تفضحوني، واتقوا الله ولا تخزوني، قالوا أولم ننهك عن العالمين، قال هؤلاء بناتي إن كنتم فاعلين، لعمرك إنهم لفي سكرتهم يعمهون، فأخذتهم الصيحة مشرقين، فجعلنا عاليها سافلها وأمطرنا عليهم حجارة من سجيل، إن في ذلك لآيات للمتوسمين، وإنها لبسبيل مقيم، إن في ذلك لآية للمؤمنين}.

    وقال تعالى في سورة الشعراء: {كذبت قوم لوط المرسلين، إذ قال لهم أخوهم لوط ألا تتقون، إني لكم رسول أمين، فاتقوا الله وأطيعوني، وما أسألكم عليه من أجر إن أجري إلا على رب العالمين، أتأتون الذكران من العالمين، وتذرون ما خلق لكم ربكم من أزواجكم بل أنتم قوم عادون، قالوا لئن لم تنته يا لوط لتكونن من المخرجين، قال إني لعملكم من القالين رب نجني وأهلي مما يعملون، فنجيناه وأهله أجمعين، إلا عجوزا في الغابرين، ثم دمرنا الآخرين، وأمطرنا عليهم مطرا فساء مطر المنذرين، إن في ذلك لآية وما كان أكثرهم مؤمنين، وإن ربك لهو العزيز الرحيم}.

    وقال تعالى في سورة النمل: {ولوطا إذ قال لقومه أتأتون الفاحشة وأنتم تبصرون، أئنكم لتأتون الرجال شهوة من دون النساء بل أنتم قوم تجهلون، فما كان جواب قومه إلا أن قالوا أخرجوا آل لوط من قريتكم إنهم أناس يتطهرون، فأنجيناه وأهله إلا امرأته قدرناها من الغابرين، وأمطرنا عليهم مطرا فساء مطر المنذرين}.

    وقال تعالى في سورة العنكبوت: {ولوطا إذ قال لقومه إنكم لتأتون الفاحشة ما سبقكم بها من أحد من العالمين، أئنكم لتأتون الرجال وتقطعون السبيل وتأتون في ناديكم المنكر فما كان جواب قومه إلا أن قالوا ائتنا بعذاب الله إن كنت من الصادقين، قال رب انصرني على القوم المفسدين، ولما جاءت رسلنا إبراهيم بالبشرى قالوا إنا مهلكو أهل هذه القرية إن أهلها كانوا ظالمين، قال إن فيها لوطا قالوا نحن أعلم بمن فيها لننجينه وأهله إلا امرأته كانت من الغابرين، ولما أن جاءت رسلنا لوطا سيء بهم وضاق بهم ذرعا وقالوا لا تخف ولا تحزن إنا منجوك وأهلك إلا امرأتك كانت من الغابرين، إنا منزلون على أهل هذه القرية رجزا من السماء بما كانوا يفسقون، ولقد تركنا منها آية بينة لقوم يعقلون}.

    وقال تعالى في سورة الصافات: {وإن لوطا لمن المرسلين، إذ نجيناه وأهله أجمعين، إلا عجوزا في الغابرين، ثم دمرنا الآخرين، وإنكم لتمرون عليهم مصبحين، وبالليل أفلا تعقلون}.

    وقال تعالى في الذاريات بعد قصة ضيف إبراهيم وبشارتهم إياه بغلام عليم: {قال فما خطبكم أيها المرسلون، قالوا إنا أرسلنا إلى قوم مجرمين، لنرسل عليهم حجارة من طين، مسومة عند ربك للمسرفين، فأخرجنا من كان فيها من المؤمنين، فما وجدنا فيها غير بيت من المسلمين، وتركنا فيها آية للذين يخافون العذاب الأليم}.

    وقال في سورة القمر: {كذبت قوم لوط بالنذر، إنا أرسلنا عليهم حاصبا إلا آل لوط نجيناهم بسحر، نعمة من عندنا كذلك نجزي من شكر، ولقد أنذرهم بطشتنا فتماروا بالنذر، ولقد راودوه عن ضيفه فطمسنا أعينهم فذوقوا عذابي ونذر، ولقد صبحهم بكرة عذاب مستقر، فذوقوا عذابي ونذر، ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر}.

    وقد تكلمنا على هذه القصص في أماكنها من هذه السورة في التفسير.

    وقد ذكر الله لوطا وقومه في مواضع أخر من القرآن، تقدم ذكرها مع نوح وعاد وثمود.

    والمقصود الآن إيراد ما كان من أمرهم وما أحل الله بهم مجموعا من الآيات والآثار وبالله المستعان. وذلك أن لوطا عليه السلام لما دعاهم إلى عبادة الله وحده لا شريك له، ونهاهم عن تعاطي ما ذكر الله عنهم من الفواحش، لم يستجيبوا له ولم يؤمنوا به، حتى ولا رجل واحد منهم، ولم يتركوا ما عنه نهوا، بل استمروا على حالهم، ولم يرتدعوا عن غيهم وضلالهم، وهموا بإخراج رسولهم من بين ظهرانيهم. {واستضعفوه وسخروا منه} وما كان حاصل جوابهم عن خطابهم إذ كانوا لا يعقلون إلا أن قالوا: {أخرجوا آل لوط من قريتكم إنهم أناس يتطهرون} فجعلوا غاية المدح ذما يقتضي الإخراج، وما حملهم على مقالتهم هذه إلا العناد واللجاج.

    فطهره الله وأهله إلا امرأته، وأخرجهم منها أحسن إخراج، وتركهم في محلتهم خالدين، لكن بعد ما صيرها عليهم بحرة منتنة، ذات أمواج، لكنها عليهم في الحقيقة نار تأجج، وحر يتوهج، وماؤها ملح أجاج.

    وما كان هذا جوابهم إلا لما نهاهم عن الطامة العظمى والفاحشة الكبرى، التي لم يسبقهم إليها أحد من أهل الدنيا. ولهذا صاروا مثلة فيها وعبرة لمن عليها. وكانوا مع ذلك يقطعون الطريق، ويخونون الرفيق، ويأتون في ناديهم، وهو مجتمعهم ومحل حديثهم وسمرهم، المنكر من الأقوال والأفعال، على اختلاف أصنافه، حتى قيل: إنهم كانوا يتضارطون في مجالسهم، ولا يستحيون من مجالسهم، وربما وقع منهم الفعلة العظيمة في المحافل، ولا يستنكفون ولا يرعوون لوعظ واعظ، ولا نصيحة من عاقل، وكانوا في ذلك وغيره كالأنعام بل أضل سبيلا، ولم يقلعوا عما كانوا عليه في الحاضر، ولا ندموا على ما سلف من الماضي، ولا راموا في المستقبل تحويلا، فأخذهم الله أخذا وبيلا.

    وقالوا له فيما قالوا: {ائتنا بعذاب الله إن كنت من الصادقين} فطلبوا منه وقوع ما حذرهم عنه من العذاب الأليم وحلول البأس العظيم.

    فعند ذلك دعا عليهم نبيهم الكريم، فسأل من رب العالمين وإله المرسلين، أن ينصره على القوم المفسدين.

    فغار الله لغيرته، وغضب لغضبته، واستجاب لدعوته، وأجابه إلى طلبته، وبعث رسله الكرام، وملائكته العظام، فمروا على الخليل إبراهيم، وبشروه بالغلام العليم، وأخبروه بما جاؤا له من الأمر الجسيم والخطب العميم {قال فما خطبكم أيها المرسلون، قالوا إنا أرسلنا إلى قوم مجرمين، لنرسل عليهم حجارة من طين، مسومة عند ربك للمسرفين} وقال: {ولما جاءت رسلنا إبراهيم بالبشرى قالوا إنا مهلكو أهل هذه القرية إن أهلها كانوا ظالمين، قال إن فيها لوطا قالوا نحن أعلم بمن فيها لننجينه وأهله إلا امرأته كانت من الغابرين} وقال الله تعالى: {فلما ذهب عن إبراهيم الروع وجاءته البشرى يجادلنا في قوم لوط}. وذلك إنه كان يرجو أن يجيبوا أو ينيبوا ويسلموا ويقلعوا ويرجعوا. لهذا قال تعالى: {إن إبراهيم لحليم أواه منيب، يا إبراهيم أعرض عن هذا إنه قد جاء أمر ربك وإنهم آتيهم عذاب غير مردود}. أي أعرض عن هذا وتكلم في غيره فإنه قد حتم أمرهم ووجب عذابهم وتدميرهم وهلاكهم إنه قد جاء أمر ربك أي قد أمر به من لا يرد أمره ولا يرد بأسه ولا معقب لحكمه وإنهم آتيهم عذاب غير مردود.

    وذكر سعيد بن جبير والسدي وقتادة ومحمد بن إسحاق أن إبراهيم عليه السلام جعل يقول "أتهلكون قرية فيها ثلاثمائة مؤمن قالوا لا قال فمائتا مؤمن قالوا لا قال فأربعون مؤمنا قالوا: لا قال فأربعة عشر مؤمنا قالوا لا) قال ابن إسحاق: إلى أن قال: "أفرأيتم إن كان فيها مؤمن واحد قالوا لا" قال: { إن فيها لوطا قالوا نحن أعلم بمن فيها} الآية.

    وعند أهل الكتاب أنه قال "يا رب أتهلكهم وفيهم خمسون رجلا صالحا؟ فقال الله: لا أهلكهم وفيهم خمسون صالحا، ثم تنازل عشرة فقال الله: "لا أهلكهم وفيهم عشرة صالحون".

    قال الله تعالى:{ولما جاءت رسلنا لوطا سيء بهم وضاق بهم ذرعا وقال هذا يوم عصيب}. قال المفسرون: لما فصلت الملائكة من عند إبراهيم، وهم جبريل وميكائيل وإسرافيل، أقبلوا حتى أتوا أرض سدوم، في صور شبان حسان اختبارا من الله تعالى لقوم لوط، وإقامة للحجة عليهم، فتضيفوا لوطا عليه السلام وذلك عند غروب الشمس، فخشي إن لم يضفهم أن يضيفهم غيره، وحسبهم بشرا من الناس، {وسيء بهم وضاق بهم ذرعا وقال هذا يوم عصيب}. قال ابن عباس ومجاهد وقتادة ومحمد بن إسحاق، شديد بلاؤه، وذلك لما يعلم من مدافعته الليلة عنهم، كما كان يصنع بهم في غيرهم، وكانوا قد اشترطوا عليه أن لا يضيف أحدا، ولكن رأى من لا يمكن المحيد عنه.

    وذكر قتادة أنهم وردوا عليه وهو في أرض له، يعمل فيها فتضيفوا، فاستحيا منهم، وانطلق أمامهم، وجعل يعرض لهم في الكلام لعلهم ينصرفون عن هذه القرية، وينزلون في غيرها، فقال لهم فيما قال: والله يا هؤلاء ما أعلم على وجه الأرض أهل بلد أخبث من هؤلاء، ثم مشى قليلا ثم أعاد ذلك عليهم، حتى كرره أربع مرات. قال: وكانوا قد أمروا أن لا يهلكوهم حتى يشهد عليهم نبيهم بذلك.

    وقال السدي: خرجت الملائكة من عند إبراهيم نحو قرية لوط، فأتوها نصف النهار، فلما بلغوا سدوم، لقوا ابنة لوط تستقي من الماء لأهلها، وكانت له ابنتان اسم الكبرى "ريثا"، والصغرى "زغرتا"، فقالوا لها: يا جارية هل من منزل؟ فقالت لهم: مكانكم لا تدخلوا حتى آتيكم، فرقت عليهم من قومها، فأتت أباها فقالت: يا أبتاه، أرادك فتيان على باب المدينة، ما رأيت وجوه قوم قط هي أحسن منهم، لا يأخذهم قومك، فيفضحوهم. وقد كان قومه نهوه أن يضيف رجلا فقالوا: خل عنا فلنضف الرجال.

    فجاء بهم، فلم يعلم أحد إلا أهل البيت، فخرجت امرأته فأخبرت قومها، فقالت: إن في بيت لوط رجالا ما رأيت مثل وجوههم قط فجاءه قومه يهرعون إليه.

    وقوله: {ومن قبل كانوا يعملون السيئات}. أي هذا مع ما سلف لهم من الذنوب العظيمة الكبيرة الكثيرة، {قال يا قوم هؤلاء بناتي هن أطهر لكم} يرشدهم إلى غشيان نسائهم، وهن بناته شرعا لأن النبي للأمة بمنزلة الوالد، كما ورد في الحديث، وكما قال تعالى: {النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه أمهاتهم} وفي قول بعض الصحابة والسلف وهو أب لهم. وهذا كقوله: {أتأتون الذكران من العالمين، وتذرون ما خلق لكم ربكم من أزواجكم بل أنتم قوم عادون}.

    وهذا هو الذي نص عليه مجاهد وسعيد بن جبير والربيع بن أنس وقتادة والسدي ومحمد بن إسحاق وهو الصواب.

    والقول الآخر خطأ مأخوذ من أهل الكتاب، وقد تصحف عليهم كما أخطأوا في قولهم: إن الملائكة كانوا إثنين، وإنهم تعشوا عنده، وقد خبط أهل الكتاب في هذه القصة تخبيطا عظيما. وقوله: {فاتقوا الله ولا تخزوني في ضيفي أليس منكم رجل رشيد} نهى لهم عن تعاطي ما لا يليق من الفاحشة، وشهادة عليهم بأنه ليس فيهم رجل له مسكة، ولا فيه خير، بل الجميع سفهاء، فجرة أقوياء، كفرة أغبياء.

    وكان هذا من جملة ما أراد الملائكة أن يسمعوه منه من قبل أن يسألوه عنه.

    فقال قومه عليهم لعنة الله الحميد المجيد. مجيبين لنبيهم فيما أمرهم به من الأمر السديد : {قالوا لقد علمت ما لنا في بناتك من حق وإنك لتعلم ما نريد} يقولون: عليهم لعائن الله، لقد علمت يا لوط إنه لا أرب لنا في نسائنا، وإنك لتعلم مرادنا وغرضنا "من غير النساء".

    واجهوا بهذا الكلام القبيح رسولهم الكريم، ولم يخافوا سطوة العظيم، ذي العذاب الأليم. ولهذا قال عليه السلام {قال لو أن لي بكم قوة أو آوي إلى ركن شديد} ود أن لو كان له بهم قوة، أو له منعة وعشيرة ينصرونه عليهم، ليحل بهم ما يستحقونه من العذاب، على هذا الخطاب. وقد قال الزهري عن سعيد بن المسيب وأبي سلمة عن أبي هريرة مرفوعا "نحن أحق بالشك من إبراهيم، ويرحم الله لوطا لقد كان يأوي إلى ركن شديد، ولو لبثت في السجن ما لبث يوسف لأجبت الداعي". ورواه أبو الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة.

    وقال محمد بن عمرو بن علقمة عن أبي سلمة عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "رحمة الله على لوط، إن كان يأوي إلى ركن شديد، يعني الله عز وجل، فما بعث الله بعده نبي إلا في ثروة من قومه".

    وقال تعالى: {وجاء أهل المدينة يستبشرون، قال إن هؤلاء ضيفي فلا تفضحوني، واتقوا الله ولا تخزوني، قالوا أولم ننهك عن العالمين، قال هؤلاء بناتي إن كنتم فاعلين} فأمرهم بقربان نسائهم، وحذرهم الاستمرار على طريقتهم وسيآتهم.

    هذا وهم في ذلك لا ينتهون ولا يرعوون، بل كلما نهاهم يبالغون في تحصيل هؤلاء الضيفان ويحرصون. ولم يعلموا ما حم به القدر مما هم إليه صائرون، وصبيحة ليلتهم إليه منقلبون.

    ولهذا قال تعالى مقسما بحياة نبيه محمد صلوات الله وسلامه عليه: {لعمرك إنهم لفي سكرتهم يعمهون} وقال تعالى: {ولقد أنذرهم بطشتنا فتماروا بالنذر، ولقد راودوه عن ضيفه فطمسنا أعينهم فذوقوا عذابي ونذر، ولقد صبحهم بكرة عذاب مستقر}.

    ذكر المفسرون وغيرهم أن نبي الله لوطا عليه السلام جعل يمانع قومه الدخول، ويدافعهم، والباب مغلق، وهم يرومون فتحه وولوجه، وهو يعظهم وينهاهم من وراء الباب، وكل ما لهم في إلحاح وإنحاح، فلما ضاق الأمر وعسر الحال قال ما قال {قال لو أن لي بكم قوة أو آوي إلى ركن شديد} لأحللت بكم النكال.

    قالت الملائكة {يا لوط إنا رسل ربك لن يصلوا إليك} وذكروا أن جبريل عليه السلام خرج عليهم فضرب وجوههم خفقة بطرف جناحه، فطمست أعينهم، حتى قيل: إنها غارت بالكلية، ولم يبق لها محل ولا عين، ولا أثر، فرجعوا يتحسسون مع الحيطان، ويتوعدون رسول الرحمن، ويقولون: إذا كان الغد كان لنا وله شأن.

    قال الله تعالى {ولقد راودوه عن ضيفه فطمسنا أعينهم فذوقوا عذابي ونذر، ولقد صبحهم بكرة عذاب مستقر}.

    فذلك أن الملائكة تقدمت إلى لوط عليه السلام آمرين له بأن يسري هو وأهله من آخر الليل، ولا يلتفت منكم أحد، يعني عند سماع صوت العذاب إذا حل بقومه، وأمروه أن يكون سيره في آخرهم كالساقة لهم.

    وقوله: {إلا امرأتك} على قراءة النصب، يحتمل أن يكون مستثنى من قوله {فأسر بأهلك}، كأنه يقول: إلا امرأتك فلا تسر بها. ويحتمل أن يكون من قوله: {ولا يلتفت منكم أحد إلا امرأتك}، أي: فإنها ستلتفت فيصيبها ما أصابهم. ويقوي هذا الاحتمال قراءة الرفع، ولكن الأول أظهر في المعنى والله أعلم.

    قال السهيلي واسم امرأة لوط "والهة" واسم امرأة نوح "والغة".

    وقالوا له مبشرين بهلاك هؤلاء البغاة العتاة الملعونين النظراء والأشباه الذين جعلهم الله سلفا لكل خائن مريب: {إن موعدهم الصبح أليس الصبح بقريب}.

    فلما خرج لوط عليه السلام بأهله، وهم ابنتاه، لم يتبعه منهم رجل واحد، ويقال: إن امرأته خرجت معه فالله أعلم.

    فلما خلصوا من بلادهم، وطلعت الشمس فكان عند شروقها جاءهم من أمر الله ما لا يرد. ومن البأس الشديد ما لا يمكن أن يصد.

    وعند أهل الكتاب أن الملائكة أمروه أن يصعد إلى رأس الجبل الذي هناك، فاستبعده وسأل منهم أن يذهب إلى قرية قريبة منهم، فقالوا: اذهب فانا ننتظرك حتى تصير إليها وتستقر فيها، ثم نحل بهم العذاب، فذكروا أنه ذهب إلى قرية "صوغر" التي يقول الناس "غور زغر" فلما أشرقت الشمس نزل بهم العذاب.

    قال الله تعالى: {فلما جاء أمرنا جعلنا عاليها سافلها وأمطرنا عليها حجارة من سجيل منضود، مسومة عند ربك وما هي من الظالمين ببعيد}.

    قالوا: اقتلعهن جبريل بطرف جناحه من قرارهن، وكن سبع مدن بمن فيهن من الأمم، فقالوا: إنهم كانوا أربع مائة نسمة. وقيل: أربعة آلاف نسمة وما معهم من الحيوانات، وما يتبع تلك المدن من الأراضي والأماكن والمعتملات، فرفع الجميع حتى بلغ بهن عنان السماء، حتى سمعت الملائكة أصوات ديكتهم ونباح كلابهم، ثم قلبها عليهم، فجعل عاليها سافلها. قال مجاهد: فكان أول ما سقط منها شرفاتها.

    {وأمطرنا عليها حجارة من سجيل} والسجيل فارسي معرب، وهو الشديد الصلب القوي (منضود) أي يتبع بعضها بعضا في نزولها عليهم من السماء (مسومة) أي معلمة مكتوب على كل حجر اسم صاحبه، الذي يهبط عليه فيدمغه، كما قال: {مسومة عند ربك للمسرفين} وكما قال تعالى: {وأمطرنا عليهم مطرا فساء مطر المنذرين}. وقال تعالى: {والمؤتفكة أهوى، فغشاها ما غشى} يعني: قلبها فأهوى بها منكسة عاليها سافلها، وغشاها بمطر من حجارة من سجيل، متتابعة مسومة مرقومة، على كل حجر اسم صاحبه الذي سقط عليه من الحاضرين، منهم في بلدهم والغائبين عنها من المسافرين، والنازحين والشاذين منها.

    ويقال: إن امرأة لوط مكثت مع قومها. ويقال: إنها خرجت مع زوجها وبنتيها، ولكنها لما سمعت الصيحة، وسقوط البلدة) التفتت إلى قومها، وخالف أمر ربها قديما وحديثا، وقالت: وا قوماه فسقط عليها حجر، فدمغها وألحقها بقومها، إذ كانت على دينهم، وكانت عينا لهم، على من يكون عند لوط من الضيفان.

    كما قال تعالى: {ضرب الله مثلا للذين كفروا امرأة نوح وامرأة لوط كانتا تحت عبدين من عبادنا صالحين فخانتاهما فلم يغنيا عنهما من الله شيئا وقيل ادخلا النار مع الداخلين} أي خانتاهما في الدين فلم يتبعاهما فيه. وليس المراد أنهما كانتا على فاحشة، حاشا وكلا. فإن الله لا يقدر على نبي قط أن تبغى امرأته، كما قال ابن عباس وغيره من أئمة السلف والخلف: ما بغت امرأة نبي قط. ومن قال خلاف هذا فقد أخطأ خطأ كبيرا.

    قال الله تعالى في قصة الإفك، لما أنزل براءة أم المؤمنين عائشة بنت الصديق، زوج رسول الله صلى الله عليه وسلم، حين قال لها أهل الإفك ما قالوا، فعاتب الله المؤمنين وأنب وزجر ووعظ وحذر، وقال فيما قال: {تلقونه بألسنتكم وتقولون بأفواهكم ما ليس لكم به علم وتحسبونه هينا وهو عند الله عظيم}. أي سبحانك أن تكون زوجة نبيك بهذه المثابة.

    وقوله هنا: {وما هي من الظالمين ببعيد} أي وما هذه العقوبة ببعيدة ممن أشبههم في فعلهم. ولهذا ذهب من ذهب من العلماء إلى أن اللائط يرجم سواء كان محصنا أو لا، ونص عليه الشافعي وأحمد بن حنبل وطائفة كثيرة من الأئمة.

    واحتجوا أيضا بما رواه الإمام أحمد وأهل السنن من حديث عمرو بن أبي عمرو، عن عكرمة، عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من وجدتموه يعمل عمل قوم لوط فاقتلوا الفاعل والمفعول به".

    وذهب أبو حنيفة إلى أن اللائط يلقى من شاهق جبل، ويتبع بالحجارة، كما فعل بقوم لوط، لقوله تعالى: {وما هي من الظالمين ببعيد}.

