إظهار فضائل الاستغفار
الحمد لله ،وأشهد أن لا إله إلا الله ، وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم
الاستغفار:
تعريف الاستغفار:
الاستغفار في اللّغة طلب المغفرة ، وأصل الغفر التّغطية والسّتر ، يقال : غفر اللّه ذنوبه أي سترها.
وَقَالَ شَيْخُ الإِسْلامِ ابْن تَيْمِيَّةَ رَحِمَهُ الله: المَغْفِرَةُ مَعْنَاهَا وِقَايَةُ شَرِّ الذَّنْبِ بِحَيْثُ لا يُعَاقَبُ عَلَى الذَّنْبِ، فَمَنْ غُفِرَ ذَنْبَهُ لَمْ يُعَاقَبْ عَلَيْهِ.
وَقَالَ رَحِمَهُ الله: فَمَنْ غُفِرَ لَهُ لَمْ يُعَذَّبْ وَمَنْ لَمْ يُغْفَرْ لَهُ عُذِّبْ وَهَذَا مَذْهَبُ الصَّحَابَةِ وَالسَّلَفِ وَالأَئِمَةِ.
وفي الاصطلاح طلب المغفرة بالدّعاء والتّوبة أو غيرهما من الطّاعة.
حث الله تعالى نبيه محمد صلى الله عليه وسلم على سؤاله المغفرة :
قال تعالى : " وَاسْتَغْفِرِ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا" ** النساء : 106 }
وقال تعالى : " فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا "{النصر :3}
وقال الله تعالى : " وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ " {محمد : 19}
حث الله سبحانه وتعالى عباده المؤمنين وجميع خلقه على طلب المغفرة :
قال تعالى : " وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ " {البقرة:221}
قال تعالى : " وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ " **** عمران : 133}
وقال تعالى : " وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ "{البقرة:199}
وقال تعالى:" قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ "** فصلت: 6}
حتى أولئك الذين أسرفوا على أنفسهم بمعصيتهم لربهم ، لقوله تعالى : " قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ "{الزمر:53}
وقوله تعالى : " وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا "** النساء : 110}
وقوله تعالى: " نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (49) وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الْأَلِيمُ "{الحجر: 49-50}
وينادي الله على عباده ويحثهم سبحانه على سؤاله المغفرة لذنوبهم كما في الحديث القدسي : " : " ....، يَا عِبَادِي، إِنَّكُمْ تُخْطِئُونَ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، وَأَنَا أَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا ، فَاسْتَغْفِرُونِي أَغْفِرْ لَكُمْ "الحديث .(1)
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ : عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فِيمَا يَحْكِي عَنْ رَبِّهِ عَزَّ وُجَلَّ قَالَ :«أَذْنَبَ عَبْدُ ذَنْباً ، فَقَالَ : اللَّهُمَّ! اغْفِر لِي ذَنْبِي ، فَقَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى : أذْنَبَ عَبْدِي ذَنْباً ، فَعَلِمَ أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ ، وَيَأْخُذُ بِالذَّنْبِ ، ثُمَّ عَادَ فَأَذْنَبَ ، فَقَالَ : أَيْ رَبِّ اغْفِرْ لِي ذَنْبِي ، فَقَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى : عَبْدِي أذْنَبَ ذَنْباً ، فَعَلِمَ أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ ، وَيَأْخُذُ بِالذَّنْبِ ، ثُمَّ عَادَ فَأَذْنَبَ ، فَقَالَ : أَيْ رَبِّ : اغْفِرْ لِي ذَنْبِي ، فَقَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى : أذْنَبَ عَبْدِي ذَنْباً ، فَعَلِمَ أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ ، وَيَأْخُذُ بِالذَّنْبِ ، اعْمَلْ مَا شِئْتَ فَقَدْ غَفَرتُ لَكَ ".(2)
وعَنْهُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- :« وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ لَمْ تُذْنِبُوا لَذَهَبَ اللَّهُ بِكُمْ، وَلَجَاءَ بِقَوْمٍ يُذْنِبُونَ ،فَيَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ فَيَغْفِرُ لَهُمْ ».(3)