    وجعل الله مكان تلك البلاد بحرة منتنة لا ينتفع بمائها ولا بما حولها من الأراضي المتاخمة لفنائها، لرداءتها ودناءتها، فصارت عبرة ومثلة وعظة وآية على قدرة الله تعالى وعظمته وعزته في انتقامه ممن خالف أمره وكذب رسله واتبع هواه وعصى مولاه. ودليلا على رحمته بعباده المؤمنين في انجائه إياهم من المهلكات، وإخراجه إياهم من النور إلى الظلمات، كما قال تعالى: {إن في ذلك لآية وما كان أكثرهم مؤمنين، وإن ربك لهو العزيز الرحيم}.

    وقال الله تعالى: {فأخذتهم الصيحة مشرقين، فجعلنا عاليها سافلها وأمطرنا عليهم حجارة من سجيل، إن في ذلك لآيات للمتوسمين، وإنها لبسبيل مقيم، إن في ذلك لآية للمؤمنين} أي من نظر بعين الفراسة والتوسم فيهم، كيف غير الله تلك البلاد وأهلها، وكيف جعلها بعد ما كانت آهلة عامرة، هالكة غامرة. كما روى الترمذي وغيره مرفوعا "اتقوا فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور الله". ثم قرأ: {إن في ذلك لآيات للمتوسمين}.

    وقوله {وإنها لبسبيل مقيم} أي لبطريق مهيع مسلوك إلى الآن، كما قال: {وإنكم لتمرون عليهم مصبحين، وبالليل أفلا تعقلون} وقال تعالى: {ولقد تركنا منها آية بينة لقوم يعقلون} وقال تعالى: {فأخرجنا من كان فيها من المؤمنين، فما وجدنا فيها غير بيت من المسلمين، وتركنا فيها آية للذين يخافون العذاب الأليم}.

    أي تركناها عبرة وعظة لمن خاف عذاب الآخرة وخشي الرحمن بالغيب، وخاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى، فانزجر عن محارم الله وترك معاصيه وخاف أن يشابه قوم لوط. ومن تشبه بقوم فهو منهم، وإن لم يكن من كل وجه فمن بعض الوجوه، كما قال بعضهم:

    فإن لم تكونوا قوم لوط بعينهم ** فما قوم لوط منكم ببعيد

    فالعاقل اللبيب الفاهم الخائف من ربه يمتثل ما أمره الله به عز وجل، ويقبل ما أرشده إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم من إتيان ما خلق له من الزوجات الحلال، والجواري من السراري ذوات الجمال. وإياه أن يتبع كل شيطان مريد. فيحق عليه الوعيد. ويدخل في قوله تعالى: {وما هي من الظالمين ببعيد}.
    avatar
    بدر أبوبكر مقيبل ش/20
    عالم جديد
    عالم جديد


    المساهمات : 18
    تاريخ التسجيل : 23/12/2014

    وفاة الخليل ابراهيم عليه السلام Empty قصة لوط عليه السلام

    مُساهمة من طرف بدر أبوبكر مقيبل ش/20 الثلاثاء ديسمبر 23, 2014 1:49 am

    قصة لوط عليه السلام[عدل]
    ومما وقع في حياة إبراهيم الخليل من الأمور العظيمة قصة قوم لوط عليه السلام، وما حل بهم من النقمة العميمة.

    وذلك أن لوطا بن هاران بن تارح، وهو آزر، كما تقدم، ولوط ابن أخي إبراهيم الخليل، فإبراهيم، وهاران وناحور إخوة كما قدمنا. ويقال: إن هاران هذا هو الذي بنى حران. وهذا ضعيف لمخالفته ما بأيدي أهل الكتاب والله تعالى أعلم.

    وكان لوط قد نزح عن محلة عمه الخليل عليهما السلام بأمره له وأذنه، فنزل بمدينة سدوم من أرض غور، زغر، وكان أم تلك المحله، ولها أرض ومعتملات وقرى، مضافة إليها ولها أهل من أفجر الناس وأكفرهم وأسوأهم طوية، وأرداهم سريرة وسيرة، يقطعون السبيل ويأتون في ناديهم المنكر، ولا يتناهون عن منكر فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون.

    ابتدعوا فاحشة لم يسبقهم إليها أحد من بني آدم، وهي إتيان الذكران من العالمين، وترك ما خلق الله من النسوان لعباده الصالحين.

    فدعاهم لوط إلى عبادة الله تعالى وحده لا شريك له، ونهاهم عن تعاطي هذه المحرمات، والفواحش المنكرات، والأفاعيل المستقبحات، فتمادوا على ضلالهم وطغيانهم، واستمروا على فجورهم وكفرانهم، فأحل الله بهم من البأس الذي لا يرد ما لم يكن في خلدهم وحسبانهم، وجعلهم مثله في العالمين، وعبرة يتعظ بها الألباء من العالمين.

    ولهذا ذكر الله تعالى قصتهم في غير ما موضع في كتابه المبين، فقال تعالى في سورة الأعراف: {ولوطا إذ قال لقومه أتأتون الفاحشة ما سبقكم بها من أحد من العالمين، إنكم لتأتون الرجال شهوة من دون النساء بل أنتم قوم مسرفون، وما كان جواب قومه إلا أن قالوا أخرجوهم من قريتكم إنهم أناس يتطهرون، فأنجيناه وأهله إلا امرأته كانت من الغابرين، وأمطرنا عليهم مطرا فانظر كيف كان عاقبة المجرمين}.

    وقال تعالى في سورة هود: {ولقد جاءت رسلنا إبراهيم بالبشرى قالوا سلاما قال سلام فما لبث أن جاء بعجل حنيذ، فلما رأى أيديهم لا تصل إليه نكرهم وأوجس منهم خيفة قالوا لا تخف إنا أرسلنا إلى قوم لوط، وامرأته قائمة فضحكت فبشرناها بإسحاق ومن وراء إسحاق يعقوب، قالت يا ويلتا أألد وأنا عجوز وهذا بعلي شيخا إن هذا لشيء عجيب، قالوا أتعجبين من أمر الله رحمة الله وبركاته عليكم أهل البيت إنه حميد مجيد، فلما ذهب عن إبراهيم الروع وجاءته البشرى يجادلنا في قوم لوط، إن إبراهيم لحليم أواه منيب، يا إبراهيم أعرض عن هذا إنه قد جاء أمر ربك وإنهم آتيهم عذاب غير مردود، ولما جاءت رسلنا لوطا سيء بهم وضاق بهم ذرعا وقال هذا يوم عصيب، وجاءه قومه يهرعون إليه ومن قبل كانوا يعملون السيئات قال يا قوم هؤلاء بناتي هن أطهر لكم فاتقوا الله ولا تخزوني في ضيفي أليس منكم رجل رشيد، قالوا لقد علمت ما لنا في بناتك من حق وإنك لتعلم ما نريد، قال لو أن لي بكم قوة أو آوي إلى ركن شديد، قالوا يا لوط إنا رسل ربك لن يصلوا إليك فأسر بأهلك بقطع من الليل فأسر بأهلك بقطع من الليل ولا يلتفت منكم أحد إلا امرأتك إنه مصيبها ما أصابهم إن موعدهم الصبح أليس الصبح بقريب، فلما جاء أمرنا جعلنا عاليها سافلها وأمطرنا عليها حجارة من سجيل منضود، مسومة عند ربك وما هي من الظالمين ببعيد}.

    وقال تعالى في سورة الحجر: {ونبئهم عن ضيف إبراهيم، إذ دخلوا عليه فقالوا سلاما قال إنا منكم وجلون، قالوا لا توجل إنا نبشرك بغلام عليم، قال أبشرتموني على أن مسني الكبر فبم تبشرون، قالوا بشرناك بالحق فلا تكن من القانطين، قال ومن يقنط من رحمة ربه إلا الضالون، قال فما خطبكم أيها المرسلون، قالوا إنا أرسلنا إلى قوم مجرمين، إلا آل لوط إنا لمنجوهم أجمعين إلا امرأته قدرنا إنها لمن الغابرين، فلما جاء آل لوط المرسلون، قال إنكم قوم منكرون، قالوا بل جئناك بما كانوا فيه يمترون، وأتيناك بالحق وإنا لصادقون، فأسر بأهلك بقطع من الليل واتبع أدبارهم ولا يلتفت منكم أحد وامضوا حيث تؤمرون، وقضينا إليه ذلك الأمر أن دابر هؤلاء مقطوع مصبحين، وجاء أهل المدينة يستبشرون قال إن هؤلاء ضيفي فلا تفضحوني، واتقوا الله ولا تخزوني، قالوا أولم ننهك عن العالمين، قال هؤلاء بناتي إن كنتم فاعلين، لعمرك إنهم لفي سكرتهم يعمهون، فأخذتهم الصيحة مشرقين، فجعلنا عاليها سافلها وأمطرنا عليهم حجارة من سجيل، إن في ذلك لآيات للمتوسمين، وإنها لبسبيل مقيم، إن في ذلك لآية للمؤمنين}.

    وقال تعالى في سورة الشعراء: {كذبت قوم لوط المرسلين، إذ قال لهم أخوهم لوط ألا تتقون، إني لكم رسول أمين، فاتقوا الله وأطيعوني، وما أسألكم عليه من أجر إن أجري إلا على رب العالمين، أتأتون الذكران من العالمين، وتذرون ما خلق لكم ربكم من أزواجكم بل أنتم قوم عادون، قالوا لئن لم تنته يا لوط لتكونن من المخرجين، قال إني لعملكم من القالين رب نجني وأهلي مما يعملون، فنجيناه وأهله أجمعين، إلا عجوزا في الغابرين، ثم دمرنا الآخرين، وأمطرنا عليهم مطرا فساء مطر المنذرين، إن في ذلك لآية وما كان أكثرهم مؤمنين، وإن ربك لهو العزيز الرحيم}.

    وقال تعالى في سورة النمل: {ولوطا إذ قال لقومه أتأتون الفاحشة وأنتم تبصرون، أئنكم لتأتون الرجال شهوة من دون النساء بل أنتم قوم تجهلون، فما كان جواب قومه إلا أن قالوا أخرجوا آل لوط من قريتكم إنهم أناس يتطهرون، فأنجيناه وأهله إلا امرأته قدرناها من الغابرين، وأمطرنا عليهم مطرا فساء مطر المنذرين}.

    وقال تعالى في سورة العنكبوت: {ولوطا إذ قال لقومه إنكم لتأتون الفاحشة ما سبقكم بها من أحد من العالمين، أئنكم لتأتون الرجال وتقطعون السبيل وتأتون في ناديكم المنكر فما كان جواب قومه إلا أن قالوا ائتنا بعذاب الله إن كنت من الصادقين، قال رب انصرني على القوم المفسدين، ولما جاءت رسلنا إبراهيم بالبشرى قالوا إنا مهلكو أهل هذه القرية إن أهلها كانوا ظالمين، قال إن فيها لوطا قالوا نحن أعلم بمن فيها لننجينه وأهله إلا امرأته كانت من الغابرين، ولما أن جاءت رسلنا لوطا سيء بهم وضاق بهم ذرعا وقالوا لا تخف ولا تحزن إنا منجوك وأهلك إلا امرأتك كانت من الغابرين، إنا منزلون على أهل هذه القرية رجزا من السماء بما كانوا يفسقون، ولقد تركنا منها آية بينة لقوم يعقلون}.

    وقال تعالى في سورة الصافات: {وإن لوطا لمن المرسلين، إذ نجيناه وأهله أجمعين، إلا عجوزا في الغابرين، ثم دمرنا الآخرين، وإنكم لتمرون عليهم مصبحين، وبالليل أفلا تعقلون}.

    وقال تعالى في الذاريات بعد قصة ضيف إبراهيم وبشارتهم إياه بغلام عليم: {قال فما خطبكم أيها المرسلون، قالوا إنا أرسلنا إلى قوم مجرمين، لنرسل عليهم حجارة من طين، مسومة عند ربك للمسرفين، فأخرجنا من كان فيها من المؤمنين، فما وجدنا فيها غير بيت من المسلمين، وتركنا فيها آية للذين يخافون العذاب الأليم}.

    وقال في سورة القمر: {كذبت قوم لوط بالنذر، إنا أرسلنا عليهم حاصبا إلا آل لوط نجيناهم بسحر، نعمة من عندنا كذلك نجزي من شكر، ولقد أنذرهم بطشتنا فتماروا بالنذر، ولقد راودوه عن ضيفه فطمسنا أعينهم فذوقوا عذابي ونذر، ولقد صبحهم بكرة عذاب مستقر، فذوقوا عذابي ونذر، ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر}.

    وقد تكلمنا على هذه القصص في أماكنها من هذه السورة في التفسير.

    وقد ذكر الله لوطا وقومه في مواضع أخر من القرآن، تقدم ذكرها مع نوح وعاد وثمود.

    والمقصود الآن إيراد ما كان من أمرهم وما أحل الله بهم مجموعا من الآيات والآثار وبالله المستعان. وذلك أن لوطا عليه السلام لما دعاهم إلى عبادة الله وحده لا شريك له، ونهاهم عن تعاطي ما ذكر الله عنهم من الفواحش، لم يستجيبوا له ولم يؤمنوا به، حتى ولا رجل واحد منهم، ولم يتركوا ما عنه نهوا، بل استمروا على حالهم، ولم يرتدعوا عن غيهم وضلالهم، وهموا بإخراج رسولهم من بين ظهرانيهم. {واستضعفوه وسخروا منه} وما كان حاصل جوابهم عن خطابهم إذ كانوا لا يعقلون إلا أن قالوا: {أخرجوا آل لوط من قريتكم إنهم أناس يتطهرون} فجعلوا غاية المدح ذما يقتضي الإخراج، وما حملهم على مقالتهم هذه إلا العناد واللجاج.

    فطهره الله وأهله إلا امرأته، وأخرجهم منها أحسن إخراج، وتركهم في محلتهم خالدين، لكن بعد ما صيرها عليهم بحرة منتنة، ذات أمواج، لكنها عليهم في الحقيقة نار تأجج، وحر يتوهج، وماؤها ملح أجاج.

    وما كان هذا جوابهم إلا لما نهاهم عن الطامة العظمى والفاحشة الكبرى، التي لم يسبقهم إليها أحد من أهل الدنيا. ولهذا صاروا مثلة فيها وعبرة لمن عليها. وكانوا مع ذلك يقطعون الطريق، ويخونون الرفيق، ويأتون في ناديهم، وهو مجتمعهم ومحل حديثهم وسمرهم، المنكر من الأقوال والأفعال، على اختلاف أصنافه، حتى قيل: إنهم كانوا يتضارطون في مجالسهم، ولا يستحيون من مجالسهم، وربما وقع منهم الفعلة العظيمة في المحافل، ولا يستنكفون ولا يرعوون لوعظ واعظ، ولا نصيحة من عاقل، وكانوا في ذلك وغيره كالأنعام بل أضل سبيلا، ولم يقلعوا عما كانوا عليه في الحاضر، ولا ندموا على ما سلف من الماضي، ولا راموا في المستقبل تحويلا، فأخذهم الله أخذا وبيلا.

    وقالوا له فيما قالوا: {ائتنا بعذاب الله إن كنت من الصادقين} فطلبوا منه وقوع ما حذرهم عنه من العذاب الأليم وحلول البأس العظيم.

    فعند ذلك دعا عليهم نبيهم الكريم، فسأل من رب العالمين وإله المرسلين، أن ينصره على القوم المفسدين.

    فغار الله لغيرته، وغضب لغضبته، واستجاب لدعوته، وأجابه إلى طلبته، وبعث رسله الكرام، وملائكته العظام، فمروا على الخليل إبراهيم، وبشروه بالغلام العليم، وأخبروه بما جاؤا له من الأمر الجسيم والخطب العميم {قال فما خطبكم أيها المرسلون، قالوا إنا أرسلنا إلى قوم مجرمين، لنرسل عليهم حجارة من طين، مسومة عند ربك للمسرفين} وقال: {ولما جاءت رسلنا إبراهيم بالبشرى قالوا إنا مهلكو أهل هذه القرية إن أهلها كانوا ظالمين، قال إن فيها لوطا قالوا نحن أعلم بمن فيها لننجينه وأهله إلا امرأته كانت من الغابرين} وقال الله تعالى: {فلما ذهب عن إبراهيم الروع وجاءته البشرى يجادلنا في قوم لوط}. وذلك إنه كان يرجو أن يجيبوا أو ينيبوا ويسلموا ويقلعوا ويرجعوا. لهذا قال تعالى: {إن إبراهيم لحليم أواه منيب، يا إبراهيم أعرض عن هذا إنه قد جاء أمر ربك وإنهم آتيهم عذاب غير مردود}. أي أعرض عن هذا وتكلم في غيره فإنه قد حتم أمرهم ووجب عذابهم وتدميرهم وهلاكهم إنه قد جاء أمر ربك أي قد أمر به من لا يرد أمره ولا يرد بأسه ولا معقب لحكمه وإنهم آتيهم عذاب غير مردود.

    وذكر سعيد بن جبير والسدي وقتادة ومحمد بن إسحاق أن إبراهيم عليه السلام جعل يقول "أتهلكون قرية فيها ثلاثمائة مؤمن قالوا لا قال فمائتا مؤمن قالوا لا قال فأربعون مؤمنا قالوا: لا قال فأربعة عشر مؤمنا قالوا لا) قال ابن إسحاق: إلى أن قال: "أفرأيتم إن كان فيها مؤمن واحد قالوا لا" قال: { إن فيها لوطا قالوا نحن أعلم بمن فيها} الآية.

    وعند أهل الكتاب أنه قال "يا رب أتهلكهم وفيهم خمسون رجلا صالحا؟ فقال الله: لا أهلكهم وفيهم خمسون صالحا، ثم تنازل عشرة فقال الله: "لا أهلكهم وفيهم عشرة صالحون".

    قال الله تعالى:{ولما جاءت رسلنا لوطا سيء بهم وضاق بهم ذرعا وقال هذا يوم عصيب}. قال المفسرون: لما فصلت الملائكة من عند إبراهيم، وهم جبريل وميكائيل وإسرافيل، أقبلوا حتى أتوا أرض سدوم، في صور شبان حسان اختبارا من الله تعالى لقوم لوط، وإقامة للحجة عليهم، فتضيفوا لوطا عليه السلام وذلك عند غروب الشمس، فخشي إن لم يضفهم أن يضيفهم غيره، وحسبهم بشرا من الناس، {وسيء بهم وضاق بهم ذرعا وقال هذا يوم عصيب}. قال ابن عباس ومجاهد وقتادة ومحمد بن إسحاق، شديد بلاؤه، وذلك لما يعلم من مدافعته الليلة عنهم، كما كان يصنع بهم في غيرهم، وكانوا قد اشترطوا عليه أن لا يضيف أحدا، ولكن رأى من لا يمكن المحيد عنه.

    وذكر قتادة أنهم وردوا عليه وهو في أرض له، يعمل فيها فتضيفوا، فاستحيا منهم، وانطلق أمامهم، وجعل يعرض لهم في الكلام لعلهم ينصرفون عن هذه القرية، وينزلون في غيرها، فقال لهم فيما قال: والله يا هؤلاء ما أعلم على وجه الأرض أهل بلد أخبث من هؤلاء، ثم مشى قليلا ثم أعاد ذلك عليهم، حتى كرره أربع مرات. قال: وكانوا قد أمروا أن لا يهلكوهم حتى يشهد عليهم نبيهم بذلك.

    وقال السدي: خرجت الملائكة من عند إبراهيم نحو قرية لوط، فأتوها نصف النهار، فلما بلغوا سدوم، لقوا ابنة لوط تستقي من الماء لأهلها، وكانت له ابنتان اسم الكبرى "ريثا"، والصغرى "زغرتا"، فقالوا لها: يا جارية هل من منزل؟ فقالت لهم: مكانكم لا تدخلوا حتى آتيكم، فرقت عليهم من قومها، فأتت أباها فقالت: يا أبتاه، أرادك فتيان على باب المدينة، ما رأيت وجوه قوم قط هي أحسن منهم، لا يأخذهم قومك، فيفضحوهم. وقد كان قومه نهوه أن يضيف رجلا فقالوا: خل عنا فلنضف الرجال.

    فجاء بهم، فلم يعلم أحد إلا أهل البيت، فخرجت امرأته فأخبرت قومها، فقالت: إن في بيت لوط رجالا ما رأيت مثل وجوههم قط فجاءه قومه يهرعون إليه.

    وقوله: {ومن قبل كانوا يعملون السيئات}. أي هذا مع ما سلف لهم من الذنوب العظيمة الكبيرة الكثيرة، {قال يا قوم هؤلاء بناتي هن أطهر لكم} يرشدهم إلى غشيان نسائهم، وهن بناته شرعا لأن النبي للأمة بمنزلة الوالد، كما ورد في الحديث، وكما قال تعالى: {النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه أمهاتهم} وفي قول بعض الصحابة والسلف وهو أب لهم. وهذا كقوله: {أتأتون الذكران من العالمين، وتذرون ما خلق لكم ربكم من أزواجكم بل أنتم قوم عادون}.

    وهذا هو الذي نص عليه مجاهد وسعيد بن جبير والربيع بن أنس وقتادة والسدي ومحمد بن إسحاق وهو الصواب.

    والقول الآخر خطأ مأخوذ من أهل الكتاب، وقد تصحف عليهم كما أخطأوا في قولهم: إن الملائكة كانوا إثنين، وإنهم تعشوا عنده، وقد خبط أهل الكتاب في هذه القصة تخبيطا عظيما. وقوله: {فاتقوا الله ولا تخزوني في ضيفي أليس منكم رجل رشيد} نهى لهم عن تعاطي ما لا يليق من الفاحشة، وشهادة عليهم بأنه ليس فيهم رجل له مسكة، ولا فيه خير، بل الجميع سفهاء، فجرة أقوياء، كفرة أغبياء.

    وكان هذا من جملة ما أراد الملائكة أن يسمعوه منه من قبل أن يسألوه عنه.

    فقال قومه عليهم لعنة الله الحميد المجيد. مجيبين لنبيهم فيما أمرهم به من الأمر السديد : {قالوا لقد علمت ما لنا في بناتك من حق وإنك لتعلم ما نريد} يقولون: عليهم لعائن الله، لقد علمت يا لوط إنه لا أرب لنا في نسائنا، وإنك لتعلم مرادنا وغرضنا "من غير النساء".

    واجهوا بهذا الكلام القبيح رسولهم الكريم، ولم يخافوا سطوة العظيم، ذي العذاب الأليم. ولهذا قال عليه السلام {قال لو أن لي بكم قوة أو آوي إلى ركن شديد} ود أن لو كان له بهم قوة، أو له منعة وعشيرة ينصرونه عليهم، ليحل بهم ما يستحقونه من العذاب، على هذا الخطاب. وقد قال الزهري عن سعيد بن المسيب وأبي سلمة عن أبي هريرة مرفوعا "نحن أحق بالشك من إبراهيم، ويرحم الله لوطا لقد كان يأوي إلى ركن شديد، ولو لبثت في السجن ما لبث يوسف لأجبت الداعي". ورواه أبو الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة.

    وقال محمد بن عمرو بن علقمة عن أبي سلمة عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "رحمة الله على لوط، إن كان يأوي إلى ركن شديد، يعني الله عز وجل، فما بعث الله بعده نبي إلا في ثروة من قومه".

    وقال تعالى: {وجاء أهل المدينة يستبشرون، قال إن هؤلاء ضيفي فلا تفضحوني، واتقوا الله ولا تخزوني، قالوا أولم ننهك عن العالمين، قال هؤلاء بناتي إن كنتم فاعلين} فأمرهم بقربان نسائهم، وحذرهم الاستمرار على طريقتهم وسيآتهم.

    هذا وهم في ذلك لا ينتهون ولا يرعوون، بل كلما نهاهم يبالغون في تحصيل هؤلاء الضيفان ويحرصون. ولم يعلموا ما حم به القدر مما هم إليه صائرون، وصبيحة ليلتهم إليه منقلبون.

    ولهذا قال تعالى مقسما بحياة نبيه محمد صلوات الله وسلامه عليه: {لعمرك إنهم لفي سكرتهم يعمهون} وقال تعالى: {ولقد أنذرهم بطشتنا فتماروا بالنذر، ولقد راودوه عن ضيفه فطمسنا أعينهم فذوقوا عذابي ونذر، ولقد صبحهم بكرة عذاب مستقر}.

    ذكر المفسرون وغيرهم أن نبي الله لوطا عليه السلام جعل يمانع قومه الدخول، ويدافعهم، والباب مغلق، وهم يرومون فتحه وولوجه، وهو يعظهم وينهاهم من وراء الباب، وكل ما لهم في إلحاح وإنحاح، فلما ضاق الأمر وعسر الحال قال ما قال {قال لو أن لي بكم قوة أو آوي إلى ركن شديد} لأحللت بكم النكال.

    قالت الملائكة {يا لوط إنا رسل ربك لن يصلوا إليك} وذكروا أن جبريل عليه السلام خرج عليهم فضرب وجوههم خفقة بطرف جناحه، فطمست أعينهم، حتى قيل: إنها غارت بالكلية، ولم يبق لها محل ولا عين، ولا أثر، فرجعوا يتحسسون مع الحيطان، ويتوعدون رسول الرحمن، ويقولون: إذا كان الغد كان لنا وله شأن.

    قال الله تعالى {ولقد راودوه عن ضيفه فطمسنا أعينهم فذوقوا عذابي ونذر، ولقد صبحهم بكرة عذاب مستقر}.

    فذلك أن الملائكة تقدمت إلى لوط عليه السلام آمرين له بأن يسري هو وأهله من آخر الليل، ولا يلتفت منكم أحد، يعني عند سماع صوت العذاب إذا حل بقومه، وأمروه أن يكون سيره في آخرهم كالساقة لهم.

    وقوله: {إلا امرأتك} على قراءة النصب، يحتمل أن يكون مستثنى من قوله {فأسر بأهلك}، كأنه يقول: إلا امرأتك فلا تسر بها. ويحتمل أن يكون من قوله: {ولا يلتفت منكم أحد إلا امرأتك}، أي: فإنها ستلتفت فيصيبها ما أصابهم. ويقوي هذا الاحتمال قراءة الرفع، ولكن الأول أظهر في المعنى والله أعلم.

    قال السهيلي واسم امرأة لوط "والهة" واسم امرأة نوح "والغة".

    وقالوا له مبشرين بهلاك هؤلاء البغاة العتاة الملعونين النظراء والأشباه الذين جعلهم الله سلفا لكل خائن مريب: {إن موعدهم الصبح أليس الصبح بقريب}.

    فلما خرج لوط عليه السلام بأهله، وهم ابنتاه، لم يتبعه منهم رجل واحد، ويقال: إن امرأته خرجت معه فالله أعلم.

    فلما خلصوا من بلادهم، وطلعت الشمس فكان عند شروقها جاءهم من أمر الله ما لا يرد. ومن البأس الشديد ما لا يمكن أن يصد.

    وعند أهل الكتاب أن الملائكة أمروه أن يصعد إلى رأس الجبل الذي هناك، فاستبعده وسأل منهم أن يذهب إلى قرية قريبة منهم، فقالوا: اذهب فانا ننتظرك حتى تصير إليها وتستقر فيها، ثم نحل بهم العذاب، فذكروا أنه ذهب إلى قرية "صوغر" التي يقول الناس "غور زغر" فلما أشرقت الشمس نزل بهم العذاب.

    قال الله تعالى: {فلما جاء أمرنا جعلنا عاليها سافلها وأمطرنا عليها حجارة من سجيل منضود، مسومة عند ربك وما هي من الظالمين ببعيد}.

    قالوا: اقتلعهن جبريل بطرف جناحه من قرارهن، وكن سبع مدن بمن فيهن من الأمم، فقالوا: إنهم كانوا أربع مائة نسمة. وقيل: أربعة آلاف نسمة وما معهم من الحيوانات، وما يتبع تلك المدن من الأراضي والأماكن والمعتملات، فرفع الجميع حتى بلغ بهن عنان السماء، حتى سمعت الملائكة أصوات ديكتهم ونباح كلابهم، ثم قلبها عليهم، فجعل عاليها سافلها. قال مجاهد: فكان أول ما سقط منها شرفاتها.

    {وأمطرنا عليها حجارة من سجيل} والسجيل فارسي معرب، وهو الشديد الصلب القوي (منضود) أي يتبع بعضها بعضا في نزولها عليهم من السماء (مسومة) أي معلمة مكتوب على كل حجر اسم صاحبه، الذي يهبط عليه فيدمغه، كما قال: {مسومة عند ربك للمسرفين} وكما قال تعالى: {وأمطرنا عليهم مطرا فساء مطر المنذرين}. وقال تعالى: {والمؤتفكة أهوى، فغشاها ما غشى} يعني: قلبها فأهوى بها منكسة عاليها سافلها، وغشاها بمطر من حجارة من سجيل، متتابعة مسومة مرقومة، على كل حجر اسم صاحبه الذي سقط عليه من الحاضرين، منهم في بلدهم والغائبين عنها من المسافرين، والنازحين والشاذين منها.

    ويقال: إن امرأة لوط مكثت مع قومها. ويقال: إنها خرجت مع زوجها وبنتيها، ولكنها لما سمعت الصيحة، وسقوط البلدة) التفتت إلى قومها، وخالف أمر ربها قديما وحديثا، وقالت: وا قوماه فسقط عليها حجر، فدمغها وألحقها بقومها، إذ كانت على دينهم، وكانت عينا لهم، على من يكون عند لوط من الضيفان.

    كما قال تعالى: {ضرب الله مثلا للذين كفروا امرأة نوح وامرأة لوط كانتا تحت عبدين من عبادنا صالحين فخانتاهما فلم يغنيا عنهما من الله شيئا وقيل ادخلا النار مع الداخلين} أي خانتاهما في الدين فلم يتبعاهما فيه. وليس المراد أنهما كانتا على فاحشة، حاشا وكلا. فإن الله لا يقدر على نبي قط أن تبغى امرأته، كما قال ابن عباس وغيره من أئمة السلف والخلف: ما بغت امرأة نبي قط. ومن قال خلاف هذا فقد أخطأ خطأ كبيرا.

    قال الله تعالى في قصة الإفك، لما أنزل براءة أم المؤمنين عائشة بنت الصديق، زوج رسول الله صلى الله عليه وسلم، حين قال لها أهل الإفك ما قالوا، فعاتب الله المؤمنين وأنب وزجر ووعظ وحذر، وقال فيما قال: {تلقونه بألسنتكم وتقولون بأفواهكم ما ليس لكم به علم وتحسبونه هينا وهو عند الله عظيم}. أي سبحانك أن تكون زوجة نبيك بهذه المثابة.

    وقوله هنا: {وما هي من الظالمين ببعيد} أي وما هذه العقوبة ببعيدة ممن أشبههم في فعلهم. ولهذا ذهب من ذهب من العلماء إلى أن اللائط يرجم سواء كان محصنا أو لا، ونص عليه الشافعي وأحمد بن حنبل وطائفة كثيرة من الأئمة.

    واحتجوا أيضا بما رواه الإمام أحمد وأهل السنن من حديث عمرو بن أبي عمرو، عن عكرمة، عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من وجدتموه يعمل عمل قوم لوط فاقتلوا الفاعل والمفعول به".

    وذهب أبو حنيفة إلى أن اللائط يلقى من شاهق جبل، ويتبع بالحجارة، كما فعل بقوم لوط، لقوله تعالى: {وما هي من الظالمين ببعيد}.

    وجعل الله مكان تلك البلاد بحرة منتنة لا ينتفع بمائها ولا بما حولها من الأراضي المتاخمة لفنائها، لرداءتها ودناءتها، فصارت عبرة ومثلة وعظة وآية على قدرة الله تعالى وعظمته وعزته في انتقامه ممن خالف أمره وكذب رسله واتبع هواه وعصى مولاه. ودليلا على رحمته بعباده المؤمنين في انجائه إياهم من المهلكات، وإخراجه إياهم من النور إلى الظلمات، كما قال تعالى: {إن في ذلك لآية وما كان أكثرهم مؤمنين، وإن ربك لهو العزيز الرحيم}.

    وقال الله تعالى: {فأخذتهم الصيحة مشرقين، فجعلنا عاليها سافلها وأمطرنا عليهم حجارة من سجيل، إن في ذلك لآيات للمتوسمين، وإنها لبسبيل مقيم، إن في ذلك لآية للمؤمنين} أي من نظر بعين الفراسة والتوسم فيهم، كيف غير الله تلك البلاد وأهلها، وكيف جعلها بعد ما كانت آهلة عامرة، هالكة غامرة. كما روى الترمذي وغيره مرفوعا "اتقوا فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور الله". ثم قرأ: {إن في ذلك لآيات للمتوسمين}.

    وقوله {وإنها لبسبيل مقيم} أي لبطريق مهيع مسلوك إلى الآن، كما قال: {وإنكم لتمرون عليهم مصبحين، وبالليل أفلا تعقلون} وقال تعالى: {ولقد تركنا منها آية بينة لقوم يعقلون} وقال تعالى: {فأخرجنا من كان فيها من المؤمنين، فما وجدنا فيها غير بيت من المسلمين، وتركنا فيها آية للذين يخافون العذاب الأليم}.

    أي تركناها عبرة وعظة لمن خاف عذاب الآخرة وخشي الرحمن بالغيب، وخاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى، فانزجر عن محارم الله وترك معاصيه وخاف أن يشابه قوم لوط. ومن تشبه بقوم فهو منهم، وإن لم يكن من كل وجه فمن بعض الوجوه، كما قال بعضهم:

    فإن لم تكونوا قوم لوط بعينهم ** فما قوم لوط منكم ببعيد

    فالعاقل اللبيب الفاهم الخائف من ربه يمتثل ما أمره الله به عز وجل، ويقبل ما أرشده إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم من إتيان ما خلق له من الزوجات الحلال، والجواري من السراري ذوات الجمال. وإياه أن يتبع كل شيطان مريد. فيحق عليه الوعيد. ويدخل في قوله تعالى: {وما هي من الظالمين ببعيد}.
    avatar
    بدر أبوبكر مقيبل ش/20
    عالم جديد
    عالم جديد


    المساهمات : 18
    تاريخ التسجيل : 23/12/2014

    وفاة الخليل ابراهيم عليه السلام Empty قصة لوط عليه السلام

    مُساهمة من طرف بدر أبوبكر مقيبل ش/20 الثلاثاء ديسمبر 23, 2014 1:52 am

    قصة لوط عليه السلام[عدل]
    ومما وقع في حياة إبراهيم الخليل من الأمور العظيمة قصة قوم لوط عليه السلام، وما حل بهم من النقمة العميمة.

    وذلك أن لوطا بن هاران بن تارح، وهو آزر، كما تقدم، ولوط ابن أخي إبراهيم الخليل، فإبراهيم، وهاران وناحور إخوة كما قدمنا. ويقال: إن هاران هذا هو الذي بنى حران. وهذا ضعيف لمخالفته ما بأيدي أهل الكتاب والله تعالى أعلم.

    وكان لوط قد نزح عن محلة عمه الخليل عليهما السلام بأمره له وأذنه، فنزل بمدينة سدوم من أرض غور، زغر، وكان أم تلك المحله، ولها أرض ومعتملات وقرى، مضافة إليها ولها أهل من أفجر الناس وأكفرهم وأسوأهم طوية، وأرداهم سريرة وسيرة، يقطعون السبيل ويأتون في ناديهم المنكر، ولا يتناهون عن منكر فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون.

    ابتدعوا فاحشة لم يسبقهم إليها أحد من بني آدم، وهي إتيان الذكران من العالمين، وترك ما خلق الله من النسوان لعباده الصالحين.

    فدعاهم لوط إلى عبادة الله تعالى وحده لا شريك له، ونهاهم عن تعاطي هذه المحرمات، والفواحش المنكرات، والأفاعيل المستقبحات، فتمادوا على ضلالهم وطغيانهم، واستمروا على فجورهم وكفرانهم، فأحل الله بهم من البأس الذي لا يرد ما لم يكن في خلدهم وحسبانهم، وجعلهم مثله في العالمين، وعبرة يتعظ بها الألباء من العالمين.

    ولهذا ذكر الله تعالى قصتهم في غير ما موضع في كتابه المبين، فقال تعالى في سورة الأعراف: {ولوطا إذ قال لقومه أتأتون الفاحشة ما سبقكم بها من أحد من العالمين، إنكم لتأتون الرجال شهوة من دون النساء بل أنتم قوم مسرفون، وما كان جواب قومه إلا أن قالوا أخرجوهم من قريتكم إنهم أناس يتطهرون، فأنجيناه وأهله إلا امرأته كانت من الغابرين، وأمطرنا عليهم مطرا فانظر كيف كان عاقبة المجرمين}.

    وقال تعالى في سورة هود: {ولقد جاءت رسلنا إبراهيم بالبشرى قالوا سلاما قال سلام فما لبث أن جاء بعجل حنيذ، فلما رأى أيديهم لا تصل إليه نكرهم وأوجس منهم خيفة قالوا لا تخف إنا أرسلنا إلى قوم لوط، وامرأته قائمة فضحكت فبشرناها بإسحاق ومن وراء إسحاق يعقوب، قالت يا ويلتا أألد وأنا عجوز وهذا بعلي شيخا إن هذا لشيء عجيب، قالوا أتعجبين من أمر الله رحمة الله وبركاته عليكم أهل البيت إنه حميد مجيد، فلما ذهب عن إبراهيم الروع وجاءته البشرى يجادلنا في قوم لوط، إن إبراهيم لحليم أواه منيب، يا إبراهيم أعرض عن هذا إنه قد جاء أمر ربك وإنهم آتيهم عذاب غير مردود، ولما جاءت رسلنا لوطا سيء بهم وضاق بهم ذرعا وقال هذا يوم عصيب، وجاءه قومه يهرعون إليه ومن قبل كانوا يعملون السيئات قال يا قوم هؤلاء بناتي هن أطهر لكم فاتقوا الله ولا تخزوني في ضيفي أليس منكم رجل رشيد، قالوا لقد علمت ما لنا في بناتك من حق وإنك لتعلم ما نريد، قال لو أن لي بكم قوة أو آوي إلى ركن شديد، قالوا يا لوط إنا رسل ربك لن يصلوا إليك فأسر بأهلك بقطع من الليل فأسر بأهلك بقطع من الليل ولا يلتفت منكم أحد إلا امرأتك إنه مصيبها ما أصابهم إن موعدهم الصبح أليس الصبح بقريب، فلما جاء أمرنا جعلنا عاليها سافلها وأمطرنا عليها حجارة من سجيل منضود، مسومة عند ربك وما هي من الظالمين ببعيد}.

    وقال تعالى في سورة الحجر: {ونبئهم عن ضيف إبراهيم، إذ دخلوا عليه فقالوا سلاما قال إنا منكم وجلون، قالوا لا توجل إنا نبشرك بغلام عليم، قال أبشرتموني على أن مسني الكبر فبم تبشرون، قالوا بشرناك بالحق فلا تكن من القانطين، قال ومن يقنط من رحمة ربه إلا الضالون، قال فما خطبكم أيها المرسلون، قالوا إنا أرسلنا إلى قوم مجرمين، إلا آل لوط إنا لمنجوهم أجمعين إلا امرأته قدرنا إنها لمن الغابرين، فلما جاء آل لوط المرسلون، قال إنكم قوم منكرون، قالوا بل جئناك بما كانوا فيه يمترون، وأتيناك بالحق وإنا لصادقون، فأسر بأهلك بقطع من الليل واتبع أدبارهم ولا يلتفت منكم أحد وامضوا حيث تؤمرون، وقضينا إليه ذلك الأمر أن دابر هؤلاء مقطوع مصبحين، وجاء أهل المدينة يستبشرون قال إن هؤلاء ضيفي فلا تفضحوني، واتقوا الله ولا تخزوني، قالوا أولم ننهك عن العالمين، قال هؤلاء بناتي إن كنتم فاعلين، لعمرك إنهم لفي سكرتهم يعمهون، فأخذتهم الصيحة مشرقين، فجعلنا عاليها سافلها وأمطرنا عليهم حجارة من سجيل، إن في ذلك لآيات للمتوسمين، وإنها لبسبيل مقيم، إن في ذلك لآية للمؤمنين}.

    وقال تعالى في سورة الشعراء: {كذبت قوم لوط المرسلين، إذ قال لهم أخوهم لوط ألا تتقون، إني لكم رسول أمين، فاتقوا الله وأطيعوني، وما أسألكم عليه من أجر إن أجري إلا على رب العالمين، أتأتون الذكران من العالمين، وتذرون ما خلق لكم ربكم من أزواجكم بل أنتم قوم عادون، قالوا لئن لم تنته يا لوط لتكونن من المخرجين، قال إني لعملكم من القالين رب نجني وأهلي مما يعملون، فنجيناه وأهله أجمعين، إلا عجوزا في الغابرين، ثم دمرنا الآخرين، وأمطرنا عليهم مطرا فساء مطر المنذرين، إن في ذلك لآية وما كان أكثرهم مؤمنين، وإن ربك لهو العزيز الرحيم}.

    وقال تعالى في سورة النمل: {ولوطا إذ قال لقومه أتأتون الفاحشة وأنتم تبصرون، أئنكم لتأتون الرجال شهوة من دون النساء بل أنتم قوم تجهلون، فما كان جواب قومه إلا أن قالوا أخرجوا آل لوط من قريتكم إنهم أناس يتطهرون، فأنجيناه وأهله إلا امرأته قدرناها من الغابرين، وأمطرنا عليهم مطرا فساء مطر المنذرين}.

    وقال تعالى في سورة العنكبوت: {ولوطا إذ قال لقومه إنكم لتأتون الفاحشة ما سبقكم بها من أحد من العالمين، أئنكم لتأتون الرجال وتقطعون السبيل وتأتون في ناديكم المنكر فما كان جواب قومه إلا أن قالوا ائتنا بعذاب الله إن كنت من الصادقين، قال رب انصرني على القوم المفسدين، ولما جاءت رسلنا إبراهيم بالبشرى قالوا إنا مهلكو أهل هذه القرية إن أهلها كانوا ظالمين، قال إن فيها لوطا قالوا نحن أعلم بمن فيها لننجينه وأهله إلا امرأته كانت من الغابرين، ولما أن جاءت رسلنا لوطا سيء بهم وضاق بهم ذرعا وقالوا لا تخف ولا تحزن إنا منجوك وأهلك إلا امرأتك كانت من الغابرين، إنا منزلون على أهل هذه القرية رجزا من السماء بما كانوا يفسقون، ولقد تركنا منها آية بينة لقوم يعقلون}.

    وقال تعالى في سورة الصافات: {وإن لوطا لمن المرسلين، إذ نجيناه وأهله أجمعين، إلا عجوزا في الغابرين، ثم دمرنا الآخرين، وإنكم لتمرون عليهم مصبحين، وبالليل أفلا تعقلون}.

    وقال تعالى في الذاريات بعد قصة ضيف إبراهيم وبشارتهم إياه بغلام عليم: {قال فما خطبكم أيها المرسلون، قالوا إنا أرسلنا إلى قوم مجرمين، لنرسل عليهم حجارة من طين، مسومة عند ربك للمسرفين، فأخرجنا من كان فيها من المؤمنين، فما وجدنا فيها غير بيت من المسلمين، وتركنا فيها آية للذين يخافون العذاب الأليم}.

    وقال في سورة القمر: {كذبت قوم لوط بالنذر، إنا أرسلنا عليهم حاصبا إلا آل لوط نجيناهم بسحر، نعمة من عندنا كذلك نجزي من شكر، ولقد أنذرهم بطشتنا فتماروا بالنذر، ولقد راودوه عن ضيفه فطمسنا أعينهم فذوقوا عذابي ونذر، ولقد صبحهم بكرة عذاب مستقر، فذوقوا عذابي ونذر، ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر}.

    وقد تكلمنا على هذه القصص في أماكنها من هذه السورة في التفسير.

    وقد ذكر الله لوطا وقومه في مواضع أخر من القرآن، تقدم ذكرها مع نوح وعاد وثمود.

    والمقصود الآن إيراد ما كان من أمرهم وما أحل الله بهم مجموعا من الآيات والآثار وبالله المستعان. وذلك أن لوطا عليه السلام لما دعاهم إلى عبادة الله وحده لا شريك له، ونهاهم عن تعاطي ما ذكر الله عنهم من الفواحش، لم يستجيبوا له ولم يؤمنوا به، حتى ولا رجل واحد منهم، ولم يتركوا ما عنه نهوا، بل استمروا على حالهم، ولم يرتدعوا عن غيهم وضلالهم، وهموا بإخراج رسولهم من بين ظهرانيهم. {واستضعفوه وسخروا منه} وما كان حاصل جوابهم عن خطابهم إذ كانوا لا يعقلون إلا أن قالوا: {أخرجوا آل لوط من قريتكم إنهم أناس يتطهرون} فجعلوا غاية المدح ذما يقتضي الإخراج، وما حملهم على مقالتهم هذه إلا العناد واللجاج.

    فطهره الله وأهله إلا امرأته، وأخرجهم منها أحسن إخراج، وتركهم في محلتهم خالدين، لكن بعد ما صيرها عليهم بحرة منتنة، ذات أمواج، لكنها عليهم في الحقيقة نار تأجج، وحر يتوهج، وماؤها ملح أجاج.

    وما كان هذا جوابهم إلا لما نهاهم عن الطامة العظمى والفاحشة الكبرى، التي لم يسبقهم إليها أحد من أهل الدنيا. ولهذا صاروا مثلة فيها وعبرة لمن عليها. وكانوا مع ذلك يقطعون الطريق، ويخونون الرفيق، ويأتون في ناديهم، وهو مجتمعهم ومحل حديثهم وسمرهم، المنكر من الأقوال والأفعال، على اختلاف أصنافه، حتى قيل: إنهم كانوا يتضارطون في مجالسهم، ولا يستحيون من مجالسهم، وربما وقع منهم الفعلة العظيمة في المحافل، ولا يستنكفون ولا يرعوون لوعظ واعظ، ولا نصيحة من عاقل، وكانوا في ذلك وغيره كالأنعام بل أضل سبيلا، ولم يقلعوا عما كانوا عليه في الحاضر، ولا ندموا على ما سلف من الماضي، ولا راموا في المستقبل تحويلا، فأخذهم الله أخذا وبيلا.