وفي رواية لأحمد والترمذي:" لَوْ لَمْ تُذْنِبُوا لَذَهَبَ اللَّهُ بِكُمْ وَلَجَاءَ بِقَوْمٍ يُذْنِبُونَ فَيَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ فَيَغْفِرُ لَهُمْ ". (4)
وَعَنْ أَبِي أَيُّوبَ أَنَّهُ قَالَ حِينَ حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ: كُنْتُ كَتَمْتُ عَنْكُمْ شَيْئًا سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:" لَوْلَا أَنَّكُمْ تُذْنِبُونَ ،لَخَلَقَ اللَّهُ خَلْقًا يُذْنِبُونَ يَغْفِرُ لَهُمْ".(5)
وعن أنس بن مالك - رضي الله عنه - : قال : سمعتُ النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- يقول :
« قَالَ الله تَعَالَى : يَا ابْنَ آدَمَ ، إنَّكَ ما دَعَوْتَنِي وَرَجَوْتَنِي ، غَفَرْتُ لَكَ عَلَى مَا كَانَ مِنْكَ وَلا أُبَالِي . يَا ابْنَ آدَمَ ، لَوْ بَلَغت ذُنُوبُك عَنَانَ السماءِ ، ثُمَّ اسْتَغْفَرْتَنِي غَفَرْتُ لَكَ وَلا أُبَالِي ، يَا ابْنَ آدَمَ ، إِنَّكَ لَوْ أتَيْتَنِي بِقُرَابِ الأَرْضِ خَطَايا ، ثُمَّ لَقَيْتَنِي لا تُشْرِكُ بِي شَيْئاً ، لأَتَيْتُكَ بقُرَابِها مَغْفِرَةً » .(6)
من فضائل الاستغفار:
(1)مغفرة الله تعالى للمستغفرين :
قال تعالى:" وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا "{النساء: 110}،
وقوله تعالى : " وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا"{النساء:64}،وقوله تعالى :" وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ (135) أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ " **** عمران:135-136}.
(2)الاستغفار دلالة على الإيمان :
عن عَائِشَةَ رضي الله عنها ، قالت : قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ ، ابْنُ جُدْعَانَ كَانَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ يَصِلُ الرَّحِمَ ،وَيُطْعِمُ الْمِسْكِينَ ، فَهَلْ ذَاكَ نَافِعُهُ ؟ قَالَ : "لَا يَنْفَعُهُ ، إِنَّهُ لَمْ يَقُلْ يَوْمًا : رَبِّ اغْفِرْ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ" .(7)
قول أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها : " هل ذلك نافعه ؟ " معناه . هل ذلك مخلصه من عذاب الله المستحق بالكفر ، فأجابها بنفي ذلك ، وعلله بأنه لم يؤمن . وعبّر عن الإيمان ببعض ما يدلّ عليه وهو قوله : " لم يقل يومًا ربِّ اغفر لي خطيئتي يوم الدين ". (
والدليل على ذلك قوله تعالى عن نبيه إبراهيم عليه الصلاة والسلام :" وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ"{الشعراء:82}
وهاهو شاهد إيماني من أمير المؤمنين عمر بن الخطاب نحو سؤاله رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن يستغفر له عما بدر منه ، لما كان عمر رضي الله عنه في بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أن اعتزل نساءه في المشربية وكانوا يظنون أنه صلى الله عليه وسلم طلق نساءه وجاء ليعظ ابنته حفصة رضي الله عنها قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه : فَجَلَسْتُ حِينَ رَأَيْتُهُ تَبَسَّمَ ،فَرَفَعْتُ بَصَرِي فِي بَيْتِهِ فَوَ اللَّهِ مَا رَأَيْتُ فِي بَيْتِهِ شَيْئًا يَرُدُّ الْبَصَرَ غَيْرَ أَهَبَةٍ ثَلَاثَةٍ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! ادْعُ اللَّهَ فَلْيُوَسِّعْ عَلَى أُمَّتِكَ ، فَإِنَّ فَارِسَ وَالرُّومَ قَدْ وُسِّعَ عَلَيْهِمْ وَأُعْطُوا الدُّنْيَا وَهُمْ لَا يَعْبُدُونَ اللَّهَ، فَجَلَسَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَانَ مُتَّكِئًا فَقَالَ:" أَوَفِي هَذَا أَنْتَ يَا ابْنَ الْخَطَّابِ ، إِنَّ أُولَئِكَ قَوْمٌ عُجِّلُوا طَيِّبَاتِهِمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ، فَقُلْتُ :يَا رَسُولَ اللَّهِ! اسْتَغْفِرْ لِي . . ."الحديث
(9)
ويدل على ذلك أيضاً حال المنافقين من الإعراض عن سؤال المغفرة ، لقوله تعالى :" وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا"{النساء:64 }
ولقوله تعالى:" وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللَّهِ لَوَّوْا رُءُوسَهُمْ وَرَأَيْتَهُمْ يَصُدُّونَ وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ"{المنافقون :5}
وفي قصة الأعرابي الذي أعرض عن سؤال رسول الله صلى الله وعليه وسلم له المغفرة ،وأخبر بأنه لأن يحد جمله الأحمر خير له ،شاهد كاف أيضًا من السنة على ذلك، فَعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:" مَنْ يَصْعَدُ الثَّنِيَّةَ ثَنِيَّةَ الْمُرَارِ ،فَإِنَّهُ يُحَطُّ عَنْهُ مَا حُطَّ عَنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ ،قَالَ: فَكَانَ أَوَّلَ مَنْ صَعِدَهَا خَيْلُنَا خَيْلُ بَنِي الْخَزْرَجِ، ثُمَّ تَتَامَّ النَّاسُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :"وَكُلُّكُمْ مَغْفُورٌ لَهُ إِلَّا صَاحِبَ الْجَمَلِ الْأَحْمَرِ"فَأَتَيْنَاهُ فَقُلْنَا لَهُ :تَعَالَ يَسْتَغْفِرْ لَكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: وَاللَّهِ لَأَنْ أَجِدَ ضَالَّتِي أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ يَسْتَغْفِرَ لِي صَاحِبُكُمْ. قَالَ: وَكَانَ رَجُلٌ يَنْشُدُ ضَالَّةً لَهُ.(10)
وحتى طلبهم من رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يستغفر لهم لتخلفهم عن غزوة تبوك كان قولا بألسنتهم دون عمل قلوبهم لكذبهم في اعتذارهم ، لقوله تعالى : " سَيَقُولُ لَكَ الْمُخَلَّفُونَ مِنَ الْأَعْرَابِ شَغَلَتْنَا أَمْوَالُنَا وَأَهْلُونَا فَاسْتَغْفِرْ لَنَا يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ " ** الفتح :11}
وعَنْ عُمَارَةَ عَنْ الْأَسْوَدِ قَالَا: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ إِنَّ الْمُؤْمِنَ يَرَى ذُنُوبَهُ كَأَنَّهُ فِي أَصْلِ جَبَلٍ يَخَافُ أَنْ يَقَعَ عَلَيْهِ وَإِنَّ الْفَاجِرَ يَرَى ذُنُوبَهُ كَذُبَابٍ وَقَعَ عَلَى أَنْفِهِ فَقَالَ بِهِ هَكَذَا فَطَارَ.(11)
(3)رفع العذاب وجلب الرحمة بالاستغفار:
لقوله تعالى : " وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ "{الأنفال:33}
وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو- رضي الله عنهما - قَالَ: « انْكَسَفَتِ الشَّمْسُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَلَمْ يَكَدْ يَرْكَعُ ،ثُمَّ رَكَعَ فَلَمْ يَكَدْ يَرْفَعُ، ثُمَّ رَفَعَ فَلَمْ يَكَدْ يَسْجُدُ ، ثُمَّ سَجَدَ فَلَمْ يَكَدْ يَرْفَعُ، ثُمَّ رَفَعَ فَلَمْ يَكَدْ يَسْجُدُ ،ثُمَّ سَجَدَ فَلَمْ يَكَدْ يَرْفَعُ، ثُمَّ رَفَعَ، وَفَعَلَ فِي الرَّكْعَةِ الأُخْرَى مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ نَفَخَ فِي آخِرِ سُجُودِهِ ،فَقَالَ: أُفْ ، أُفْ ، ثُمَّ قَالَ « رَبِّ، أَلَمْ تَعِدْنِي أَنْ لاَ تُعَذِّبَهُمْ ،وَأَنَا فِيهِمْ ؟أَلَمْ تَعِدْنِي أَنْ لاَ تُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ؟ فَفَرَغَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- مِنْ صَلاَتِهِ وَقَدْ أَمْحَصَتِ الشَّمْسُ وَسَاقَ الْحَدِيثَ.".(12)
وعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال:أمران نجى الله بهما أمة محمد صلى الله عليه وسلم من العذاب ، رفع واحد ، وبقى الثاني. قيل : يا أمير المؤمنين فما هما؟ قال : يقول الله تعالى: " وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ "{الأنفال:33}
وقد رُفع النبي صلى الله عليه وسلم ، وبقي الاستغفار.
فمن داوم عليه مخلصًا منيبًا ... حرم جسده على النار .
وقال أيضاً : العجب ممن يهلك ومعه النجاة. قيل : وما هي ؟ قال : الاستغفار.