    وقالوا له فيما قالوا: {ائتنا بعذاب الله إن كنت من الصادقين} فطلبوا منه وقوع ما حذرهم عنه من العذاب الأليم وحلول البأس العظيم.

    فعند ذلك دعا عليهم نبيهم الكريم، فسأل من رب العالمين وإله المرسلين، أن ينصره على القوم المفسدين.

    فغار الله لغيرته، وغضب لغضبته، واستجاب لدعوته، وأجابه إلى طلبته، وبعث رسله الكرام، وملائكته العظام، فمروا على الخليل إبراهيم، وبشروه بالغلام العليم، وأخبروه بما جاؤا له من الأمر الجسيم والخطب العميم {قال فما خطبكم أيها المرسلون، قالوا إنا أرسلنا إلى قوم مجرمين، لنرسل عليهم حجارة من طين، مسومة عند ربك للمسرفين} وقال: {ولما جاءت رسلنا إبراهيم بالبشرى قالوا إنا مهلكو أهل هذه القرية إن أهلها كانوا ظالمين، قال إن فيها لوطا قالوا نحن أعلم بمن فيها لننجينه وأهله إلا امرأته كانت من الغابرين} وقال الله تعالى: {فلما ذهب عن إبراهيم الروع وجاءته البشرى يجادلنا في قوم لوط}. وذلك إنه كان يرجو أن يجيبوا أو ينيبوا ويسلموا ويقلعوا ويرجعوا. لهذا قال تعالى: {إن إبراهيم لحليم أواه منيب، يا إبراهيم أعرض عن هذا إنه قد جاء أمر ربك وإنهم آتيهم عذاب غير مردود}. أي أعرض عن هذا وتكلم في غيره فإنه قد حتم أمرهم ووجب عذابهم وتدميرهم وهلاكهم إنه قد جاء أمر ربك أي قد أمر به من لا يرد أمره ولا يرد بأسه ولا معقب لحكمه وإنهم آتيهم عذاب غير مردود.

    وذكر سعيد بن جبير والسدي وقتادة ومحمد بن إسحاق أن إبراهيم عليه السلام جعل يقول "أتهلكون قرية فيها ثلاثمائة مؤمن قالوا لا قال فمائتا مؤمن قالوا لا قال فأربعون مؤمنا قالوا: لا قال فأربعة عشر مؤمنا قالوا لا) قال ابن إسحاق: إلى أن قال: "أفرأيتم إن كان فيها مؤمن واحد قالوا لا" قال: { إن فيها لوطا قالوا نحن أعلم بمن فيها} الآية.

    وعند أهل الكتاب أنه قال "يا رب أتهلكهم وفيهم خمسون رجلا صالحا؟ فقال الله: لا أهلكهم وفيهم خمسون صالحا، ثم تنازل عشرة فقال الله: "لا أهلكهم وفيهم عشرة صالحون".

    قال الله تعالى:{ولما جاءت رسلنا لوطا سيء بهم وضاق بهم ذرعا وقال هذا يوم عصيب}. قال المفسرون: لما فصلت الملائكة من عند إبراهيم، وهم جبريل وميكائيل وإسرافيل، أقبلوا حتى أتوا أرض سدوم، في صور شبان حسان اختبارا من الله تعالى لقوم لوط، وإقامة للحجة عليهم، فتضيفوا لوطا عليه السلام وذلك عند غروب الشمس، فخشي إن لم يضفهم أن يضيفهم غيره، وحسبهم بشرا من الناس، {وسيء بهم وضاق بهم ذرعا وقال هذا يوم عصيب}. قال ابن عباس ومجاهد وقتادة ومحمد بن إسحاق، شديد بلاؤه، وذلك لما يعلم من مدافعته الليلة عنهم، كما كان يصنع بهم في غيرهم، وكانوا قد اشترطوا عليه أن لا يضيف أحدا، ولكن رأى من لا يمكن المحيد عنه.

    وذكر قتادة أنهم وردوا عليه وهو في أرض له، يعمل فيها فتضيفوا، فاستحيا منهم، وانطلق أمامهم، وجعل يعرض لهم في الكلام لعلهم ينصرفون عن هذه القرية، وينزلون في غيرها، فقال لهم فيما قال: والله يا هؤلاء ما أعلم على وجه الأرض أهل بلد أخبث من هؤلاء، ثم مشى قليلا ثم أعاد ذلك عليهم، حتى كرره أربع مرات. قال: وكانوا قد أمروا أن لا يهلكوهم حتى يشهد عليهم نبيهم بذلك.

    وقال السدي: خرجت الملائكة من عند إبراهيم نحو قرية لوط، فأتوها نصف النهار، فلما بلغوا سدوم، لقوا ابنة لوط تستقي من الماء لأهلها، وكانت له ابنتان اسم الكبرى "ريثا"، والصغرى "زغرتا"، فقالوا لها: يا جارية هل من منزل؟ فقالت لهم: مكانكم لا تدخلوا حتى آتيكم، فرقت عليهم من قومها، فأتت أباها فقالت: يا أبتاه، أرادك فتيان على باب المدينة، ما رأيت وجوه قوم قط هي أحسن منهم، لا يأخذهم قومك، فيفضحوهم. وقد كان قومه نهوه أن يضيف رجلا فقالوا: خل عنا فلنضف الرجال.

    فجاء بهم، فلم يعلم أحد إلا أهل البيت، فخرجت امرأته فأخبرت قومها، فقالت: إن في بيت لوط رجالا ما رأيت مثل وجوههم قط فجاءه قومه يهرعون إليه.

    وقوله: {ومن قبل كانوا يعملون السيئات}. أي هذا مع ما سلف لهم من الذنوب العظيمة الكبيرة الكثيرة، {قال يا قوم هؤلاء بناتي هن أطهر لكم} يرشدهم إلى غشيان نسائهم، وهن بناته شرعا لأن النبي للأمة بمنزلة الوالد، كما ورد في الحديث، وكما قال تعالى: {النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه أمهاتهم} وفي قول بعض الصحابة والسلف وهو أب لهم. وهذا كقوله: {أتأتون الذكران من العالمين، وتذرون ما خلق لكم ربكم من أزواجكم بل أنتم قوم عادون}.

    وهذا هو الذي نص عليه مجاهد وسعيد بن جبير والربيع بن أنس وقتادة والسدي ومحمد بن إسحاق وهو الصواب.

    والقول الآخر خطأ مأخوذ من أهل الكتاب، وقد تصحف عليهم كما أخطأوا في قولهم: إن الملائكة كانوا إثنين، وإنهم تعشوا عنده، وقد خبط أهل الكتاب في هذه القصة تخبيطا عظيما. وقوله: {فاتقوا الله ولا تخزوني في ضيفي أليس منكم رجل رشيد} نهى لهم عن تعاطي ما لا يليق من الفاحشة، وشهادة عليهم بأنه ليس فيهم رجل له مسكة، ولا فيه خير، بل الجميع سفهاء، فجرة أقوياء، كفرة أغبياء.

    وكان هذا من جملة ما أراد الملائكة أن يسمعوه منه من قبل أن يسألوه عنه.

    فقال قومه عليهم لعنة الله الحميد المجيد. مجيبين لنبيهم فيما أمرهم به من الأمر السديد : {قالوا لقد علمت ما لنا في بناتك من حق وإنك لتعلم ما نريد} يقولون: عليهم لعائن الله، لقد علمت يا لوط إنه لا أرب لنا في نسائنا، وإنك لتعلم مرادنا وغرضنا "من غير النساء".

    واجهوا بهذا الكلام القبيح رسولهم الكريم، ولم يخافوا سطوة العظيم، ذي العذاب الأليم. ولهذا قال عليه السلام {قال لو أن لي بكم قوة أو آوي إلى ركن شديد} ود أن لو كان له بهم قوة، أو له منعة وعشيرة ينصرونه عليهم، ليحل بهم ما يستحقونه من العذاب، على هذا الخطاب. وقد قال الزهري عن سعيد بن المسيب وأبي سلمة عن أبي هريرة مرفوعا "نحن أحق بالشك من إبراهيم، ويرحم الله لوطا لقد كان يأوي إلى ركن شديد، ولو لبثت في السجن ما لبث يوسف لأجبت الداعي". ورواه أبو الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة.

    وقال محمد بن عمرو بن علقمة عن أبي سلمة عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "رحمة الله على لوط، إن كان يأوي إلى ركن شديد، يعني الله عز وجل، فما بعث الله بعده نبي إلا في ثروة من قومه".

    وقال تعالى: {وجاء أهل المدينة يستبشرون، قال إن هؤلاء ضيفي فلا تفضحوني، واتقوا الله ولا تخزوني، قالوا أولم ننهك عن العالمين، قال هؤلاء بناتي إن كنتم فاعلين} فأمرهم بقربان نسائهم، وحذرهم الاستمرار على طريقتهم وسيآتهم.

    هذا وهم في ذلك لا ينتهون ولا يرعوون، بل كلما نهاهم يبالغون في تحصيل هؤلاء الضيفان ويحرصون. ولم يعلموا ما حم به القدر مما هم إليه صائرون، وصبيحة ليلتهم إليه منقلبون.

    ولهذا قال تعالى مقسما بحياة نبيه محمد صلوات الله وسلامه عليه: {لعمرك إنهم لفي سكرتهم يعمهون} وقال تعالى: {ولقد أنذرهم بطشتنا فتماروا بالنذر، ولقد راودوه عن ضيفه فطمسنا أعينهم فذوقوا عذابي ونذر، ولقد صبحهم بكرة عذاب مستقر}.

    ذكر المفسرون وغيرهم أن نبي الله لوطا عليه السلام جعل يمانع قومه الدخول، ويدافعهم، والباب مغلق، وهم يرومون فتحه وولوجه، وهو يعظهم وينهاهم من وراء الباب، وكل ما لهم في إلحاح وإنحاح، فلما ضاق الأمر وعسر الحال قال ما قال {قال لو أن لي بكم قوة أو آوي إلى ركن شديد} لأحللت بكم النكال.

    قالت الملائكة {يا لوط إنا رسل ربك لن يصلوا إليك} وذكروا أن جبريل عليه السلام خرج عليهم فضرب وجوههم خفقة بطرف جناحه، فطمست أعينهم، حتى قيل: إنها غارت بالكلية، ولم يبق لها محل ولا عين، ولا أثر، فرجعوا يتحسسون مع الحيطان، ويتوعدون رسول الرحمن، ويقولون: إذا كان الغد كان لنا وله شأن.

    قال الله تعالى {ولقد راودوه عن ضيفه فطمسنا أعينهم فذوقوا عذابي ونذر، ولقد صبحهم بكرة عذاب مستقر}.

    فذلك أن الملائكة تقدمت إلى لوط عليه السلام آمرين له بأن يسري هو وأهله من آخر الليل، ولا يلتفت منكم أحد، يعني عند سماع صوت العذاب إذا حل بقومه، وأمروه أن يكون سيره في آخرهم كالساقة لهم.

    وقوله: {إلا امرأتك} على قراءة النصب، يحتمل أن يكون مستثنى من قوله {فأسر بأهلك}، كأنه يقول: إلا امرأتك فلا تسر بها. ويحتمل أن يكون من قوله: {ولا يلتفت منكم أحد إلا امرأتك}، أي: فإنها ستلتفت فيصيبها ما أصابهم. ويقوي هذا الاحتمال قراءة الرفع، ولكن الأول أظهر في المعنى والله أعلم.

    قال السهيلي واسم امرأة لوط "والهة" واسم امرأة نوح "والغة".

    وقالوا له مبشرين بهلاك هؤلاء البغاة العتاة الملعونين النظراء والأشباه الذين جعلهم الله سلفا لكل خائن مريب: {إن موعدهم الصبح أليس الصبح بقريب}.

    فلما خرج لوط عليه السلام بأهله، وهم ابنتاه، لم يتبعه منهم رجل واحد، ويقال: إن امرأته خرجت معه فالله أعلم.

    فلما خلصوا من بلادهم، وطلعت الشمس فكان عند شروقها جاءهم من أمر الله ما لا يرد. ومن البأس الشديد ما لا يمكن أن يصد.

    وعند أهل الكتاب أن الملائكة أمروه أن يصعد إلى رأس الجبل الذي هناك، فاستبعده وسأل منهم أن يذهب إلى قرية قريبة منهم، فقالوا: اذهب فانا ننتظرك حتى تصير إليها وتستقر فيها، ثم نحل بهم العذاب، فذكروا أنه ذهب إلى قرية "صوغر" التي يقول الناس "غور زغر" فلما أشرقت الشمس نزل بهم العذاب.

    قال الله تعالى: {فلما جاء أمرنا جعلنا عاليها سافلها وأمطرنا عليها حجارة من سجيل منضود، مسومة عند ربك وما هي من الظالمين ببعيد}.

    قالوا: اقتلعهن جبريل بطرف جناحه من قرارهن، وكن سبع مدن بمن فيهن من الأمم، فقالوا: إنهم كانوا أربع مائة نسمة. وقيل: أربعة آلاف نسمة وما معهم من الحيوانات، وما يتبع تلك المدن من الأراضي والأماكن والمعتملات، فرفع الجميع حتى بلغ بهن عنان السماء، حتى سمعت الملائكة أصوات ديكتهم ونباح كلابهم، ثم قلبها عليهم، فجعل عاليها سافلها. قال مجاهد: فكان أول ما سقط منها شرفاتها.

    {وأمطرنا عليها حجارة من سجيل} والسجيل فارسي معرب، وهو الشديد الصلب القوي (منضود) أي يتبع بعضها بعضا في نزولها عليهم من السماء (مسومة) أي معلمة مكتوب على كل حجر اسم صاحبه، الذي يهبط عليه فيدمغه، كما قال: {مسومة عند ربك للمسرفين} وكما قال تعالى: {وأمطرنا عليهم مطرا فساء مطر المنذرين}. وقال تعالى: {والمؤتفكة أهوى، فغشاها ما غشى} يعني: قلبها فأهوى بها منكسة عاليها سافلها، وغشاها بمطر من حجارة من سجيل، متتابعة مسومة مرقومة، على كل حجر اسم صاحبه الذي سقط عليه من الحاضرين، منهم في بلدهم والغائبين عنها من المسافرين، والنازحين والشاذين منها.

    ويقال: إن امرأة لوط مكثت مع قومها. ويقال: إنها خرجت مع زوجها وبنتيها، ولكنها لما سمعت الصيحة، وسقوط البلدة) التفتت إلى قومها، وخالف أمر ربها قديما وحديثا، وقالت: وا قوماه فسقط عليها حجر، فدمغها وألحقها بقومها، إذ كانت على دينهم، وكانت عينا لهم، على من يكون عند لوط من الضيفان.

    كما قال تعالى: {ضرب الله مثلا للذين كفروا امرأة نوح وامرأة لوط كانتا تحت عبدين من عبادنا صالحين فخانتاهما فلم يغنيا عنهما من الله شيئا وقيل ادخلا النار مع الداخلين} أي خانتاهما في الدين فلم يتبعاهما فيه. وليس المراد أنهما كانتا على فاحشة، حاشا وكلا. فإن الله لا يقدر على نبي قط أن تبغى امرأته، كما قال ابن عباس وغيره من أئمة السلف والخلف: ما بغت امرأة نبي قط. ومن قال خلاف هذا فقد أخطأ خطأ كبيرا.

    قال الله تعالى في قصة الإفك، لما أنزل براءة أم المؤمنين عائشة بنت الصديق، زوج رسول الله صلى الله عليه وسلم، حين قال لها أهل الإفك ما قالوا، فعاتب الله المؤمنين وأنب وزجر ووعظ وحذر، وقال فيما قال: {تلقونه بألسنتكم وتقولون بأفواهكم ما ليس لكم به علم وتحسبونه هينا وهو عند الله عظيم}. أي سبحانك أن تكون زوجة نبيك بهذه المثابة.

    وقوله هنا: {وما هي من الظالمين ببعيد} أي وما هذه العقوبة ببعيدة ممن أشبههم في فعلهم. ولهذا ذهب من ذهب من العلماء إلى أن اللائط يرجم سواء كان محصنا أو لا، ونص عليه الشافعي وأحمد بن حنبل وطائفة كثيرة من الأئمة.

    واحتجوا أيضا بما رواه الإمام أحمد وأهل السنن من حديث عمرو بن أبي عمرو، عن عكرمة، عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من وجدتموه يعمل عمل قوم لوط فاقتلوا الفاعل والمفعول به".

    وذهب أبو حنيفة إلى أن اللائط يلقى من شاهق جبل، ويتبع بالحجارة، كما فعل بقوم لوط، لقوله تعالى: {وما هي من الظالمين ببعيد}.

    وجعل الله مكان تلك البلاد بحرة منتنة لا ينتفع بمائها ولا بما حولها من الأراضي المتاخمة لفنائها، لرداءتها ودناءتها، فصارت عبرة ومثلة وعظة وآية على قدرة الله تعالى وعظمته وعزته في انتقامه ممن خالف أمره وكذب رسله واتبع هواه وعصى مولاه. ودليلا على رحمته بعباده المؤمنين في انجائه إياهم من المهلكات، وإخراجه إياهم من النور إلى الظلمات، كما قال تعالى: {إن في ذلك لآية وما كان أكثرهم مؤمنين، وإن ربك لهو العزيز الرحيم}.

    وقال الله تعالى: {فأخذتهم الصيحة مشرقين، فجعلنا عاليها سافلها وأمطرنا عليهم حجارة من سجيل، إن في ذلك لآيات للمتوسمين، وإنها لبسبيل مقيم، إن في ذلك لآية للمؤمنين} أي من نظر بعين الفراسة والتوسم فيهم، كيف غير الله تلك البلاد وأهلها، وكيف جعلها بعد ما كانت آهلة عامرة، هالكة غامرة. كما روى الترمذي وغيره مرفوعا "اتقوا فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور الله". ثم قرأ: {إن في ذلك لآيات للمتوسمين}.

    وقوله {وإنها لبسبيل مقيم} أي لبطريق مهيع مسلوك إلى الآن، كما قال: {وإنكم لتمرون عليهم مصبحين، وبالليل أفلا تعقلون} وقال تعالى: {ولقد تركنا منها آية بينة لقوم يعقلون} وقال تعالى: {فأخرجنا من كان فيها من المؤمنين، فما وجدنا فيها غير بيت من المسلمين، وتركنا فيها آية للذين يخافون العذاب الأليم}.

    أي تركناها عبرة وعظة لمن خاف عذاب الآخرة وخشي الرحمن بالغيب، وخاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى، فانزجر عن محارم الله وترك معاصيه وخاف أن يشابه قوم لوط. ومن تشبه بقوم فهو منهم، وإن لم يكن من كل وجه فمن بعض الوجوه، كما قال بعضهم:

    فإن لم تكونوا قوم لوط بعينهم ** فما قوم لوط منكم ببعيد

    فالعاقل اللبيب الفاهم الخائف من ربه يمتثل ما أمره الله به عز وجل، ويقبل ما أرشده إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم من إتيان ما خلق له من الزوجات الحلال، والجواري من السراري ذوات الجمال. وإياه أن يتبع كل شيطان مريد. فيحق عليه الوعيد. ويدخل في قوله تعالى: {وما هي من الظالمين ببعيد}.
    avatar
    بدر أبوبكر مقيبل ش/20
    عالم جديد
    عالم جديد


    المساهمات : 18
    تاريخ التسجيل : 23/12/2014

    وفاة الخليل ابراهيم عليه السلام Empty قصة لوط عليه السلام

    مُساهمة من طرف بدر أبوبكر مقيبل ش/20 الثلاثاء ديسمبر 23, 2014 1:52 am

    قصة لوط عليه السلام[عدل]
    ومما وقع في حياة إبراهيم الخليل من الأمور العظيمة قصة قوم لوط عليه السلام، وما حل بهم من النقمة العميمة.

    وذلك أن لوطا بن هاران بن تارح، وهو آزر، كما تقدم، ولوط ابن أخي إبراهيم الخليل، فإبراهيم، وهاران وناحور إخوة كما قدمنا. ويقال: إن هاران هذا هو الذي بنى حران. وهذا ضعيف لمخالفته ما بأيدي أهل الكتاب والله تعالى أعلم.

    وكان لوط قد نزح عن محلة عمه الخليل عليهما السلام بأمره له وأذنه، فنزل بمدينة سدوم من أرض غور، زغر، وكان أم تلك المحله، ولها أرض ومعتملات وقرى، مضافة إليها ولها أهل من أفجر الناس وأكفرهم وأسوأهم طوية، وأرداهم سريرة وسيرة، يقطعون السبيل ويأتون في ناديهم المنكر، ولا يتناهون عن منكر فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون.

    ابتدعوا فاحشة لم يسبقهم إليها أحد من بني آدم، وهي إتيان الذكران من العالمين، وترك ما خلق الله من النسوان لعباده الصالحين.

    فدعاهم لوط إلى عبادة الله تعالى وحده لا شريك له، ونهاهم عن تعاطي هذه المحرمات، والفواحش المنكرات، والأفاعيل المستقبحات، فتمادوا على ضلالهم وطغيانهم، واستمروا على فجورهم وكفرانهم، فأحل الله بهم من البأس الذي لا يرد ما لم يكن في خلدهم وحسبانهم، وجعلهم مثله في العالمين، وعبرة يتعظ بها الألباء من العالمين.

    ولهذا ذكر الله تعالى قصتهم في غير ما موضع في كتابه المبين، فقال تعالى في سورة الأعراف: {ولوطا إذ قال لقومه أتأتون الفاحشة ما سبقكم بها من أحد من العالمين، إنكم لتأتون الرجال شهوة من دون النساء بل أنتم قوم مسرفون، وما كان جواب قومه إلا أن قالوا أخرجوهم من قريتكم إنهم أناس يتطهرون، فأنجيناه وأهله إلا امرأته كانت من الغابرين، وأمطرنا عليهم مطرا فانظر كيف كان عاقبة المجرمين}.