وقوله تعالى: " مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ وَكَانَ اللَّهُ شَاكِرًا عَلِيمًا "{النساء: 147}
وقوله تعالى :" وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جَاءَهُمُ الْهُدَى وَيَسْتَغْفِرُوا رَبَّهُمْ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمْ سُنَّةُ الْأَوَّلِينَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ قُبُلًا " {الكهف:55}
وسنة الأولين : العذاب الذي يرسله الله على المكذبين للرسل
وفي حال خسوف الشمس أو القمر ، لقوله صلى الله عليه وسلم : " فَإِذَا رَأَيْتُمْ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ، فَافْزَعُوا إِلَى ذِكْرِهِ، وَدُعَائِهِ ،وَاسْتِغْفَارِهِ". (13)
وأما الدليل على أنه من أسباب جلب الرحمة وذلك لقوله تعالى عن نبيه صالح لقومه : " قَالَ يَا قَوْمِ لِمَ تَسْتَعْجِلُونَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ لَوْلَا تَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ "{النمل:46}
وقال الإمام الشوكاني – رحمه الله- : لم تؤخرون الإيمان الذي يجلب إليكم الثواب ، وتقدمون الكفر الذي يجلب لكم العقوبة ؟ هلا تستغفرون الله وتتوبون إليه من الشرك ، رجاء أن تُرحموا ، أو كي تُرحموا فلا تُعذبوا ، فإن استعجال الخير أولى من استعجال الشر.(14)
وفي قوله تعالى: " قَالَتْ رُسُلُهُمْ أَفِي اللَّهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَدْعُوكُمْ لِيَغْفِرَ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرَكُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى " {إبراهيم :10}
وفي تفسير الجلالين لقوله تعالى:" ليغفر لكم من ذنوبكم "من زائدة فإن الإسلام يغفر ما قبله ، أو تبعيضه لإخراج حق العباد "ويؤخركم " بلا عذاب " إلى أجل مسمى "أجل الموت.(15)
وعن السماك بن حرب عن النعمان بن بشير رضي الله عنه في قوله تعالى: " وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ "{البقرة: 195} يقول : إذا أذنب أحدكم فلا يُلقين بيده إلى التهلكة ، ولا يقولن لا توبة لي ، ولكن ليستغفر الله وليتب إليه ، فإن الله غفور رحيم.(16)
(4)الاستغفار بعد الذنب سبب لصلاح القلب :
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:إِنَّ الْمُؤْمِنَ إِذَا أَذْنَبَ كَانَتْ نُكْتَةٌ سَوْدَاءُ فِي قَلْبِهِ ، فَإِنْ تَابَ وَنَزَعَ وَاسْتَغْفَرَ صُقِلَ قَلْبُهُ ، وَإِنْ زَادَ زَادَتْ حَتَّى يَعْلُوَ قَلْبَهُ ذَاكَ الرَّيْنُ الَّذِي ذَكَرَ اللهُ ، عَزَّ وَجَلَّ ، فِي الْقُرْآنِ "كَلاَّ بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ". (17)
(5)إن الله تعالى ليعجب ممن يستغفره عالماً بأنه لا يغفر الذنوب غيره :
عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال :أن رسول لله صلى الله عليه وسلم قال : " إنّ رَبَّكَ لَيَعْجَبُ مِنْ عَبْدِهِ إذا قالَ: رَبِّ اغْفِرْ لي ذُنُوبِي ، وهُو يعْلَمُ أنَّهُ لا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ غَيْرِي ". (18)
(6)الاستغفار من جماع خيري الدنيا والآخرة وتعليمه صلى الله عليه وسلم لمن أسلم وفي الصلاة :
لقوله تعالى عن نبيه نوح عليه السلام لقومه : " فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا (10)
يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا (11) وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا "{نوح : 10-12}
وقد ذكر البخاري – رحمه الله- في" كناب " الدعوات" باب " أفضل الاستغفار " هذه الآية.
وقال الحافظ في" الفتح" (12/82):
وكأن المصنف لمح بذكر هذه الآية إلى أثر الحسن البصري – رحمه الله – أن رجلاً شكا إليه الجدب فقال : استغفر الله . وشكا إليه آخر الفقر فقال : استغفر الله . وشكا إليه آخر جفاف بستانه ، فقال : استغفر الله. وشكا إليه آخر عدم الولد فقال : استغفر الله . ثم تلا هذه الآية.
قال الحافظ : وفي هذه الآية الحث على الاستغفار ، وإشارة إلى وقوع المغفرة لمن استغفر.
ولقوله تعالى عن نبيه هود لقومه : " وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ وَلَا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ " {هود " 52}
وأيضاً : " وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعًا حَسَنًا إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ"** هود: 3}
يقول الإمام ابن كثير – رحمه الله-: وقوله: " وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعًا حَسَنًا إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ " أي: وآمركم بالاستغفار من الذنوب السالفة والتوبة منها إلى الله عز وجل فيما تستقبلونه، وأن تستمروا على ذلك، " يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعًا حَسَنًا " أي: في الدنيا " إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ " أي: في الدار الآخرة، قاله قتادة، كقوله: " مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ " [النحل:97].
وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِىِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « مَنْ أَكْثَرَ مِنَ الاِسْتِغْفَارِ ،جَعَلَ اللَّهُ لَهُ مِنْ كُلِّ هَمٍّ فَرَجاً ،وَمِنْ كُلِّ ضِيقٍ مَخْرَجاً ،وَرَزَقَهُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَحْتَسِبُ ».(19)
وعن طارق بن أَشْيَمَ - رضي الله عنه - قَالَ : كَانَ الرَّجُلُ إِذَا أسْلَمَ عَلَّمَهُ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - الصَّلاَةَ ثُمَّ أمَرَهُ أنْ يَدْعُوَ بِهؤلاَءِ الكَلِمَاتِ : « اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي ، وَارْحَمْنِي ، وَاهْدِني ، وَعَافِني ، وَارْزُقْنِي » .
وفي روايةٍ: أنَّه سمع النبي - صلى الله عليه وسلم - وأتاهُ رَجُلٌ فَقَالَ : يَا رسول اللهِ كَيْفَ أقُولُ حِيْنَ أسْأَلُ رَبِّي ؟ قَالَ : « قُلْ : اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي ، وَارْحَمْنِي ، وَعَافِني ، وارْزُقْنِي ، فإنَّ هؤلاَءِ تَجْمَعُ لَكَ دُنْيَاكَ وَآخِرَتَكَ » .(20)
بدأ بالمغفرة لكونها كالتخلية ، لما فيها من التنزيه من أقذار المعاصي ، وعقبها بالرحمة لكونها كالتحلية ، وعطف عليها الهداية ، عطف خاص على عام ، وبعد تمام المطالب سأل الله العافية ليقدر على الشكر ، وطلب الرزق لتستريح نفسه عن الهم بتحصيله .(21)
وعن عمران بن حصين رضي الله عنه أَنَّ رَجُلاً أَتَى رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم ، فَقَالَ : يَا مُحَمَّدُ ، عَبْدُ الْمُطَّلِبِ خَيْرٌ لِقَوْمِكَ مِنْكَ ، كَانَ يُطْعِمُهُمُ الْكَبِدَ وَالسَّنَامَ ، وَأَنْتَ تَنْحَرُهُمْ ، فَقَالَ لَهُ مَا شَاءَ اللهُ ، فَلَمَّا أَرَادَ أَنْ يَنْصَرِفَ ، قَالَ : مَا أَقُولُ ؟ قَالَ : قُلِ : اللَّهُمَّ قِنِي شَرَّ نَفْسِي ، وَاعْزِمْ لِي عَلَى أَرْشَدِ أَمْرِي ، فَانْطَلَقَ ، وَلَمْ يَكُنْ أَسْلَمَ ، ثُمَّ إِنَّهُ أَسْلَمَ ، فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللهِ ، إِنِّي كُنْتُ أَتَيْتُكَ ، فَقُلْتُ : عَلِّمْنِي ، فَقُلْتَ : اللَّهُمَّ قِنِي شَرَّ نَفْسِي ، وَاعْزِمْ لِي عَلَى أَرْشَدِ أَمْرِي ، فَمَا أَقولُ الآنَ حِينَ أَسْلَمْتُ ؟ قَالَ : قُلِ : اللَّهُمَّ قِنِي شَرَّ نَفْسِي ، وَاعْزِمْ لِي عَلَى أَرْشَدِ أَمْرِي ، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي مَا أَسْرَرْتُ ، وَمَا أَعْلَنْتُ ، وَمَا أَخْطَأْتُ ، وَمَا عَمِدْتُ ، وَمَا جَهِلْتُ.(22)
وََعَنِ ابْنِ أَبِي أَوْفَى، قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ: إِنِّي لَا أَسْتَطِيع أَن آخذ من الْقُرْآن شَيْئا ، فَعَلِّمْنِي مَا يُجْزِئُنِي مِنْهُ. قَالَ: قُلْ سُبْحَانَ اللَّهِ ،وَالْحَمْدُ لِلَّهِ ، وَلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَاللَّهُ أَكْبَرُ ،وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ . قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَذَا لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، فَمَا لِي؟قَالَ:" قُلْ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي ، وَارْحَمْنِي وَعَافِنِي، وَاهْدِنِي، وَارْزُقْنِي ،ثُمَّ أَدْبَرَ وَهُوَ مُمْسِكُ كَفَّيْهِ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:" أَمَّا هَذَا فَقَدْ مَلَأَ يَدَيْهِ مِنْ الْخَيْرِ ".(23)
وعَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ ، أَنَّهُ قَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : عَلِّمْنِي دُعَاءً أَدْعُو بِهِ فِي صَلاتِي ، قَالَ : قُلِ : اللَّهُمَّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي ظُلْمًا كَثِيرًا ، وَلا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ أَنْتَ ، فَاغْفِرْ لِي مَغْفِرَةً مِنْ عِنْدِكِ ، وَارْحَمْنِي إِنَّكَ أَنْتَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ".(24)
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، أَنَّ رَجُلاً ، قَالَ : يَا رَسُولَ اللهِ سَمِعْتُ دُعَاءَكَ اللَّيْلَةَ ، فَالَّذِي وَصَلَ إِلَيَّ مِنْكَ ، مِنْهُ ، أَنَّكَ تَقُولُ : اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي ذَنْبِي ، وَوَسِّعْ لِي فِي دَارِي ، وَبَارِكْ لِي فِيمَا رَزَقْتَنِي ، فَقَالَ : هَلْ تَرَاهُنَّ تَرَكْنَ شَيْئًا؟(25)
(7)الاستغفار من أسباب الفوز العظيم بأن يزحزح العبد عن النار ويدخل الجنة:
لقوله تعالى : " كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ "**** عمران:185}
وَعَنْ عَبْدِ اللَّه بْنِ فَرُّوخَ ؛ انَّهُ سَمِعَ عَائِشَةَ تَقُولُ : إِنَّ رَسُولَ اللهِِ صلى الله عليه وسلم قَالَ :إِنَّهُ خُلِقَ كُلُّ إِنْسَانٍ مِنْ بَنِي ادَمَ عَلَى سِتِّينَ وَثَلاثِمَائَةِ مَفْصِلٍ . فَمَنْ كَبَّرَ اللَّه ، وَحَمِدَ اللَّه ، وَهَلَّلَ اللَّهَ ، وَسَبَّحَ اللَّهَ ، وَاسْتَغْفَرَ اللَّهَ ، وَعَزَلَ حَجَرًا عَنْ طَرِيقِ النَّاسِ ، أوْ شَوْكَةً أوْ عَظْمًا عَنْ طَرِيقِ النَّاسِ ، وَأمَرَ بِمَعْرُوفٍ ، أوْ نَهَى عَنْ مُنْكَرٍ ، عَدَدَ تِلْكَ السِّتِّينَ وَالثَّلاثِمِائَةِ السُّلامَى فَإِنَّهُ يَمْشِى يَوْمَئِذٍ وَقَدْ زَحْزَحَ نَفْسَهُ عَنِ النَّارِ. قَالَ أبُو تَوْبَةَ : وَرُبَّمَا قَالَ يُمْسِى. (26)
وَعَنْ شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ : عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ :«سَيّدُ الاسْتِغْفَارِ
أنْ تَقُولُ : اللَّهُمَّ! أَنْتَ رِبِّي لاَ إِلَهَ إِلاًّ أَنْتَ ، خَلَقْتَنِي وَأَنَا عَبْدُكَ ، وَأَنَا عَلَى عَهْدِكَ وَوَعْدِكَ مَا اسْتَطَعْتُ ، أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا صَنَعْتُ ، أَبُوءُ لَكَ بِنِعْمَتِكَ عَلَيَّ وَأَبُوءُ لَكَ بِذَنْبِي فَاغْفِرْ لِي ، فَإِنَّهُ لاَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ أَنْتَ». قَالَ :«وَمَنْ قَالَهَا مِنَ النَّهَارِ مُوقِناً بِهَا ، فَمَاتَ مِنْ يَوْمِهِ قَبْلَ أَنْ يُمْسِي ، فَهُوَ مِنْ أَهْلِ الجنة ، وَمَنْ قَالَهَا مِنَ اللَّيْلِ وَهُوَ مُوْقِنٌ بِهَا ، فَمَاتَ قَبْلَ أَنْ يُصْبِحَ ، فَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ». (27)