    وقال تعالى في سورة هود: {ولقد جاءت رسلنا إبراهيم بالبشرى قالوا سلاما قال سلام فما لبث أن جاء بعجل حنيذ، فلما رأى أيديهم لا تصل إليه نكرهم وأوجس منهم خيفة قالوا لا تخف إنا أرسلنا إلى قوم لوط، وامرأته قائمة فضحكت فبشرناها بإسحاق ومن وراء إسحاق يعقوب، قالت يا ويلتا أألد وأنا عجوز وهذا بعلي شيخا إن هذا لشيء عجيب، قالوا أتعجبين من أمر الله رحمة الله وبركاته عليكم أهل البيت إنه حميد مجيد، فلما ذهب عن إبراهيم الروع وجاءته البشرى يجادلنا في قوم لوط، إن إبراهيم لحليم أواه منيب، يا إبراهيم أعرض عن هذا إنه قد جاء أمر ربك وإنهم آتيهم عذاب غير مردود، ولما جاءت رسلنا لوطا سيء بهم وضاق بهم ذرعا وقال هذا يوم عصيب، وجاءه قومه يهرعون إليه ومن قبل كانوا يعملون السيئات قال يا قوم هؤلاء بناتي هن أطهر لكم فاتقوا الله ولا تخزوني في ضيفي أليس منكم رجل رشيد، قالوا لقد علمت ما لنا في بناتك من حق وإنك لتعلم ما نريد، قال لو أن لي بكم قوة أو آوي إلى ركن شديد، قالوا يا لوط إنا رسل ربك لن يصلوا إليك فأسر بأهلك بقطع من الليل فأسر بأهلك بقطع من الليل ولا يلتفت منكم أحد إلا امرأتك إنه مصيبها ما أصابهم إن موعدهم الصبح أليس الصبح بقريب، فلما جاء أمرنا جعلنا عاليها سافلها وأمطرنا عليها حجارة من سجيل منضود، مسومة عند ربك وما هي من الظالمين ببعيد}.

    وقال تعالى في سورة الحجر: {ونبئهم عن ضيف إبراهيم، إذ دخلوا عليه فقالوا سلاما قال إنا منكم وجلون، قالوا لا توجل إنا نبشرك بغلام عليم، قال أبشرتموني على أن مسني الكبر فبم تبشرون، قالوا بشرناك بالحق فلا تكن من القانطين، قال ومن يقنط من رحمة ربه إلا الضالون، قال فما خطبكم أيها المرسلون، قالوا إنا أرسلنا إلى قوم مجرمين، إلا آل لوط إنا لمنجوهم أجمعين إلا امرأته قدرنا إنها لمن الغابرين، فلما جاء آل لوط المرسلون، قال إنكم قوم منكرون، قالوا بل جئناك بما كانوا فيه يمترون، وأتيناك بالحق وإنا لصادقون، فأسر بأهلك بقطع من الليل واتبع أدبارهم ولا يلتفت منكم أحد وامضوا حيث تؤمرون، وقضينا إليه ذلك الأمر أن دابر هؤلاء مقطوع مصبحين، وجاء أهل المدينة يستبشرون قال إن هؤلاء ضيفي فلا تفضحوني، واتقوا الله ولا تخزوني، قالوا أولم ننهك عن العالمين، قال هؤلاء بناتي إن كنتم فاعلين، لعمرك إنهم لفي سكرتهم يعمهون، فأخذتهم الصيحة مشرقين، فجعلنا عاليها سافلها وأمطرنا عليهم حجارة من سجيل، إن في ذلك لآيات للمتوسمين، وإنها لبسبيل مقيم، إن في ذلك لآية للمؤمنين}.

    وقال تعالى في سورة الشعراء: {كذبت قوم لوط المرسلين، إذ قال لهم أخوهم لوط ألا تتقون، إني لكم رسول أمين، فاتقوا الله وأطيعوني، وما أسألكم عليه من أجر إن أجري إلا على رب العالمين، أتأتون الذكران من العالمين، وتذرون ما خلق لكم ربكم من أزواجكم بل أنتم قوم عادون، قالوا لئن لم تنته يا لوط لتكونن من المخرجين، قال إني لعملكم من القالين رب نجني وأهلي مما يعملون، فنجيناه وأهله أجمعين، إلا عجوزا في الغابرين، ثم دمرنا الآخرين، وأمطرنا عليهم مطرا فساء مطر المنذرين، إن في ذلك لآية وما كان أكثرهم مؤمنين، وإن ربك لهو العزيز الرحيم}.

    وقال تعالى في سورة النمل: {ولوطا إذ قال لقومه أتأتون الفاحشة وأنتم تبصرون، أئنكم لتأتون الرجال شهوة من دون النساء بل أنتم قوم تجهلون، فما كان جواب قومه إلا أن قالوا أخرجوا آل لوط من قريتكم إنهم أناس يتطهرون، فأنجيناه وأهله إلا امرأته قدرناها من الغابرين، وأمطرنا عليهم مطرا فساء مطر المنذرين}.

    وقال تعالى في سورة العنكبوت: {ولوطا إذ قال لقومه إنكم لتأتون الفاحشة ما سبقكم بها من أحد من العالمين، أئنكم لتأتون الرجال وتقطعون السبيل وتأتون في ناديكم المنكر فما كان جواب قومه إلا أن قالوا ائتنا بعذاب الله إن كنت من الصادقين، قال رب انصرني على القوم المفسدين، ولما جاءت رسلنا إبراهيم بالبشرى قالوا إنا مهلكو أهل هذه القرية إن أهلها كانوا ظالمين، قال إن فيها لوطا قالوا نحن أعلم بمن فيها لننجينه وأهله إلا امرأته كانت من الغابرين، ولما أن جاءت رسلنا لوطا سيء بهم وضاق بهم ذرعا وقالوا لا تخف ولا تحزن إنا منجوك وأهلك إلا امرأتك كانت من الغابرين، إنا منزلون على أهل هذه القرية رجزا من السماء بما كانوا يفسقون، ولقد تركنا منها آية بينة لقوم يعقلون}.

    وقال تعالى في سورة الصافات: {وإن لوطا لمن المرسلين، إذ نجيناه وأهله أجمعين، إلا عجوزا في الغابرين، ثم دمرنا الآخرين، وإنكم لتمرون عليهم مصبحين، وبالليل أفلا تعقلون}.

    وقال تعالى في الذاريات بعد قصة ضيف إبراهيم وبشارتهم إياه بغلام عليم: {قال فما خطبكم أيها المرسلون، قالوا إنا أرسلنا إلى قوم مجرمين، لنرسل عليهم حجارة من طين، مسومة عند ربك للمسرفين، فأخرجنا من كان فيها من المؤمنين، فما وجدنا فيها غير بيت من المسلمين، وتركنا فيها آية للذين يخافون العذاب الأليم}.

    وقال في سورة القمر: {كذبت قوم لوط بالنذر، إنا أرسلنا عليهم حاصبا إلا آل لوط نجيناهم بسحر، نعمة من عندنا كذلك نجزي من شكر، ولقد أنذرهم بطشتنا فتماروا بالنذر، ولقد راودوه عن ضيفه فطمسنا أعينهم فذوقوا عذابي ونذر، ولقد صبحهم بكرة عذاب مستقر، فذوقوا عذابي ونذر، ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر}.

    وقد تكلمنا على هذه القصص في أماكنها من هذه السورة في التفسير.

    وقد ذكر الله لوطا وقومه في مواضع أخر من القرآن، تقدم ذكرها مع نوح وعاد وثمود.

    والمقصود الآن إيراد ما كان من أمرهم وما أحل الله بهم مجموعا من الآيات والآثار وبالله المستعان. وذلك أن لوطا عليه السلام لما دعاهم إلى عبادة الله وحده لا شريك له، ونهاهم عن تعاطي ما ذكر الله عنهم من الفواحش، لم يستجيبوا له ولم يؤمنوا به، حتى ولا رجل واحد منهم، ولم يتركوا ما عنه نهوا، بل استمروا على حالهم، ولم يرتدعوا عن غيهم وضلالهم، وهموا بإخراج رسولهم من بين ظهرانيهم. {واستضعفوه وسخروا منه} وما كان حاصل جوابهم عن خطابهم إذ كانوا لا يعقلون إلا أن قالوا: {أخرجوا آل لوط من قريتكم إنهم أناس يتطهرون} فجعلوا غاية المدح ذما يقتضي الإخراج، وما حملهم على مقالتهم هذه إلا العناد واللجاج.

    فطهره الله وأهله إلا امرأته، وأخرجهم منها أحسن إخراج، وتركهم في محلتهم خالدين، لكن بعد ما صيرها عليهم بحرة منتنة، ذات أمواج، لكنها عليهم في الحقيقة نار تأجج، وحر يتوهج، وماؤها ملح أجاج.

    وما كان هذا جوابهم إلا لما نهاهم عن الطامة العظمى والفاحشة الكبرى، التي لم يسبقهم إليها أحد من أهل الدنيا. ولهذا صاروا مثلة فيها وعبرة لمن عليها. وكانوا مع ذلك يقطعون الطريق، ويخونون الرفيق، ويأتون في ناديهم، وهو مجتمعهم ومحل حديثهم وسمرهم، المنكر من الأقوال والأفعال، على اختلاف أصنافه، حتى قيل: إنهم كانوا يتضارطون في مجالسهم، ولا يستحيون من مجالسهم، وربما وقع منهم الفعلة العظيمة في المحافل، ولا يستنكفون ولا يرعوون لوعظ واعظ، ولا نصيحة من عاقل، وكانوا في ذلك وغيره كالأنعام بل أضل سبيلا، ولم يقلعوا عما كانوا عليه في الحاضر، ولا ندموا على ما سلف من الماضي، ولا راموا في المستقبل تحويلا، فأخذهم الله أخذا وبيلا.

    وقالوا له فيما قالوا: {ائتنا بعذاب الله إن كنت من الصادقين} فطلبوا منه وقوع ما حذرهم عنه من العذاب الأليم وحلول البأس العظيم.

    فعند ذلك دعا عليهم نبيهم الكريم، فسأل من رب العالمين وإله المرسلين، أن ينصره على القوم المفسدين.

    فغار الله لغيرته، وغضب لغضبته، واستجاب لدعوته، وأجابه إلى طلبته، وبعث رسله الكرام، وملائكته العظام، فمروا على الخليل إبراهيم، وبشروه بالغلام العليم، وأخبروه بما جاؤا له من الأمر الجسيم والخطب العميم {قال فما خطبكم أيها المرسلون، قالوا إنا أرسلنا إلى قوم مجرمين، لنرسل عليهم حجارة من طين، مسومة عند ربك للمسرفين} وقال: {ولما جاءت رسلنا إبراهيم بالبشرى قالوا إنا مهلكو أهل هذه القرية إن أهلها كانوا ظالمين، قال إن فيها لوطا قالوا نحن أعلم بمن فيها لننجينه وأهله إلا امرأته كانت من الغابرين} وقال الله تعالى: {فلما ذهب عن إبراهيم الروع وجاءته البشرى يجادلنا في قوم لوط}. وذلك إنه كان يرجو أن يجيبوا أو ينيبوا ويسلموا ويقلعوا ويرجعوا. لهذا قال تعالى: {إن إبراهيم لحليم أواه منيب، يا إبراهيم أعرض عن هذا إنه قد جاء أمر ربك وإنهم آتيهم عذاب غير مردود}. أي أعرض عن هذا وتكلم في غيره فإنه قد حتم أمرهم ووجب عذابهم وتدميرهم وهلاكهم إنه قد جاء أمر ربك أي قد أمر به من لا يرد أمره ولا يرد بأسه ولا معقب لحكمه وإنهم آتيهم عذاب غير مردود.

    وذكر سعيد بن جبير والسدي وقتادة ومحمد بن إسحاق أن إبراهيم عليه السلام جعل يقول "أتهلكون قرية فيها ثلاثمائة مؤمن قالوا لا قال فمائتا مؤمن قالوا لا قال فأربعون مؤمنا قالوا: لا قال فأربعة عشر مؤمنا قالوا لا) قال ابن إسحاق: إلى أن قال: "أفرأيتم إن كان فيها مؤمن واحد قالوا لا" قال: { إن فيها لوطا قالوا نحن أعلم بمن فيها} الآية.

    وعند أهل الكتاب أنه قال "يا رب أتهلكهم وفيهم خمسون رجلا صالحا؟ فقال الله: لا أهلكهم وفيهم خمسون صالحا، ثم تنازل عشرة فقال الله: "لا أهلكهم وفيهم عشرة صالحون".

    قال الله تعالى:{ولما جاءت رسلنا لوطا سيء بهم وضاق بهم ذرعا وقال هذا يوم عصيب}. قال المفسرون: لما فصلت الملائكة من عند إبراهيم، وهم جبريل وميكائيل وإسرافيل، أقبلوا حتى أتوا أرض سدوم، في صور شبان حسان اختبارا من الله تعالى لقوم لوط، وإقامة للحجة عليهم، فتضيفوا لوطا عليه السلام وذلك عند غروب الشمس، فخشي إن لم يضفهم أن يضيفهم غيره، وحسبهم بشرا من الناس، {وسيء بهم وضاق بهم ذرعا وقال هذا يوم عصيب}. قال ابن عباس ومجاهد وقتادة ومحمد بن إسحاق، شديد بلاؤه، وذلك لما يعلم من مدافعته الليلة عنهم، كما كان يصنع بهم في غيرهم، وكانوا قد اشترطوا عليه أن لا يضيف أحدا، ولكن رأى من لا يمكن المحيد عنه.

    وذكر قتادة أنهم وردوا عليه وهو في أرض له، يعمل فيها فتضيفوا، فاستحيا منهم، وانطلق أمامهم، وجعل يعرض لهم في الكلام لعلهم ينصرفون عن هذه القرية، وينزلون في غيرها، فقال لهم فيما قال: والله يا هؤلاء ما أعلم على وجه الأرض أهل بلد أخبث من هؤلاء، ثم مشى قليلا ثم أعاد ذلك عليهم، حتى كرره أربع مرات. قال: وكانوا قد أمروا أن لا يهلكوهم حتى يشهد عليهم نبيهم بذلك.

    وقال السدي: خرجت الملائكة من عند إبراهيم نحو قرية لوط، فأتوها نصف النهار، فلما بلغوا سدوم، لقوا ابنة لوط تستقي من الماء لأهلها، وكانت له ابنتان اسم الكبرى "ريثا"، والصغرى "زغرتا"، فقالوا لها: يا جارية هل من منزل؟ فقالت لهم: مكانكم لا تدخلوا حتى آتيكم، فرقت عليهم من قومها، فأتت أباها فقالت: يا أبتاه، أرادك فتيان على باب المدينة، ما رأيت وجوه قوم قط هي أحسن منهم، لا يأخذهم قومك، فيفضحوهم. وقد كان قومه نهوه أن يضيف رجلا فقالوا: خل عنا فلنضف الرجال.

    فجاء بهم، فلم يعلم أحد إلا أهل البيت، فخرجت امرأته فأخبرت قومها، فقالت: إن في بيت لوط رجالا ما رأيت مثل وجوههم قط فجاءه قومه يهرعون إليه.

    وقوله: {ومن قبل كانوا يعملون السيئات}. أي هذا مع ما سلف لهم من الذنوب العظيمة الكبيرة الكثيرة، {قال يا قوم هؤلاء بناتي هن أطهر لكم} يرشدهم إلى غشيان نسائهم، وهن بناته شرعا لأن النبي للأمة بمنزلة الوالد، كما ورد في الحديث، وكما قال تعالى: {النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه أمهاتهم} وفي قول بعض الصحابة والسلف وهو أب لهم. وهذا كقوله: {أتأتون الذكران من العالمين، وتذرون ما خلق لكم ربكم من أزواجكم بل أنتم قوم عادون}.

    وهذا هو الذي نص عليه مجاهد وسعيد بن جبير والربيع بن أنس وقتادة والسدي ومحمد بن إسحاق وهو الصواب.

    والقول الآخر خطأ مأخوذ من أهل الكتاب، وقد تصحف عليهم كما أخطأوا في قولهم: إن الملائكة كانوا إثنين، وإنهم تعشوا عنده، وقد خبط أهل الكتاب في هذه القصة تخبيطا عظيما. وقوله: {فاتقوا الله ولا تخزوني في ضيفي أليس منكم رجل رشيد} نهى لهم عن تعاطي ما لا يليق من الفاحشة، وشهادة عليهم بأنه ليس فيهم رجل له مسكة، ولا فيه خير، بل الجميع سفهاء، فجرة أقوياء، كفرة أغبياء.

    وكان هذا من جملة ما أراد الملائكة أن يسمعوه منه من قبل أن يسألوه عنه.

    فقال قومه عليهم لعنة الله الحميد المجيد. مجيبين لنبيهم فيما أمرهم به من الأمر السديد : {قالوا لقد علمت ما لنا في بناتك من حق وإنك لتعلم ما نريد} يقولون: عليهم لعائن الله، لقد علمت يا لوط إنه لا أرب لنا في نسائنا، وإنك لتعلم مرادنا وغرضنا "من غير النساء".

    واجهوا بهذا الكلام القبيح رسولهم الكريم، ولم يخافوا سطوة العظيم، ذي العذاب الأليم. ولهذا قال عليه السلام {قال لو أن لي بكم قوة أو آوي إلى ركن شديد} ود أن لو كان له بهم قوة، أو له منعة وعشيرة ينصرونه عليهم، ليحل بهم ما يستحقونه من العذاب، على هذا الخطاب. وقد قال الزهري عن سعيد بن المسيب وأبي سلمة عن أبي هريرة مرفوعا "نحن أحق بالشك من إبراهيم، ويرحم الله لوطا لقد كان يأوي إلى ركن شديد، ولو لبثت في السجن ما لبث يوسف لأجبت الداعي". ورواه أبو الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة.

    وقال محمد بن عمرو بن علقمة عن أبي سلمة عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "رحمة الله على لوط، إن كان يأوي إلى ركن شديد، يعني الله عز وجل، فما بعث الله بعده نبي إلا في ثروة من قومه".

    وقال تعالى: {وجاء أهل المدينة يستبشرون، قال إن هؤلاء ضيفي فلا تفضحوني، واتقوا الله ولا تخزوني، قالوا أولم ننهك عن العالمين، قال هؤلاء بناتي إن كنتم فاعلين} فأمرهم بقربان نسائهم، وحذرهم الاستمرار على طريقتهم وسيآتهم.

    هذا وهم في ذلك لا ينتهون ولا يرعوون، بل كلما نهاهم يبالغون في تحصيل هؤلاء الضيفان ويحرصون. ولم يعلموا ما حم به القدر مما هم إليه صائرون، وصبيحة ليلتهم إليه منقلبون.

    ولهذا قال تعالى مقسما بحياة نبيه محمد صلوات الله وسلامه عليه: {لعمرك إنهم لفي سكرتهم يعمهون} وقال تعالى: {ولقد أنذرهم بطشتنا فتماروا بالنذر، ولقد راودوه عن ضيفه فطمسنا أعينهم فذوقوا عذابي ونذر، ولقد صبحهم بكرة عذاب مستقر}.

    ذكر المفسرون وغيرهم أن نبي الله لوطا عليه السلام جعل يمانع قومه الدخول، ويدافعهم، والباب مغلق، وهم يرومون فتحه وولوجه، وهو يعظهم وينهاهم من وراء الباب، وكل ما لهم في إلحاح وإنحاح، فلما ضاق الأمر وعسر الحال قال ما قال {قال لو أن لي بكم قوة أو آوي إلى ركن شديد} لأحللت بكم النكال.

    قالت الملائكة {يا لوط إنا رسل ربك لن يصلوا إليك} وذكروا أن جبريل عليه السلام خرج عليهم فضرب وجوههم خفقة بطرف جناحه، فطمست أعينهم، حتى قيل: إنها غارت بالكلية، ولم يبق لها محل ولا عين، ولا أثر، فرجعوا يتحسسون مع الحيطان، ويتوعدون رسول الرحمن، ويقولون: إذا كان الغد كان لنا وله شأن.

    قال الله تعالى {ولقد راودوه عن ضيفه فطمسنا أعينهم فذوقوا عذابي ونذر، ولقد صبحهم بكرة عذاب مستقر}.

    فذلك أن الملائكة تقدمت إلى لوط عليه السلام آمرين له بأن يسري هو وأهله من آخر الليل، ولا يلتفت منكم أحد، يعني عند سماع صوت العذاب إذا حل بقومه، وأمروه أن يكون سيره في آخرهم كالساقة لهم.

    وقوله: {إلا امرأتك} على قراءة النصب، يحتمل أن يكون مستثنى من قوله {فأسر بأهلك}، كأنه يقول: إلا امرأتك فلا تسر بها. ويحتمل أن يكون من قوله: {ولا يلتفت منكم أحد إلا امرأتك}، أي: فإنها ستلتفت فيصيبها ما أصابهم. ويقوي هذا الاحتمال قراءة الرفع، ولكن الأول أظهر في المعنى والله أعلم.

    قال السهيلي واسم امرأة لوط "والهة" واسم امرأة نوح "والغة".

    وقالوا له مبشرين بهلاك هؤلاء البغاة العتاة الملعونين النظراء والأشباه الذين جعلهم الله سلفا لكل خائن مريب: {إن موعدهم الصبح أليس الصبح بقريب}.

    فلما خرج لوط عليه السلام بأهله، وهم ابنتاه، لم يتبعه منهم رجل واحد، ويقال: إن امرأته خرجت معه فالله أعلم.

    فلما خلصوا من بلادهم، وطلعت الشمس فكان عند شروقها جاءهم من أمر الله ما لا يرد. ومن البأس الشديد ما لا يمكن أن يصد.

    وعند أهل الكتاب أن الملائكة أمروه أن يصعد إلى رأس الجبل الذي هناك، فاستبعده وسأل منهم أن يذهب إلى قرية قريبة منهم، فقالوا: اذهب فانا ننتظرك حتى تصير إليها وتستقر فيها، ثم نحل بهم العذاب، فذكروا أنه ذهب إلى قرية "صوغر" التي يقول الناس "غور زغر" فلما أشرقت الشمس نزل بهم العذاب.

    قال الله تعالى: {فلما جاء أمرنا جعلنا عاليها سافلها وأمطرنا عليها حجارة من سجيل منضود، مسومة عند ربك وما هي من الظالمين ببعيد}.

    قالوا: اقتلعهن جبريل بطرف جناحه من قرارهن، وكن سبع مدن بمن فيهن من الأمم، فقالوا: إنهم كانوا أربع مائة نسمة. وقيل: أربعة آلاف نسمة وما معهم من الحيوانات، وما يتبع تلك المدن من الأراضي والأماكن والمعتملات، فرفع الجميع حتى بلغ بهن عنان السماء، حتى سمعت الملائكة أصوات ديكتهم ونباح كلابهم، ثم قلبها عليهم، فجعل عاليها سافلها. قال مجاهد: فكان أول ما سقط منها شرفاتها.

    {وأمطرنا عليها حجارة من سجيل} والسجيل فارسي معرب، وهو الشديد الصلب القوي (منضود) أي يتبع بعضها بعضا في نزولها عليهم من السماء (مسومة) أي معلمة مكتوب على كل حجر اسم صاحبه، الذي يهبط عليه فيدمغه، كما قال: {مسومة عند ربك للمسرفين} وكما قال تعالى: {وأمطرنا عليهم مطرا فساء مطر المنذرين}. وقال تعالى: {والمؤتفكة أهوى، فغشاها ما غشى} يعني: قلبها فأهوى بها منكسة عاليها سافلها، وغشاها بمطر من حجارة من سجيل، متتابعة مسومة مرقومة، على كل حجر اسم صاحبه الذي سقط عليه من الحاضرين، منهم في بلدهم والغائبين عنها من المسافرين، والنازحين والشاذين منها.