ولهذا يأمر النبي صلى الله عليه وسلم معشر النساء أن يتصدقن ويكثرن من الاستغفار ،لكونهن أكثر أهل النار،لأنهن يكثرن اللعن، ويكفرن العشير، فعن أبي سعيد ، وابن عمر وأبي هريرة، أن رسول الله عليه وسلم قال : " يَا مَعْشَرَ النِّسَاءِ تَصَدَّقْنَ ،وَأَكْثِرْنَ الاسْتِغْفَارَ ،فَإِنِّي رَأَيْتُكُنَّ أَكْثَرَ أَهْلِ النَّارِ ،إِنِّكُنَّ تُكْثِرْنَ اللَّعْنَ ،وَتَكْفُرْنَ الْعَشِيرَ ،مَا رَأَيْتُ مِنْ نَاقِصَاتِ عَقْلٍ وَدِينٍ أَغلَبَ لِذِي لُبَ مِنْكُنَّ ، أَمَّا نُقْصَانُ الْعَقْلِ فَشَهَادَةُ امْرَأَتَيْنِ تَعْدِلُ شَهَادَةَ رَجُلٍ فَهذَا نُقْصَانُ الْعَقْلِ ، وَتَمْكُثُ اللَّيَالِيَ مَا تُصَلِّي وَتُفْطِرُ في رَمَضَانَ فَهذَا نُقْصَانُ الدِّينِ ".(28)
(الاستغفار من أسباب النصر على الأعداء :
لقوله تعالى :"آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ (285) لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلَانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (286){البقرة:286}
ولقوله تعالى عن المؤمنين حواريي الأنبياء عليهم السلام :" وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ (146) وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (147) فَآتَاهُمُ اللَّهُ ثَوَابَ الدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَوَابِ الْآخِرَةِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (148)**** عمران : 146-147}
(9)سقوط الإثم لمسارعة العبد بالتوبة والاستغفار :
لقوله تعالى:"وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا"{النساء:110}
يقول الإمام السعدي - رحمه الله -: أي : من تجرأ على المعاصي واقتحم على الإثم ثم استغفر الله استغفارا تاما يستلزم الإقرار بالذنب والندم عليه والإقلاع والعزم على أن لا يعود. فهذا قد وعده من لا يخلف الميعاد بالمغفرة والرحمة.
فيغفر له ما صدر منه من الذنب، ويزيل عنه ما ترتب عليه من النقص والعيب، ويعيد إليه ما تقدم من الأعمال الصالحة، ويوفقه فيما يستقبله من عمره، ولا يجعل ذنبه حائلا عن توفيقه، لأنه قد غفره، وإذا غفره غفر ما يترتب عليه.
واعلم أن عمل السوء عند الإطلاق يشمل سائر المعاصي، الصغيرة والكبيرة، وسمي "سوءًا" لكونه يسوء عامله بعقوبته، ولكونه في نفسه سيئًا غير حسن.
وكذلك ظلم النفس عند الإطلاق يشمل ظلمها بالشرك فما دونه. ولكن عند اقتران أحدهما بالآخر قد يفسر كل واحد منهما بما يناسبه، فيفسر عمل السوء هنا بالظلم الذي يسوء الناس، وهو ظلمهم في دمائهم وأموالهم وأعراضهم.
ويفسر ظلم النفس بالظلم والمعاصي التي بين الله وبين عبده، وسمي ظلم النفس "ظلما" لأن نفس العبد ليست ملكا له يتصرف فيها بما يشاء، وإنما هي ملك لله تعالى قد جعلها أمانة عند العبد وأمره أن يقيمها على طريق العدل، بإلزامها للصراط المستقيم علمًا وعملا فيسعى في تعليمها ما أمر به ويسعى في العمل بما يجب، فسعيه في غير هذا الطريق ظلم لنفسه وخيانة وعدول بها عن العدل، الذي ضده الجور والظلم.