    ويقال: إن امرأة لوط مكثت مع قومها. ويقال: إنها خرجت مع زوجها وبنتيها، ولكنها لما سمعت الصيحة، وسقوط البلدة) التفتت إلى قومها، وخالف أمر ربها قديما وحديثا، وقالت: وا قوماه فسقط عليها حجر، فدمغها وألحقها بقومها، إذ كانت على دينهم، وكانت عينا لهم، على من يكون عند لوط من الضيفان.

    كما قال تعالى: {ضرب الله مثلا للذين كفروا امرأة نوح وامرأة لوط كانتا تحت عبدين من عبادنا صالحين فخانتاهما فلم يغنيا عنهما من الله شيئا وقيل ادخلا النار مع الداخلين} أي خانتاهما في الدين فلم يتبعاهما فيه. وليس المراد أنهما كانتا على فاحشة، حاشا وكلا. فإن الله لا يقدر على نبي قط أن تبغى امرأته، كما قال ابن عباس وغيره من أئمة السلف والخلف: ما بغت امرأة نبي قط. ومن قال خلاف هذا فقد أخطأ خطأ كبيرا.

    قال الله تعالى في قصة الإفك، لما أنزل براءة أم المؤمنين عائشة بنت الصديق، زوج رسول الله صلى الله عليه وسلم، حين قال لها أهل الإفك ما قالوا، فعاتب الله المؤمنين وأنب وزجر ووعظ وحذر، وقال فيما قال: {تلقونه بألسنتكم وتقولون بأفواهكم ما ليس لكم به علم وتحسبونه هينا وهو عند الله عظيم}. أي سبحانك أن تكون زوجة نبيك بهذه المثابة.

    وقوله هنا: {وما هي من الظالمين ببعيد} أي وما هذه العقوبة ببعيدة ممن أشبههم في فعلهم. ولهذا ذهب من ذهب من العلماء إلى أن اللائط يرجم سواء كان محصنا أو لا، ونص عليه الشافعي وأحمد بن حنبل وطائفة كثيرة من الأئمة.

    واحتجوا أيضا بما رواه الإمام أحمد وأهل السنن من حديث عمرو بن أبي عمرو، عن عكرمة، عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من وجدتموه يعمل عمل قوم لوط فاقتلوا الفاعل والمفعول به".

    وذهب أبو حنيفة إلى أن اللائط يلقى من شاهق جبل، ويتبع بالحجارة، كما فعل بقوم لوط، لقوله تعالى: {وما هي من الظالمين ببعيد}.

    وجعل الله مكان تلك البلاد بحرة منتنة لا ينتفع بمائها ولا بما حولها من الأراضي المتاخمة لفنائها، لرداءتها ودناءتها، فصارت عبرة ومثلة وعظة وآية على قدرة الله تعالى وعظمته وعزته في انتقامه ممن خالف أمره وكذب رسله واتبع هواه وعصى مولاه. ودليلا على رحمته بعباده المؤمنين في انجائه إياهم من المهلكات، وإخراجه إياهم من النور إلى الظلمات، كما قال تعالى: {إن في ذلك لآية وما كان أكثرهم مؤمنين، وإن ربك لهو العزيز الرحيم}.

    وقال الله تعالى: {فأخذتهم الصيحة مشرقين، فجعلنا عاليها سافلها وأمطرنا عليهم حجارة من سجيل، إن في ذلك لآيات للمتوسمين، وإنها لبسبيل مقيم، إن في ذلك لآية للمؤمنين} أي من نظر بعين الفراسة والتوسم فيهم، كيف غير الله تلك البلاد وأهلها، وكيف جعلها بعد ما كانت آهلة عامرة، هالكة غامرة. كما روى الترمذي وغيره مرفوعا "اتقوا فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور الله". ثم قرأ: {إن في ذلك لآيات للمتوسمين}.

    وقوله {وإنها لبسبيل مقيم} أي لبطريق مهيع مسلوك إلى الآن، كما قال: {وإنكم لتمرون عليهم مصبحين، وبالليل أفلا تعقلون} وقال تعالى: {ولقد تركنا منها آية بينة لقوم يعقلون} وقال تعالى: {فأخرجنا من كان فيها من المؤمنين، فما وجدنا فيها غير بيت من المسلمين، وتركنا فيها آية للذين يخافون العذاب الأليم}.

    أي تركناها عبرة وعظة لمن خاف عذاب الآخرة وخشي الرحمن بالغيب، وخاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى، فانزجر عن محارم الله وترك معاصيه وخاف أن يشابه قوم لوط. ومن تشبه بقوم فهو منهم، وإن لم يكن من كل وجه فمن بعض الوجوه، كما قال بعضهم:

    فإن لم تكونوا قوم لوط بعينهم ** فما قوم لوط منكم ببعيد

    فالعاقل اللبيب الفاهم الخائف من ربه يمتثل ما أمره الله به عز وجل، ويقبل ما أرشده إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم من إتيان ما خلق له من الزوجات الحلال، والجواري من السراري ذوات الجمال. وإياه أن يتبع كل شيطان مريد. فيحق عليه الوعيد. ويدخل في قوله تعالى: {وما هي من الظالمين ببعيد}.
    avatar
    بدر أبوبكر مقيبل ش/20
    عالم جديد
    عالم جديد


    المساهمات : 18
    تاريخ التسجيل : 23/12/2014

    وفاة الخليل ابراهيم عليه السلام Empty قصة لوط عليه السلام

    مُساهمة من طرف بدر أبوبكر مقيبل ش/20 الثلاثاء ديسمبر 23, 2014 1:53 am

    قصة لوط عليه السلام[عدل]
    ومما وقع في حياة إبراهيم الخليل من الأمور العظيمة قصة قوم لوط عليه السلام، وما حل بهم من النقمة العميمة.

    وذلك أن لوطا بن هاران بن تارح، وهو آزر، كما تقدم، ولوط ابن أخي إبراهيم الخليل، فإبراهيم، وهاران وناحور إخوة كما قدمنا. ويقال: إن هاران هذا هو الذي بنى حران. وهذا ضعيف لمخالفته ما بأيدي أهل الكتاب والله تعالى أعلم.

    وكان لوط قد نزح عن محلة عمه الخليل عليهما السلام بأمره له وأذنه، فنزل بمدينة سدوم من أرض غور، زغر، وكان أم تلك المحله، ولها أرض ومعتملات وقرى، مضافة إليها ولها أهل من أفجر الناس وأكفرهم وأسوأهم طوية، وأرداهم سريرة وسيرة، يقطعون السبيل ويأتون في ناديهم المنكر، ولا يتناهون عن منكر فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون.

    ابتدعوا فاحشة لم يسبقهم إليها أحد من بني آدم، وهي إتيان الذكران من العالمين، وترك ما خلق الله من النسوان لعباده الصالحين.

    فدعاهم لوط إلى عبادة الله تعالى وحده لا شريك له، ونهاهم عن تعاطي هذه المحرمات، والفواحش المنكرات، والأفاعيل المستقبحات، فتمادوا على ضلالهم وطغيانهم، واستمروا على فجورهم وكفرانهم، فأحل الله بهم من البأس الذي لا يرد ما لم يكن في خلدهم وحسبانهم، وجعلهم مثله في العالمين، وعبرة يتعظ بها الألباء من العالمين.

    ولهذا ذكر الله تعالى قصتهم في غير ما موضع في كتابه المبين، فقال تعالى في سورة الأعراف: {ولوطا إذ قال لقومه أتأتون الفاحشة ما سبقكم بها من أحد من العالمين، إنكم لتأتون الرجال شهوة من دون النساء بل أنتم قوم مسرفون، وما كان جواب قومه إلا أن قالوا أخرجوهم من قريتكم إنهم أناس يتطهرون، فأنجيناه وأهله إلا امرأته كانت من الغابرين، وأمطرنا عليهم مطرا فانظر كيف كان عاقبة المجرمين}.

    وقال تعالى في سورة هود: {ولقد جاءت رسلنا إبراهيم بالبشرى قالوا سلاما قال سلام فما لبث أن جاء بعجل حنيذ، فلما رأى أيديهم لا تصل إليه نكرهم وأوجس منهم خيفة قالوا لا تخف إنا أرسلنا إلى قوم لوط، وامرأته قائمة فضحكت فبشرناها بإسحاق ومن وراء إسحاق يعقوب، قالت يا ويلتا أألد وأنا عجوز وهذا بعلي شيخا إن هذا لشيء عجيب، قالوا أتعجبين من أمر الله رحمة الله وبركاته عليكم أهل البيت إنه حميد مجيد، فلما ذهب عن إبراهيم الروع وجاءته البشرى يجادلنا في قوم لوط، إن إبراهيم لحليم أواه منيب، يا إبراهيم أعرض عن هذا إنه قد جاء أمر ربك وإنهم آتيهم عذاب غير مردود، ولما جاءت رسلنا لوطا سيء بهم وضاق بهم ذرعا وقال هذا يوم عصيب، وجاءه قومه يهرعون إليه ومن قبل كانوا يعملون السيئات قال يا قوم هؤلاء بناتي هن أطهر لكم فاتقوا الله ولا تخزوني في ضيفي أليس منكم رجل رشيد، قالوا لقد علمت ما لنا في بناتك من حق وإنك لتعلم ما نريد، قال لو أن لي بكم قوة أو آوي إلى ركن شديد، قالوا يا لوط إنا رسل ربك لن يصلوا إليك فأسر بأهلك بقطع من الليل فأسر بأهلك بقطع من الليل ولا يلتفت منكم أحد إلا امرأتك إنه مصيبها ما أصابهم إن موعدهم الصبح أليس الصبح بقريب، فلما جاء أمرنا جعلنا عاليها سافلها وأمطرنا عليها حجارة من سجيل منضود، مسومة عند ربك وما هي من الظالمين ببعيد}.

    وقال تعالى في سورة الحجر: {ونبئهم عن ضيف إبراهيم، إذ دخلوا عليه فقالوا سلاما قال إنا منكم وجلون، قالوا لا توجل إنا نبشرك بغلام عليم، قال أبشرتموني على أن مسني الكبر فبم تبشرون، قالوا بشرناك بالحق فلا تكن من القانطين، قال ومن يقنط من رحمة ربه إلا الضالون، قال فما خطبكم أيها المرسلون، قالوا إنا أرسلنا إلى قوم مجرمين، إلا آل لوط إنا لمنجوهم أجمعين إلا امرأته قدرنا إنها لمن الغابرين، فلما جاء آل لوط المرسلون، قال إنكم قوم منكرون، قالوا بل جئناك بما كانوا فيه يمترون، وأتيناك بالحق وإنا لصادقون، فأسر بأهلك بقطع من الليل واتبع أدبارهم ولا يلتفت منكم أحد وامضوا حيث تؤمرون، وقضينا إليه ذلك الأمر أن دابر هؤلاء مقطوع مصبحين، وجاء أهل المدينة يستبشرون قال إن هؤلاء ضيفي فلا تفضحوني، واتقوا الله ولا تخزوني، قالوا أولم ننهك عن العالمين، قال هؤلاء بناتي إن كنتم فاعلين، لعمرك إنهم لفي سكرتهم يعمهون، فأخذتهم الصيحة مشرقين، فجعلنا عاليها سافلها وأمطرنا عليهم حجارة من سجيل، إن في ذلك لآيات للمتوسمين، وإنها لبسبيل مقيم، إن في ذلك لآية للمؤمنين}.

    وقال تعالى في سورة الشعراء: {كذبت قوم لوط المرسلين، إذ قال لهم أخوهم لوط ألا تتقون، إني لكم رسول أمين، فاتقوا الله وأطيعوني، وما أسألكم عليه من أجر إن أجري إلا على رب العالمين، أتأتون الذكران من العالمين، وتذرون ما خلق لكم ربكم من أزواجكم بل أنتم قوم عادون، قالوا لئن لم تنته يا لوط لتكونن من المخرجين، قال إني لعملكم من القالين رب نجني وأهلي مما يعملون، فنجيناه وأهله أجمعين، إلا عجوزا في الغابرين، ثم دمرنا الآخرين، وأمطرنا عليهم مطرا فساء مطر المنذرين، إن في ذلك لآية وما كان أكثرهم مؤمنين، وإن ربك لهو العزيز الرحيم}.

    وقال تعالى في سورة النمل: {ولوطا إذ قال لقومه أتأتون الفاحشة وأنتم تبصرون، أئنكم لتأتون الرجال شهوة من دون النساء بل أنتم قوم تجهلون، فما كان جواب قومه إلا أن قالوا أخرجوا آل لوط من قريتكم إنهم أناس يتطهرون، فأنجيناه وأهله إلا امرأته قدرناها من الغابرين، وأمطرنا عليهم مطرا فساء مطر المنذرين}.

    وقال تعالى في سورة العنكبوت: {ولوطا إذ قال لقومه إنكم لتأتون الفاحشة ما سبقكم بها من أحد من العالمين، أئنكم لتأتون الرجال وتقطعون السبيل وتأتون في ناديكم المنكر فما كان جواب قومه إلا أن قالوا ائتنا بعذاب الله إن كنت من الصادقين، قال رب انصرني على القوم المفسدين، ولما جاءت رسلنا إبراهيم بالبشرى قالوا إنا مهلكو أهل هذه القرية إن أهلها كانوا ظالمين، قال إن فيها لوطا قالوا نحن أعلم بمن فيها لننجينه وأهله إلا امرأته كانت من الغابرين، ولما أن جاءت رسلنا لوطا سيء بهم وضاق بهم ذرعا وقالوا لا تخف ولا تحزن إنا منجوك وأهلك إلا امرأتك كانت من الغابرين، إنا منزلون على أهل هذه القرية رجزا من السماء بما كانوا يفسقون، ولقد تركنا منها آية بينة لقوم يعقلون}.

    وقال تعالى في سورة الصافات: {وإن لوطا لمن المرسلين، إذ نجيناه وأهله أجمعين، إلا عجوزا في الغابرين، ثم دمرنا الآخرين، وإنكم لتمرون عليهم مصبحين، وبالليل أفلا تعقلون}.

    وقال تعالى في الذاريات بعد قصة ضيف إبراهيم وبشارتهم إياه بغلام عليم: {قال فما خطبكم أيها المرسلون، قالوا إنا أرسلنا إلى قوم مجرمين، لنرسل عليهم حجارة من طين، مسومة عند ربك للمسرفين، فأخرجنا من كان فيها من المؤمنين، فما وجدنا فيها غير بيت من المسلمين، وتركنا فيها آية للذين يخافون العذاب الأليم}.

    وقال في سورة القمر: {كذبت قوم لوط بالنذر، إنا أرسلنا عليهم حاصبا إلا آل لوط نجيناهم بسحر، نعمة من عندنا كذلك نجزي من شكر، ولقد أنذرهم بطشتنا فتماروا بالنذر، ولقد راودوه عن ضيفه فطمسنا أعينهم فذوقوا عذابي ونذر، ولقد صبحهم بكرة عذاب مستقر، فذوقوا عذابي ونذر، ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر}.

    وقد تكلمنا على هذه القصص في أماكنها من هذه السورة في التفسير.

    وقد ذكر الله لوطا وقومه في مواضع أخر من القرآن، تقدم ذكرها مع نوح وعاد وثمود.

    والمقصود الآن إيراد ما كان من أمرهم وما أحل الله بهم مجموعا من الآيات والآثار وبالله المستعان. وذلك أن لوطا عليه السلام لما دعاهم إلى عبادة الله وحده لا شريك له، ونهاهم عن تعاطي ما ذكر الله عنهم من الفواحش، لم يستجيبوا له ولم يؤمنوا به، حتى ولا رجل واحد منهم، ولم يتركوا ما عنه نهوا، بل استمروا على حالهم، ولم يرتدعوا عن غيهم وضلالهم، وهموا بإخراج رسولهم من بين ظهرانيهم. {واستضعفوه وسخروا منه} وما كان حاصل جوابهم عن خطابهم إذ كانوا لا يعقلون إلا أن قالوا: {أخرجوا آل لوط من قريتكم إنهم أناس يتطهرون} فجعلوا غاية المدح ذما يقتضي الإخراج، وما حملهم على مقالتهم هذه إلا العناد واللجاج.

    فطهره الله وأهله إلا امرأته، وأخرجهم منها أحسن إخراج، وتركهم في محلتهم خالدين، لكن بعد ما صيرها عليهم بحرة منتنة، ذات أمواج، لكنها عليهم في الحقيقة نار تأجج، وحر يتوهج، وماؤها ملح أجاج.

    وما كان هذا جوابهم إلا لما نهاهم عن الطامة العظمى والفاحشة الكبرى، التي لم يسبقهم إليها أحد من أهل الدنيا. ولهذا صاروا مثلة فيها وعبرة لمن عليها. وكانوا مع ذلك يقطعون الطريق، ويخونون الرفيق، ويأتون في ناديهم، وهو مجتمعهم ومحل حديثهم وسمرهم، المنكر من الأقوال والأفعال، على اختلاف أصنافه، حتى قيل: إنهم كانوا يتضارطون في مجالسهم، ولا يستحيون من مجالسهم، وربما وقع منهم الفعلة العظيمة في المحافل، ولا يستنكفون ولا يرعوون لوعظ واعظ، ولا نصيحة من عاقل، وكانوا في ذلك وغيره كالأنعام بل أضل سبيلا، ولم يقلعوا عما كانوا عليه في الحاضر، ولا ندموا على ما سلف من الماضي، ولا راموا في المستقبل تحويلا، فأخذهم الله أخذا وبيلا.

    وقالوا له فيما قالوا: {ائتنا بعذاب الله إن كنت من الصادقين} فطلبوا منه وقوع ما حذرهم عنه من العذاب الأليم وحلول البأس العظيم.

    فعند ذلك دعا عليهم نبيهم الكريم، فسأل من رب العالمين وإله المرسلين، أن ينصره على القوم المفسدين.

    فغار الله لغيرته، وغضب لغضبته، واستجاب لدعوته، وأجابه إلى طلبته، وبعث رسله الكرام، وملائكته العظام، فمروا على الخليل إبراهيم، وبشروه بالغلام العليم، وأخبروه بما جاؤا له من الأمر الجسيم والخطب العميم {قال فما خطبكم أيها المرسلون، قالوا إنا أرسلنا إلى قوم مجرمين، لنرسل عليهم حجارة من طين، مسومة عند ربك للمسرفين} وقال: {ولما جاءت رسلنا إبراهيم بالبشرى قالوا إنا مهلكو أهل هذه القرية إن أهلها كانوا ظالمين، قال إن فيها لوطا قالوا نحن أعلم بمن فيها لننجينه وأهله إلا امرأته كانت من الغابرين} وقال الله تعالى: {فلما ذهب عن إبراهيم الروع وجاءته البشرى يجادلنا في قوم لوط}. وذلك إنه كان يرجو أن يجيبوا أو ينيبوا ويسلموا ويقلعوا ويرجعوا. لهذا قال تعالى: {إن إبراهيم لحليم أواه منيب، يا إبراهيم أعرض عن هذا إنه قد جاء أمر ربك وإنهم آتيهم عذاب غير مردود}. أي أعرض عن هذا وتكلم في غيره فإنه قد حتم أمرهم ووجب عذابهم وتدميرهم وهلاكهم إنه قد جاء أمر ربك أي قد أمر به من لا يرد أمره ولا يرد بأسه ولا معقب لحكمه وإنهم آتيهم عذاب غير مردود.

    وذكر سعيد بن جبير والسدي وقتادة ومحمد بن إسحاق أن إبراهيم عليه السلام جعل يقول "أتهلكون قرية فيها ثلاثمائة مؤمن قالوا لا قال فمائتا مؤمن قالوا لا قال فأربعون مؤمنا قالوا: لا قال فأربعة عشر مؤمنا قالوا لا) قال ابن إسحاق: إلى أن قال: "أفرأيتم إن كان فيها مؤمن واحد قالوا لا" قال: { إن فيها لوطا قالوا نحن أعلم بمن فيها} الآية.

    وعند أهل الكتاب أنه قال "يا رب أتهلكهم وفيهم خمسون رجلا صالحا؟ فقال الله: لا أهلكهم وفيهم خمسون صالحا، ثم تنازل عشرة فقال الله: "لا أهلكهم وفيهم عشرة صالحون".

    قال الله تعالى:{ولما جاءت رسلنا لوطا سيء بهم وضاق بهم ذرعا وقال هذا يوم عصيب}. قال المفسرون: لما فصلت الملائكة من عند إبراهيم، وهم جبريل وميكائيل وإسرافيل، أقبلوا حتى أتوا أرض سدوم، في صور شبان حسان اختبارا من الله تعالى لقوم لوط، وإقامة للحجة عليهم، فتضيفوا لوطا عليه السلام وذلك عند غروب الشمس، فخشي إن لم يضفهم أن يضيفهم غيره، وحسبهم بشرا من الناس، {وسيء بهم وضاق بهم ذرعا وقال هذا يوم عصيب}. قال ابن عباس ومجاهد وقتادة ومحمد بن إسحاق، شديد بلاؤه، وذلك لما يعلم من مدافعته الليلة عنهم، كما كان يصنع بهم في غيرهم، وكانوا قد اشترطوا عليه أن لا يضيف أحدا، ولكن رأى من لا يمكن المحيد عنه.

    وذكر قتادة أنهم وردوا عليه وهو في أرض له، يعمل فيها فتضيفوا، فاستحيا منهم، وانطلق أمامهم، وجعل يعرض لهم في الكلام لعلهم ينصرفون عن هذه القرية، وينزلون في غيرها، فقال لهم فيما قال: والله يا هؤلاء ما أعلم على وجه الأرض أهل بلد أخبث من هؤلاء، ثم مشى قليلا ثم أعاد ذلك عليهم، حتى كرره أربع مرات. قال: وكانوا قد أمروا أن لا يهلكوهم حتى يشهد عليهم نبيهم بذلك.

    وقال السدي: خرجت الملائكة من عند إبراهيم نحو قرية لوط، فأتوها نصف النهار، فلما بلغوا سدوم، لقوا ابنة لوط تستقي من الماء لأهلها، وكانت له ابنتان اسم الكبرى "ريثا"، والصغرى "زغرتا"، فقالوا لها: يا جارية هل من منزل؟ فقالت لهم: مكانكم لا تدخلوا حتى آتيكم، فرقت عليهم من قومها، فأتت أباها فقالت: يا أبتاه، أرادك فتيان على باب المدينة، ما رأيت وجوه قوم قط هي أحسن منهم، لا يأخذهم قومك، فيفضحوهم. وقد كان قومه نهوه أن يضيف رجلا فقالوا: خل عنا فلنضف الرجال.

    فجاء بهم، فلم يعلم أحد إلا أهل البيت، فخرجت امرأته فأخبرت قومها، فقالت: إن في بيت لوط رجالا ما رأيت مثل وجوههم قط فجاءه قومه يهرعون إليه.

    وقوله: {ومن قبل كانوا يعملون السيئات}. أي هذا مع ما سلف لهم من الذنوب العظيمة الكبيرة الكثيرة، {قال يا قوم هؤلاء بناتي هن أطهر لكم} يرشدهم إلى غشيان نسائهم، وهن بناته شرعا لأن النبي للأمة بمنزلة الوالد، كما ورد في الحديث، وكما قال تعالى: {النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه أمهاتهم} وفي قول بعض الصحابة والسلف وهو أب لهم. وهذا كقوله: {أتأتون الذكران من العالمين، وتذرون ما خلق لكم ربكم من أزواجكم بل أنتم قوم عادون}.

    وهذا هو الذي نص عليه مجاهد وسعيد بن جبير والربيع بن أنس وقتادة والسدي ومحمد بن إسحاق وهو الصواب.

    والقول الآخر خطأ مأخوذ من أهل الكتاب، وقد تصحف عليهم كما أخطأوا في قولهم: إن الملائكة كانوا إثنين، وإنهم تعشوا عنده، وقد خبط أهل الكتاب في هذه القصة تخبيطا عظيما. وقوله: {فاتقوا الله ولا تخزوني في ضيفي أليس منكم رجل رشيد} نهى لهم عن تعاطي ما لا يليق من الفاحشة، وشهادة عليهم بأنه ليس فيهم رجل له مسكة، ولا فيه خير، بل الجميع سفهاء، فجرة أقوياء، كفرة أغبياء.

    وكان هذا من جملة ما أراد الملائكة أن يسمعوه منه من قبل أن يسألوه عنه.

    فقال قومه عليهم لعنة الله الحميد المجيد. مجيبين لنبيهم فيما أمرهم به من الأمر السديد : {قالوا لقد علمت ما لنا في بناتك من حق وإنك لتعلم ما نريد} يقولون: عليهم لعائن الله، لقد علمت يا لوط إنه لا أرب لنا في نسائنا، وإنك لتعلم مرادنا وغرضنا "من غير النساء".

    واجهوا بهذا الكلام القبيح رسولهم الكريم، ولم يخافوا سطوة العظيم، ذي العذاب الأليم. ولهذا قال عليه السلام {قال لو أن لي بكم قوة أو آوي إلى ركن شديد} ود أن لو كان له بهم قوة، أو له منعة وعشيرة ينصرونه عليهم، ليحل بهم ما يستحقونه من العذاب، على هذا الخطاب. وقد قال الزهري عن سعيد بن المسيب وأبي سلمة عن أبي هريرة مرفوعا "نحن أحق بالشك من إبراهيم، ويرحم الله لوطا لقد كان يأوي إلى ركن شديد، ولو لبثت في السجن ما لبث يوسف لأجبت الداعي". ورواه أبو الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة.

    وقال محمد بن عمرو بن علقمة عن أبي سلمة عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "رحمة الله على لوط، إن كان يأوي إلى ركن شديد، يعني الله عز وجل، فما بعث الله بعده نبي إلا في ثروة من قومه".

    وقال تعالى: {وجاء أهل المدينة يستبشرون، قال إن هؤلاء ضيفي فلا تفضحوني، واتقوا الله ولا تخزوني، قالوا أولم ننهك عن العالمين، قال هؤلاء بناتي إن كنتم فاعلين} فأمرهم بقربان نسائهم، وحذرهم الاستمرار على طريقتهم وسيآتهم.

    هذا وهم في ذلك لا ينتهون ولا يرعوون، بل كلما نهاهم يبالغون في تحصيل هؤلاء الضيفان ويحرصون. ولم يعلموا ما حم به القدر مما هم إليه صائرون، وصبيحة ليلتهم إليه منقلبون.

    ولهذا قال تعالى مقسما بحياة نبيه محمد صلوات الله وسلامه عليه: {لعمرك إنهم لفي سكرتهم يعمهون} وقال تعالى: {ولقد أنذرهم بطشتنا فتماروا بالنذر، ولقد راودوه عن ضيفه فطمسنا أعينهم فذوقوا عذابي ونذر، ولقد صبحهم بكرة عذاب مستقر}.

    ذكر المفسرون وغيرهم أن نبي الله لوطا عليه السلام جعل يمانع قومه الدخول، ويدافعهم، والباب مغلق، وهم يرومون فتحه وولوجه، وهو يعظهم وينهاهم من وراء الباب، وكل ما لهم في إلحاح وإنحاح، فلما ضاق الأمر وعسر الحال قال ما قال {قال لو أن لي بكم قوة أو آوي إلى ركن شديد} لأحللت بكم النكال.

    قالت الملائكة {يا لوط إنا رسل ربك لن يصلوا إليك} وذكروا أن جبريل عليه السلام خرج عليهم فضرب وجوههم خفقة بطرف جناحه، فطمست أعينهم، حتى قيل: إنها غارت بالكلية، ولم يبق لها محل ولا عين، ولا أثر، فرجعوا يتحسسون مع الحيطان، ويتوعدون رسول الرحمن، ويقولون: إذا كان الغد كان لنا وله شأن.

    قال الله تعالى {ولقد راودوه عن ضيفه فطمسنا أعينهم فذوقوا عذابي ونذر، ولقد صبحهم بكرة عذاب مستقر}.

    فذلك أن الملائكة تقدمت إلى لوط عليه السلام آمرين له بأن يسري هو وأهله من آخر الليل، ولا يلتفت منكم أحد، يعني عند سماع صوت العذاب إذا حل بقومه، وأمروه أن يكون سيره في آخرهم كالساقة لهم.

    وقوله: {إلا امرأتك} على قراءة النصب، يحتمل أن يكون مستثنى من قوله {فأسر بأهلك}، كأنه يقول: إلا امرأتك فلا تسر بها. ويحتمل أن يكون من قوله: {ولا يلتفت منكم أحد إلا امرأتك}، أي: فإنها ستلتفت فيصيبها ما أصابهم. ويقوي هذا الاحتمال قراءة الرفع، ولكن الأول أظهر في المعنى والله أعلم.

    قال السهيلي واسم امرأة لوط "والهة" واسم امرأة نوح "والغة".

    وقالوا له مبشرين بهلاك هؤلاء البغاة العتاة الملعونين النظراء والأشباه الذين جعلهم الله سلفا لكل خائن مريب: {إن موعدهم الصبح أليس الصبح بقريب}.

    فلما خرج لوط عليه السلام بأهله، وهم ابنتاه، لم يتبعه منهم رجل واحد، ويقال: إن امرأته خرجت معه فالله أعلم.

    فلما خلصوا من بلادهم، وطلعت الشمس فكان عند شروقها جاءهم من أمر الله ما لا يرد. ومن البأس الشديد ما لا يمكن أن يصد.

    وعند أهل الكتاب أن الملائكة أمروه أن يصعد إلى رأس الجبل الذي هناك، فاستبعده وسأل منهم أن يذهب إلى قرية قريبة منهم، فقالوا: اذهب فانا ننتظرك حتى تصير إليها وتستقر فيها، ثم نحل بهم العذاب، فذكروا أنه ذهب إلى قرية "صوغر" التي يقول الناس "غور زغر" فلما أشرقت الشمس نزل بهم العذاب.

    قال الله تعالى: {فلما جاء أمرنا جعلنا عاليها سافلها وأمطرنا عليها حجارة من سجيل منضود، مسومة عند ربك وما هي من الظالمين ببعيد}.

    قالوا: اقتلعهن جبريل بطرف جناحه من قرارهن، وكن سبع مدن بمن فيهن من الأمم، فقالوا: إنهم كانوا أربع مائة نسمة. وقيل: أربعة آلاف نسمة وما معهم من الحيوانات، وما يتبع تلك المدن من الأراضي والأماكن والمعتملات، فرفع الجميع حتى بلغ بهن عنان السماء، حتى سمعت الملائكة أصوات ديكتهم ونباح كلابهم، ثم قلبها عليهم، فجعل عاليها سافلها. قال مجاهد: فكان أول ما سقط منها شرفاتها.

    {وأمطرنا عليها حجارة من سجيل} والسجيل فارسي معرب، وهو الشديد الصلب القوي (منضود) أي يتبع بعضها بعضا في نزولها عليهم من السماء (مسومة) أي معلمة مكتوب على كل حجر اسم صاحبه، الذي يهبط عليه فيدمغه، كما قال: {مسومة عند ربك للمسرفين} وكما قال تعالى: {وأمطرنا عليهم مطرا فساء مطر المنذرين}. وقال تعالى: {والمؤتفكة أهوى، فغشاها ما غشى} يعني: قلبها فأهوى بها منكسة عاليها سافلها، وغشاها بمطر من حجارة من سجيل، متتابعة مسومة مرقومة، على كل حجر اسم صاحبه الذي سقط عليه من الحاضرين، منهم في بلدهم والغائبين عنها من المسافرين، والنازحين والشاذين منها.

    ويقال: إن امرأة لوط مكثت مع قومها. ويقال: إنها خرجت مع زوجها وبنتيها، ولكنها لما سمعت الصيحة، وسقوط البلدة) التفتت إلى قومها، وخالف أمر ربها قديما وحديثا، وقالت: وا قوماه فسقط عليها حجر، فدمغها وألحقها بقومها، إذ كانت على دينهم، وكانت عينا لهم، على من يكون عند لوط من الضيفان.

    كما قال تعالى: {ضرب الله مثلا للذين كفروا امرأة نوح وامرأة لوط كانتا تحت عبدين من عبادنا صالحين فخانتاهما فلم يغنيا عنهما من الله شيئا وقيل ادخلا النار مع الداخلين} أي خانتاهما في الدين فلم يتبعاهما فيه. وليس المراد أنهما كانتا على فاحشة، حاشا وكلا. فإن الله لا يقدر على نبي قط أن تبغى امرأته، كما قال ابن عباس وغيره من أئمة السلف والخلف: ما بغت امرأة نبي قط. ومن قال خلاف هذا فقد أخطأ خطأ كبيرا.

    قال الله تعالى في قصة الإفك، لما أنزل براءة أم المؤمنين عائشة بنت الصديق، زوج رسول الله صلى الله عليه وسلم، حين قال لها أهل الإفك ما قالوا، فعاتب الله المؤمنين وأنب وزجر ووعظ وحذر، وقال فيما قال: {تلقونه بألسنتكم وتقولون بأفواهكم ما ليس لكم به علم وتحسبونه هينا وهو عند الله عظيم}. أي سبحانك أن تكون زوجة نبيك بهذه المثابة.

    وقوله هنا: {وما هي من الظالمين ببعيد} أي وما هذه العقوبة ببعيدة ممن أشبههم في فعلهم. ولهذا ذهب من ذهب من العلماء إلى أن اللائط يرجم سواء كان محصنا أو لا، ونص عليه الشافعي وأحمد بن حنبل وطائفة كثيرة من الأئمة.

    واحتجوا أيضا بما رواه الإمام أحمد وأهل السنن من حديث عمرو بن أبي عمرو، عن عكرمة، عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من وجدتموه يعمل عمل قوم لوط فاقتلوا الفاعل والمفعول به".

    وذهب أبو حنيفة إلى أن اللائط يلقى من شاهق جبل، ويتبع بالحجارة، كما فعل بقوم لوط، لقوله تعالى: {وما هي من الظالمين ببعيد}.

    وجعل الله مكان تلك البلاد بحرة منتنة لا ينتفع بمائها ولا بما حولها من الأراضي المتاخمة لفنائها، لرداءتها ودناءتها، فصارت عبرة ومثلة وعظة وآية على قدرة الله تعالى وعظمته وعزته في انتقامه ممن خالف أمره وكذب رسله واتبع هواه وعصى مولاه. ودليلا على رحمته بعباده المؤمنين في انجائه إياهم من المهلكات، وإخراجه إياهم من النور إلى الظلمات، كما قال تعالى: {إن في ذلك لآية وما كان أكثرهم مؤمنين، وإن ربك لهو العزيز الرحيم}.

    وقال الله تعالى: {فأخذتهم الصيحة مشرقين، فجعلنا عاليها سافلها وأمطرنا عليهم حجارة من سجيل، إن في ذلك لآيات للمتوسمين، وإنها لبسبيل مقيم، إن في ذلك لآية للمؤمنين} أي من نظر بعين الفراسة والتوسم فيهم، كيف غير الله تلك البلاد وأهلها، وكيف جعلها بعد ما كانت آهلة عامرة، هالكة غامرة. كما روى الترمذي وغيره مرفوعا "اتقوا فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور الله". ثم قرأ: {إن في ذلك لآيات للمتوسمين}.

    وقوله {وإنها لبسبيل مقيم} أي لبطريق مهيع مسلوك إلى الآن، كما قال: {وإنكم لتمرون عليهم مصبحين، وبالليل أفلا تعقلون} وقال تعالى: {ولقد تركنا منها آية بينة لقوم يعقلون} وقال تعالى: {فأخرجنا من كان فيها من المؤمنين، فما وجدنا فيها غير بيت من المسلمين، وتركنا فيها آية للذين يخافون العذاب الأليم}.

    أي تركناها عبرة وعظة لمن خاف عذاب الآخرة وخشي الرحمن بالغيب، وخاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى، فانزجر عن محارم الله وترك معاصيه وخاف أن يشابه قوم لوط. ومن تشبه بقوم فهو منهم، وإن لم يكن من كل وجه فمن بعض الوجوه، كما قال بعضهم:

    فإن لم تكونوا قوم لوط بعينهم ** فما قوم لوط منكم ببعيد

    فالعاقل اللبيب الفاهم الخائف من ربه يمتثل ما أمره الله به عز وجل، ويقبل ما أرشده إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم من إتيان ما خلق له من الزوجات الحلال، والجواري من السراري ذوات الجمال. وإياه أن يتبع كل شيطان مريد. فيحق عليه الوعيد. ويدخل في قوله تعالى: {وما هي من الظالمين ببعيد}.
    avatar
    بدر أبوبكر مقيبل ش/20
    عالم جديد
    عالم جديد


    المساهمات : 18
    تاريخ التسجيل : 23/12/2014

    وفاة الخليل ابراهيم عليه السلام Empty قوم شعب عليه السلام

    مُساهمة من طرف بدر أبوبكر مقيبل ش/20 الثلاثاء ديسمبر 23, 2014 1:57 am

    قصة مدين قوم شعيب عليه السلام[عدل]
    قال الله تعالى في سورة الأعراف بعد قصة قوم لوط: {وإلى مدين أخاهم شعيبا قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره قد جاءتكم بينة من ربكم فأوفوا الكيل والميزان ولا تبخسوا الناس أشياءهم ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها ذلكم خير لكم إن كنتم مؤمنين، ولا تقعدوا بكل صراط توعدون وتصدون عن سبيل الله من آمن به وتبغونها عوجا واذكروا إذ كنتم قليلا فكثركم وانظروا كيف كان عاقبة المفسدين وإن كان طائفة منكم آمنوا بالذي أرسلت به وطائفة لم يؤمنوا فاصبروا حتى يحكم الله بيننا وهو خير الحاكمين، قال الملأ الذين استكبروا من قومه لنخرجنك يا شعيب والذين آمنوا معك من قريتنا أو لتعودن في ملتنا قال أولو كنا كارهين، قد افترينا على الله كذبا إن عدنا في ملتكم بعد إذ نجانا الله منها وما يكون لنا أن نعود فيها إلا أن يشاء الله ربنا وسع ربنا كل شيء علما على الله توكلنا ربنا افتح بيننا وبين قومنا بالحق وأنت خير الفاتحين، وقال الملأ الذين كفروا من قومه لئن اتبعتم شعيبا إنكم إذا لخاسرون، فأخذتهم الرجفة فأصبحوا في دارهم جاثمين، الذين كذبوا شعيبا كأن لم يغنوا فيها الذين كذبوا شعيبا كانوا هم الخاسرين، فتولى عنهم وقال ياقوم لقد أبلغتكم رسالات ربي ونصحت لكم فكيف آسى على قوم كافرين}.

    وقال في سورة هود بعد قصة قوم لوط أيضا. {وإلى مدين أخاهم شعيبا قال ياقوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره ولا تنقصوا المكيال والميزان إني أراكم بخير وإني أخاف عليكم عذاب يوم محيط، وياقوم أوفوا المكيال والميزان بالقسط ولا تبخسوا الناس أشياءهم ولا تعثوا في الأرض مفسدين، بقية الله خير لكم إن كنتم مؤمنين وما أنا عليكم بحفيظ، قالوا يا شعيب أصلاتك تأمرك أن نترك ما يعبد آباؤنا أو أن نفعل في أموالنا ما نشاء إنك لأنت الحليم الرشيد، قال يا قوم أرأيتم إن كنت على بينة من ربي ورزقني منه رزقا حسنا وما أريد أن أخالفكم إلى ما أنهاكم عنه إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب، ويا قوم لا يجرمنكم شقاقي أن يصيبكم مثل ما أصاب قوم نوح أو قوم هود أو قوم صالح وما قوم لوط منكم ببعيد، واستغفروا ربكم ثم توبوا إليه إن ربي رحيم ودود، قالوا يا شعيب ما نفقه كثيرا مما تقول وإنا لنراك فينا ضعيفا ولولا رهطك لرجمناك وما أنت علينا بعزيز، قال يا قوم أرهطي أعز عليكم من الله واتخذتموه وراءكم ظهريا إن ربي بما تعملون محيط، ويا قوم اعملوا على مكانتكم إني عامل سوف تعلمون من يأتيه عذاب يخزيه سوف تعلمون من يأتيه عذاب يخزيه ومن هو كاذب وارتقبوا إني معكم رقيب، ولما جاء أمرنا نجينا شعيبا والذين آمنوا معه برحمة منا وأخذت الذين ظلموا الصيحة فأصبحوا في ديارهم جاثمين، كأن لم يغنوا فيها ألا بعدا لمدين كما بعدت ثمود}.

    وقال في الحجر بعد قصة لوط أيضا: {وإن كان أصحاب الأيكة لظالمين، فانتقمنا منهم وإنهما لبإمام مبين}.

    وقال تعالى في الشعراء بعد قصتهم {كذب أصحاب الأيكة المرسلين، إذ قال لهم شعيب ألا تتقون، إني لكم رسول أمين، فاتقوا الله وأطيعوني، وما أسألكم عليه من أجر إن أجري إلا على رب العالمين، أوفوا الكيل ولا تكونوا من المخسرين، وزنوا بالقسطاس المستقيم، ولا تبخسوا الناس أشياءهم ولا تعثوا في الأرض مفسدين، واتقوا الذي خلقكم والجبلة الأولين، قالوا إنما أنت من المسحرين، وما أنت إلا بشر مثلنا وإن نظنك لمن الكاذبين، فأسقط علينا كسفا من السماء إن كنت من الصادقين، قال ربي أعلم بما تعملون، فكذبوه فأخذهم عذاب يوم الظلة إنه كان عذاب يوم عظيم، إن في ذلك لآية وما كان أكثرهم مؤمنين، وإن ربك لهو العزيز الرحيم}.

    كان أهل مدين قوما عربا يسكنون مدينتهم مدين، التي هي قريبة من أرض معان من أطراف الشام، مما يلي ناحية الحجار قريبا من بحيرة قوم لوط. وكانوا بعدهم بمدة قريبة. ومدين مدينة عرفت بالقبيلة وهم من بني مدين بن مديان بن إبراهيم الخليل.

    وشعيب نبيهم هو ابن ميكيل بن يشجن ذكره ابن إسحاق.

    قال: ويقال له بالسريانية يترون وفي هذا نظر ويقال: شعيب بن يشخر بن لاوي بن يعقوب. ويقال: شعيب بن نويب بن عيفا بن مدين بن إبراهيم. ويقال شعيب بن صيفور بن عيفا بن ثابت بن مدين بن إبراهيم. وقيل غير ذلك في نسبه.

    قال ابن عساكر: ويقال جدته، ويقال أمه بنت لوط.

    وكان ممن آمن بإبراهيم وهاجر معه، ودخل معه دمشق.

    وعن وهب بن منبه انه قال: شعيب وملغم ممن آمن بإبراهيم يوم أحرق بالنار، وهاجرا معه إلى الشام، فزوجهما بنتي لوط عليه السلام. ذكره ابن قتيبة. وفي هذا كله نظر أيضا والله تعالى أعلم.

    وذكر أبو عمرو بن عبد البر في الاستيعاب، في ترجمة سلمة بن سعد العنزي: أنه قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلم وانتسب إلى عنزة، فقال: "نعم الحي عنزة، مبغي عليهم منصورين، قوم شعيب وأختان موسى".

    فلو صح هذا لدل على أن شعيبا صهر موسى وأنه من قبيلة من العرب العاربة، يقال لهم عنزة، لا أنهم من عنزة بن أسد بن ربيعة بن نزار بن معد بن عدنان فإن هؤلاء بعده بدهر طويل. والله أعلم.

    وفي حديث أبي ذر الذي في صحيح ابن حبان في ذكر الأنبياء والرسل قال : "أربعة من العرب هود وصالح وشعيب ونبيك يا أبا ذر" وكان بعض السلف يسمي شعيبا خطيب الأنبياء يعني لفصاحته وعلو عبارته وبلاغته في دعاية قومه إلى الإيمان برسالته.

    وقد روى ابن إسحاق بن بشر عن جويبر ومقاتل، عن الضحاك، عن ابن عباس قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا ذكر شعيبا قال: (ذاك خطيب الأنبياء).

    وكان أهل مدين كفارا، يقطعون السبيل ويخيفون المارة، ويعبدون الأيكة وهي شجرة من الأيك حولها غيضة ملتفة بها.

    وكانوا من أسوأ الناس معاملة، يبخسون المكيال والميزان، ويطففون فيهما، يأخذون بالزائد ويدفعون بالناقص.

    فبعث الله فيهم رجلا منهم وهو رسول الله شعيب عليه السلام، فدعاهم إلى عبادة الله وحده لا شريك له، ونهاهم عن تعاطي هذه الأفاعيل القبيحة، من بخس الناس أشيائهم واخافتهم لهم في سبلهم وطرقاتهم فآمن به بعضهم وكفر أكثرهم، حتى أحل الله بهم البأس الشديد. وهو الولي الحميد.

    كما قال تعالى: {وإلى مدين أخاهم شعيبا قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره قد جاءتكم بينة من ربكم} أي دلالة وحجة واضحة وبرهان قاطع على صدق ما جئتكم به وأنه أرسلني، وهو ما أجرى الله على يديه من المعجزات التي لم تنقل إلينا تفصيلا وإن كان هذا اللفظ قد دل عليها إجمالا.

    {فأوفوا الكيل والميزان ولا تبخسوا الناس أشياءهم ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها}. أمرهم بالعدل ونهاهم عن الظلم وتوعدهم على خلاف ذلك فقال: {ذلكم خير لكم إن كنتم مؤمنين، ولا تقعدوا بكل صراط} أي طريق {توعدون} أي تتوعدون الناس بأخذ أموالهم من مكوس وغير ذلك، وتخيفون السبل.

    قال السدي في "تفسيره" عن الصحابة "ولا تقعدوا بكل صراط توعدون" أنهم كانوا يأخذون العشور من أموال المارة.

    وقال إسحاق بن بشر عن جويبر عن الضحاك، عن ابن عباس قال: كانوا قوما طغاة بغاة يجلسون على الطريق يبخسون الناس يعني يعشرونهم. وكانوا أول من سن ذلك.

    {وتصدون عن سبيل الله من آمن به وتبغونها عوجا} فنهاهم عن قطع الطريق الحسية الدنيوية، والمعنوية الدينية.

    {واذكروا إذ كنتم قليلا فكثركم وانظروا كيف كان عاقبة المفسدين} ذكرهم بنعمة الله تعالى عليهم في تكثيرهم بعد القلة، وحذرهم نقمة الله بهم إن خالفوا ما أرشدهم إليه ودلهم عليه، كما قال لهم في القصة الأخرى: {ولا تنقصوا المكيال والميزان إني أراكم بخير وإني أخاف عليكم عذاب يوم محيط} أي لا تركبوا ما أنتم عليه وتستمروا فيه فيمحق الله بركة ما في أيديكم ويفقركم، ويذهب ما به يغنيكم.

    وهذا مضاف إلى عذاب الآخرة، ومن جمع له هذا وهذا فقد باء بالصفقة الخاسرة.

    فنهاهم أولا عن تعاطي ما لا يليق من التطفيف، وحذرهم سلب نعمة الله عليهم في دنياهم، وعذابه الأليم في أخراهم وعنفهم أشد تعنيف.

    ثم قال لهم آمرا بعد ما كان عن ضده زاجرا: {ويا قوم أوفوا المكيال والميزان بالقسط ولا تبخسوا الناس أشياءهم ولا تعثوا في الأرض مفسدين، بقية الله خير لكم إن كنتم مؤمنين وما أنا عليكم بحفيظ}.

    قال ابن عباس والحسن البصري: "بقية الله خير لكم" أي رزق الله خير لكم من أخذ أموال الناس. وقال ابن جرير: ما فضل لكم من الربح بعد وفاء الكيل والميزان خير لكم من أخذ أموال الناس بالتطفيف. قال: وقد روي هذا عن ابن عباس.

    وهذا الذي قاله وحكاه حسن، وهو شبيه بقوله تعالى: {قل لا يستوي الخبيث والطيب ولو أعجبك كثرة الخبيث} يعني أن القليل من الحلال خير لكم من الكثير من الحرام، فإن الحلال مبارك وأن قل، والحرام ممحوق وإن كثر، كما قال تعالى: {يمحق الله الربا ويربي الصدقات}.

    وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الربا وان كثر فإن مصيره إلى قل" رواه أحمد. أي: إلى قلة.

    وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "البيعان بالخيار ما لم يتفرقا فإن صدقا وبينا بورك لهما في بيعهما وإن كتما وكذبا محقت بركة بيعهما".

    والمقصود أن الربح الحلال مبارك فيه وإن قل والحرام لا يجدي وإن كثر، ولهذا قال نبي الله شعيب "بقيت الله خير لكم إن كنتم مؤمنين".

    وقوله "وما أنا عليكم بحفيظ" أي افعلوا ما آمركم به ابتغاء وجه الله ورجاء ثوابه لا لأراكم أنا وغيري.

    {قالوا يا شعيب أصلاتك تأمرك أن نترك ما يعبد آباؤنا أو أن نفعل في أموالنا ما نشاء إنك لأنت الحليم الرشيد}. يقولون هذا على سبيل الاستهزاء والتنقص والتهكم: أصلاتك هذه التي تصليها هي الآمرة لك بأن تحجر علينا فلا نعبد إلا إلهك ونترك ما يعبد آباؤنا الأقدمون، وأسلافنا الأولون؟ أو أن لا نتعامل إلا على الوجه الذي ترتضيه أنت ونترك المعاملات التي تأباها وإن كنا نحن نرضاها؟

    {إنك لأنت الحليم الرشيد} قال ابن عباس وميمون بن مهران وابن جريج وزيد بن أسلم وابن جرير، يقولون ذلك أعداء الله على سبيل الاستهزاء.

    {قال يا قوم أرأيتم إن كنت على بينة من ربي ورزقني منه رزقا حسنا وما أريد أن أخالفكم إلى ما أنهاكم عنه إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب}.

    هذا تلطف معهم في العبارة ودعوة لهم إلى الحق بأبين إشارة.

    يقول لهم: أرأيتم أيها المكذبون {إن كنت على بينة من ربي} أي على أمر بين من الله تعالى، أنه أرسلني إليكم، {ورزقني منه رزقا حسنا} يعني النبوة والرسالة، يعني وعمى عليكم معرفتها، فأي حيلة لي فيكم؟

    وهذا كما تقدم عن نوح عليه السلام أنه قال لقومه سواء.

    وقوله {وما أريد أن أخالفكم إلى ما أنهاكم عنه} أي لست آمركم بالأمر إلا وأنا أول فاعل له، وإذا نهيتكم عن الشيء فأنا أول من يتركه.

    وهذه هي الصفة المحمودة العظيمة، وضدها هي المردودة الذميمة، كما تلبس بها علماء بني إسرائيل في آخر زمانهم وخطباءهم الجاهلون. قال الله تعالى :{ أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم وأنتم تتلون الكتاب أفلا تعقلون} وذكرنا عندها في الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "يؤتى بالرجل فيلقى في النار فتندلق أقتاب بطنه، أي تخرج أمعاؤه من بطنه، فيدور بها كما يدور الحمار برحاه، فيجتمع أهل النار، فيقولون: يا فلان مالك، ألم تكن تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر؟ فيقول: بلى، كنت آمر بالمعروف ولا آتيه، وأنهى عن المنكر وآتيه".

    وهذه صفة مخالفي الأنبياء من الفجار والأشقياء فأما السادة من النجباء والألباء من العلماء الذين يخشون ربهم بالغيب فحالهم كما قال نبي الله شعيب: "وما أريد أن أخالفكم إلى ما أنهاكم عنه إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت" أي ما أريد في جميع أمري إلا الإصلاح في الفعال والمقال بجهدي وطاقتي.

    "وما توفيقي" أي في جميع أحوالي "إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب" أي: عليه أتوكل في سائر الأمور وإليه مرجعي ومصيري في كل أمري وهذا مقام ترغيب.

    ثم انتقل إلى نوه من الترهيب فقال: {ويا قوم لا يجرمنكم شقاقي أن يصيبكم مثل ما أصاب قوم نوح أو قوم هود أو قوم صالح وما قوم لوط منكم ببعيد}.

    أي لا تحملنكم مخالفتي وبغضكم ما جئتكم به على الاستمرار على ضلالكم وجهلكم ومخالفتكم، فيحل الله بكم من العذاب والنكال نظير ما أحله بنظرائكم وأشباهكم، من قوم نوح وقوم هود وقوم صالح من المكذبين المخالفين.

    وقوله {وما قوم لوط منكم ببعيد} قيل معناه في الزمان، أي ما بالعهد من قدم مما قد بلغكم ما أحل بهم على كفرهم وعتوهم. وقيل: معناه وما هم منكم ببعيد في المحلة والمكان. وقيل في الصفات والأفعال المستقبحات من قطع الطريق وأخذ أموال الناس جهرة وخفية بأنواع الحيل والشبهات.

    والجمع بين هذه الأقوال ممكن فإنهم لم يكونوا بعيدين منهم لا زمانا ولا مكانا ولا صفات.

    ثم مزج الترهيب بالترغيب فقال: {واستغفروا ربكم ثم توبوا إليه إن ربي رحيم ودود} أي اقلعوا عما أنتم فيه وتوبوا إلى ربكم الرحيم الودود، فإنه من تاب إليه تاب عليه، فإنه رحيم بعباده أرحم بهم من الوالدة بولدها، ودود وهو الحبيب ولو بعد التوبة على عبده ولو من الموبقات العظام.

    {قالوا يا شعيب ما نفقه كثيرا مما تقول وإنا لنراك فينا ضعيفا}.

    روي عن ابن عباس وسعيد بن جبير والثوري، أنهم قالوا: كان ضرير البصر. وقد روي في حديث مرفوع "أنه بكى من حب الله حتى عمى فرد الله عليه بصره. وقال : يا شعيب أتبكي خوفا من النار، أو من شوقك إلى الجنة؟ فقال: بل من محبتك، فإذا نظرت إليك فلا أبالي ماذا يصنع بي، فأوحى الله إليه هنيئا لك يا شعيب لقائي فلذلك أخدمتك موسى بن عمران كليمي".

    رواه الواحدي عن أبي الفتح محمد بن علي الكوفي، عن علي بن الحسن بن بندار، عن عبد الله محمد بن إسحاق الرملي عن هشام بن عمار، عن إسماعيل بن عباس، عن يحيى بن سعيد، عن شداد بن أوس عن النبي صلى الله عليه وسلم بنحوه. وهو غريب جدا، وقد ضعفه الخطيب البغدادي.

    وقولهم {ولولا رهطك لرجمناك وما أنت علينا بعزيز} وهذا من كفرهم البليغ وعنادهم الشنيع حيث قالوا: "ما نفقه كثيرا مما تقول" أي ما نفهمه ولا نعقله، لأنه لا نحبه ولا نريده، وليس لنا همة إليه ولا إقبال عليه.

    وهو كما قال كفار قريش لرسول الله صلى الله عليه وسلم {وقالوا قلوبنا في أكنة مما تدعونا إليه وفي آذاننا وقر ومن بيننا وبينك حجاب فاعمل إننا عاملون} .

    وقولهم{وإنا لنراك فينا ضعيفا} أي مضطهدا مهجورا {ولولا رهطك} أي قبيلتك وعشيرتك فينا {لرجمناك وما أنت علينا بعزيز}.

    {قال يا قوم أرهطي أعز عليكم من الله} أي تخافون قبيلتي وعشيرتي وترعوني بسببهم ولا تخافون عذاب الله ولا تراعوني لأني رسول الله، فصار رهطي أعز عليكم من الله "أي جانب الله وراء ظهوركم" أي هو عليم بما تعملونه وما تصنعونه محيط بذلك وسيجزيكم عليه يوم ترجعون إليه.

    {ويا قوم اعملوا على مكانتكم إني عامل سوف تعلمون من يأتيه عذاب يخزيه ومن هو كاذب وارتقبوا إني معكم رقيب}.

    هذا أمر تهديد شديد ووعيد أكيد بأن يستمروا على طريقتهم ومنهجهم وشاكلتهم، فسوف تعلمون من تكون له عاقبة الدار، ومن يحل عليه الهلاك والبوار {من يأتيه عذاب يخزيه} أي في هذه الحياة الدنيا {ويحل عليه عذاب مقيم} أي في الأخرى {ومن هو كاذب} أي مني ومنكم فيما أخبر وبشر وحذر.

    {وارتقبوا إني معكم رقيب} هذا كقوله: {وإن كان طائفة منكم آمنوا بالذي أرسلت به وطائفة لم يؤمنوا فاصبروا حتى يحكم الله بيننا وهو خير الحاكمين}.

    {قال الملأ الذين استكبروا من قومه لنخرجنك يا شعيب والذين آمنوا معك من قريتنا أو لتعودن في ملتنا قال أو لو كنا كارهين، قد افترينا على الله كذبا إن عدنا في ملتكم بعد إذ نجانا الله منها وما يكون لنا أن نعود فيها إلا أن يشاء الله ربنا وسع ربنا كل شيء علما على الله توكلنا ربنا افتح بيننا وبين قومنا بالحق وأنت خير الفاتحين}.

    طلبوا بزعمهم أن يردوا من آمن منهم إلى ملتهم فانتصب شعيب للمحاجة عن قومه فقال: {أو لو كنا كارهين} أي هؤلاء لا يعودون إليكم اختيارا، وإنما يعودون إليكم إن عادوا اضطرارا مكرهين، وذلك لأن الإيمان إذا خالطت بشاشته القلوب لا يسخطه أحد، ولا يرتد أحد عنه، ولا محيد لأحد منه.

    ولهذا قال: {قد افترينا على الله كذبا إن عدنا في ملتكم بعد إذ نجانا الله منها وما يكون لنا أن نعود فيها إلا أن يشاء الله ربنا وسع ربنا كل شيء علما على الله توكلنا} أي فهو كافينا، وهو العاصم لنا، وإليه ملجأنا في جميع أمرنا. ثم استفتح على قومه واستنصر ربه عليهم في تعجيل ما يستحقونه إليهم فقال: {ربنا افتح بيننا وبين قومنا بالحق وأنت خير الفاتحين} أي الحاكمين فدعا عليهم، والله لا يرد دعاء رسله إذا انتصروه على الذين جحدوه وكفروه، ورسوله خالفوه.

    ومع هذا صموا على ما هم عليه مشتملون. وبه متلبسون {وقال الملأ الذين كفروا من قومه لئن اتبعتم شعيبا إنكم إذا لخاسرون}.

    قال الله تعالى: {فأخذتهم الرجفة فأصبحوا في دارهم جاثمين} ذكر في سورة الأعراف أنهم أخذتهم رجفة، أي رجفت بهم أرضهم وزلزلت زلزالا شديدا أزهقت أرواحهم من أجسادها، وصيرت حيوان أرضهم كجمادها، وأصبحت جثثهم جاثية، لا أرواح فيها، ولا حركات بها ولا حواس لها.

    وقد جمع الله عليهم أنواعا من العقوبات وصنوفا من المثلات، وأشكالا من البليات، وذلك لما اتصفوا به قبيح الصفات، سلط الله عليهم رجفة شديدة أسكنت الحركات، وصيحة عظيمة أخمدت الأصوات، وظلة أرسل عليهم منها شرر النار من سائر أرجائها والجهات.

    ولكنه تعالى أخبر عنهم في كل سورة بما يناسب سياقها، ويوافق طباقها، في سياق قصة الأعراف أرجفوا نبي الله وأصحابه، وتوعدوهم بالإخراج من قريتهم، أو ليعودن في ملتهم راجعين فقال تعالى: {فأخذتهم الرجفة فأصبحوا في دارهم جاثمين} فقابل الأرجفاف بالرجفة والإخافة بالخيفة وهذا مناسب هذا السياق ومتعلق بما تقدمه من السياق.

    وأما في سورة هود فذكر أنهم أخذتهم الصيحة، فأصبحوا في ديارهم جاثمين، وذلك لأنهم قالوا لنبي الله على سبيل التهكم والاستهزاء والتنقص: {أصلاتك تأمرك أن نترك ما يعبد آباؤنا أو أن نفعل في أموالنا ما نشاء إنك لأنت الحليم الرشيد} فناسب أن يذكر الصيحة التي هي كالزجر عن تعاطي هذا الكلام القبيح الذي واجهوا به الرسول الكريم الأمين الفصيح، فجاءتهم صيحة أسكتتهم مع رجفة أسكنتهم.

    وأما في سورة الشعراء فذكر أنه أخذهم عذاب يوم الظلة، وكان ذلك إجابة لما طلبوا، وتقريبا إلى ما إليه رغبوا. فإنهم قالوا: {قالوا إنما أنت من المسحرين، وما أنت إلا بشر مثلنا وإن نظنك لمن الكاذبين، فأسقط علينا كسفا من السماء إن كنت من الصادقين، قال ربي أعلم بما تعملون}.

    قال الله تعالى وهو السميع العليم {فكذبوه فأخذهم عذاب يوم الظلة إنه كان عذاب يوم عظيم}.

    ومن زعم من المفسرين كقتادة وغيره أن أصحاب الأيكة أمة أخرى غير أهل مدين فقوله ضعيف.

    وإنما عمدتهم شيئان أحدهما : أنه قال: {كذب أصحاب الأيكة المرسلين، إذ قال لهم شعيب} ولم يقل أخوهم كما قال: {وإلى مدين أخاهم شعيبا}.

    والثاني انه ذكر عذابهم بيوم الظلة وذكر في أولئك الرجفة أو الصيحة.

    والجواب عن الأول أنه لم يذكر الأخوة بعد قوله: {كذب أصحاب الأيكة المرسلين} لأنه وصفهم بعبادة الأيكة، فلا يناسب ذكر الأخوة ههنا ولما نسبهم إلى القبيلة، ساغ ذكر شعيب بأنه أخوهم.

    وهذا الفرق من النفائس اللطيفة العزيزة الشريفة.

    وأما احتجاجهم بيوم الظلة فإن كان دليلا بمجرده على أن هؤلاء أمة أخرى فليكن تعداد الانتقام بالرجفة والصيحة دليلا على أنهما أمتان أخريان، وهذا لا يقوله أحد يفهم شيئا من هذا الشأن.

    فأما الحديث الذي أورده الحافظ ابن عساكر في ترجمة النبي شعيب عليه السلام، من طريق محمد بن عثمان بن أبي شيبة، عن أبيه، عن معاوية بن هشام، عن هشام بن سعد، عن شفيق بن أبي هلال، عن ربيعة بن سيف، عن عبد الله بن عمرو مرفوعا "إن قوم مدين وأصحاب الأيكة أمتان بعث الله إليهما شعيبا النبي عليه السلام".

    فإنه حديث غريب وفي رجاله من تكلم فيه. والأشبه أنه من كلام عبد الله بن عمرو، مما أصابه يوم اليرموك من تلك الزاملتين من أخبار بني إسرائيل والله أعلم.

    ثم قد ذكر الله عن أهل الأيكة من المذمة ما ذكره عن أهل مدين من التطفيف في المكيال والميزان، فدل على أنهم أمة واحدة أهلكوا بأنواع من العذاب. وذكر في كل موضع ما يناسب من الخطاب.

    وقوله: {فأخذهم عذاب يوم الظلة إنه كان عذاب يوم عظيم} ذكروا أنهم أصابهم حر شديد، وأسكن الله هبوب الهواء عنهم سبعة أيام فكان لا ينفعهم مع ذلك ماء ولا ظل ولا دخولهم في الأسراب، فهربوا من محلتهم إلى البرية، فأظلتهم سحابة فاجتمعوا تحتها ليستظلوا بظلها، فلما تكاملوا فيه أرسلها الله ترميهم بشرر وشهب، ورجفت بهم الأرض وجاءتهم صيحة من السماء فأزهقت الأرواح، وخربت الأشباح.

    {فأصبحوا في دارهم جاثمين، الذين كذبوا شعيبا كأن لم يغنوا فيها الذين كذبوا شعيبا كانوا هم الخاسرين}ونجى الله شعيبا ومن معه من المؤمنين . كما قال تعالى وهو أصدق القائلين: {ولما جاء أمرنا نجينا شعيبا والذين آمنوا معه برحمة منا وأخذت الذين ظلموا الصيحة فأصبحوا في ديارهم جاثمين، كأن لم يغنوا فيها ألا بعدا لمدين كما بعدت ثمود}.

    وقال تعالى: {وقال الملأ الذين كفروا من قومه لئن اتبعتم شعيبا إنكم إذا لخاسرون، فأخذتهم الرجفة فأصبحوا في دارهم جاثمين، الذين كذبوا شعيبا كأن لم يغنوا فيها الذين كذبوا شعيبا كانوا هم الخاسرين} وهذا في مقابلة قولهم {لئن اتبعتم شعيبا إنكم إذا لخاسرون}.

    ثم ذكر تعالى عن نبيهم أنه نعاهم إلى أنفسهم موبخا ومؤنبا ومقرعا، فقال تعالى: {يا قوم لقد أبلغتكم رسالات ربي ونصحت لكم فكيف آسى على قوم كافرين}.

    أي أعرض عنهم موليا عن محلتهم بعد هلكتهم قائلا {يا قوم لقد أبلغتكم رسالات ربي ونصحت لكم } أي قد أديت ما كان واجبا علي من البلاغ التام والنصح الكامل وحرصت على هدايتكم بكل ما أقدر عليه وأتوصل إليه فلم ينفعكم ذلك لأن الله لا يهدي من يضل وما لهم من ناصرين، فلست أتأسف بعد هذا عليكم لأنكم لم تكونوا تقبلون النصيحة ولا تخافون يوم الفضيحة.

    ولهذا قال: {فكيف آسى} أي أحزن {على قوم كافرين}. أي لا يقبلون الحق ولا يرجعون إليه ولا يلتفتون إليه فحل بهم من بأس الله الذي لا يرد ما لا يدافع ولا يمانع ولا محيد لأحد أريد به عنه، ولا مناص عنه.

    وقد ذكر الحافظ ابن عساكر في "تاريخه" عن ابن عباس "أن شعيبا عليه السلام كان بعد يوسف عليه السلام، وعن وهب بن منبه أن شعيبا عليه السلام مات بمكة ومن معه من المؤمنين وقبورهم غربي الكعبة بين دار الندوة ودار بني سهم".
    avatar
    عبدالرحمن العمودي ش-21
    من كبآر العلمآء
    من كبآر العلمآء


    المساهمات : 306
    تاريخ التسجيل : 20/12/2014

    وفاة الخليل ابراهيم عليه السلام Empty رد: وفاة الخليل ابراهيم عليه السلام

    مُساهمة من طرف عبدالرحمن العمودي ش-21 الجمعة ديسمبر 26, 2014 10:39 pm

    مشكور عالموضوع
    avatar
    عبدالله موسی ش21
    من كبآر العلمآء
    من كبآر العلمآء


    المساهمات : 310
    تاريخ التسجيل : 27/12/2014

    وفاة الخليل ابراهيم عليه السلام Empty رد: وفاة الخليل ابراهيم عليه السلام

    مُساهمة من طرف عبدالله موسی ش21 الأحد ديسمبر 28, 2014 1:02 am

    جزاك الله خير
    avatar
    عبدالله موسی ش21
    من كبآر العلمآء
    من كبآر العلمآء


    المساهمات : 310
    تاريخ التسجيل : 27/12/2014

    وفاة الخليل ابراهيم عليه السلام Empty رد: وفاة الخليل ابراهيم عليه السلام

    مُساهمة من طرف عبدالله موسی ش21 الأحد ديسمبر 28, 2014 1:29 am

    Magical
    avatar
    عبدالرحمن العمودي ش-21
    من كبآر العلمآء
    من كبآر العلمآء


    المساهمات : 306
    تاريخ التسجيل : 20/12/2014

    وفاة الخليل ابراهيم عليه السلام Empty رد: وفاة الخليل ابراهيم عليه السلام

    مُساهمة من طرف عبدالرحمن العمودي ش-21 الأحد ديسمبر 28, 2014 3:34 am

    مشكوور عالموضوع
    avatar
    عبدالرحمن العمودي ش-21
    من كبآر العلمآء
    من كبآر العلمآء


    المساهمات : 306
    تاريخ التسجيل : 20/12/2014

    وفاة الخليل ابراهيم عليه السلام Empty رد: وفاة الخليل ابراهيم عليه السلام

    مُساهمة من طرف عبدالرحمن العمودي ش-21 الأحد ديسمبر 28, 2014 3:34 am

    جزاك الله خير
    avatar
    عبدالرحمن العمودي ش-21
    من كبآر العلمآء
    من كبآر العلمآء


    المساهمات : 306
    تاريخ التسجيل : 20/12/2014

    وفاة الخليل ابراهيم عليه السلام Empty رد: وفاة الخليل ابراهيم عليه السلام

    مُساهمة من طرف عبدالرحمن العمودي ش-21 الأحد ديسمبر 28, 2014 3:34 am

    يعطيك العافيه

      الوقت/التاريخ الآن هو الجمعة نوفمبر 01, 2024 1:27 pm