وكما في الحديث القدسي: " ....، يَا عِبَادِي، إِنَّكُمْ تُخْطِئُونَ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، وَأَنَا أَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا ، فَاسْتَغْفِرُونِي أَغْفِرْ لَكُمْ "الحديث .(29)
وعَنْ أَسْمَاءَ بْنِ الْحَكَمِ الْفَزَارِىِّ، قَالَ: سَمِعْتُ عَلِيًّا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ – يَقُولُ: كُنْتُ رَجُلاً إِذَا سَمِعْتُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- حَدِيثًا نَفَعَنِي اللَّهُ مِنْهُ بِمَا شَاءَ أَنْ يَنْفَعَنِي، وَإِذَا حَدَّثَنِي أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِهِ اسْتَحْلَفْتُهُ فَإِذَا حَلَفَ لِي صَدَّقْتُهُ ،قَالَ: وَحَدَّثَنِي أَبُو بَكْرٍ وَصَدَقَ أَبُو بَكْرٍ - رضى الله عنه - أَنَّهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ :« مَا مِنْ عَبْدٍ يُذْنِبُ ذَنْبًا فَيُحْسِنُ الطُّهُورَ، ثُمَّ يَقُومُ فَيُصَلِّى رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ يَسْتَغْفِرُ اللَّهَ، إِلاَّ غَفَرَ اللَّهُ لَهُ ». ثُمَّ قَرَأَ هَذِهِ الآيَةَ (وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ) إِلَى آخِرِ الآيَةِ.(30)
وَعَنْ أَبِي أُمَامَةَ - رضي الله عنه - قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :" إِنَّ صَاحِبَ الشِّمَالِ لِيَرْفَعُ الْقَلَمَ سِتَّ سَاعَاتٍ عَنِ الْعَبْدِ الْمُسْلِمِ الْمُخْطِئِ أَوْ الْمُسِيءِ ،فَإِنْ نَدِمَ وَاسْتَغْفَرَ اللَّهَ مِنْهَا أَلْقَاهَا ، وَإِلَّا كُتِبَتْ وَاحِدَةً ".(31)
وبالجملة فدواءُ الذنوب الاستغفارُ ،فعن سلام بن مسكين قال : سمعت قتادة ، يقول : "إنَّ هذا القرآن يدلُّكم على دائكم ودوائكم ، فأما داؤكم : فالذُّنوب ، وأما دواؤكم : فالاستغفار ".(32)
(10)الاستغفار خير علاج لكيد الشيطان للإنسان :
عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إِنَّ الشَّيْطَانَ قَالَ وَعِزَّتِكَ يَا رَبِّ لَا أَبْرَحُ أُغْوِي عِبَادَكَ مَا دَامَتْ أَرْوَاحُهُمْ فِي أَجْسَادِهِمْ قَالَ الرَّبُّ وَعِزَّتِي وَجَلَالِي لَا أَزَالُ أَغْفِرُ لَهُمْ مَا اسْتَغْفَرُونِي".(33)
" إن الشيطان " لفظ رواية أحمد" إن إبليس" بدل" الشيطان " قال: وعزتك " أي: وقوتك وشدتك
" يا رب لا أبرح أغوي": أي لا أزال أضل " عبادك " الآدميين المكلفين. يعني لاجتهدن في إغوائهم بأي طريق ممكن
" ما دامت أرواحهم في أجسادهم ": أي مدة دوامها فيها " فقال الرب:" وعزتي وجلالي لا أزال أغفر لهم ما استغفروني ": أي: طلبوا مني الغفران. أي الستر لذنبهم مع الندم على ما كان منهم ،والإقلاع والخروج من المظالم،والعزم على عدم العود، إلى الاسترسال مع اللعن .وظاهر الخير أن غير المخلصين ناجون من الشيطان وليس في آية " لأغوينهم أجمعين إلا عبادك منهم المخلصين " ما يدل على اختصاص النجاة بهم كما وهم لأن قيد قوله تعالى " ممن اتبعك " أخرج العاصين المستغفرين إذ معناه ممن اتبعك واستمر على المتابعة، ولم يرجع إلى الله ولم يستغفر ،ثم في إشعار الخبر توهين لكيد الشيطان، ووعد كريم من الرحمن بالغفران.
وقال: لكن إياك أن تقول: إن الله يغفر الذنوب للعصاة، فأعصى وهو غني عن عملي، فإن هذه كلمة حق أريد بها باطل، وصاحبها ملقب بالحماقة بنص خبر : الأحمق من أتبع نفسه هواها ،وتمنى على الله الأماني. وقولك هذا يضاهي من يريد أن يكون فقيهًا في علوم الدين فاشتغل عنها بالبطالة، وقال: إنه تعالى قادر على أن يفيض على قلبي من العلوم ، ما أفاضه على قلوب أنبيائه وأصفيائه بغير جهد وتعلم، فمن قال ذلك ضحك عليه أرباب البصائر ،وكيف تطلب المعرفة من غير سعي لها ،والله يقول " وأن ليس للإنسان إلا ما سعى " " وإنما تجزون ما كنتم تعملون".(34)
وعن خالد بن أبي عزة أن عليا أَتَاهُ رَجُلٌ , فَقَالَ : مَا تَرَى فِي رَجُلٍ أَذْنَبَ ذَنْبًا قَالَ : " يَسْتَغْفِرُ اللَّهَ وَيَتُوبُ إِلَيْهِ " قَالَ : قَدْ فَعَلَ , ثُمَّ عَادَ . قَالَ : " يَسْتَغْفِرُ اللَّهَ وَيَتُوبُ إِلَيْهِ . قَالَ : قَدْ فَعَلَ , ثُمَّ عَادَ . قَالَ :" يَسْتَغْفِرُ اللَّهَ , ثُمَّ يَتُوبُ إِلَيْهِ " , فَقَالَ لَهُ فِي الرَّابِعَةِ : قَدْ فَعَلَ , ثُمَّ عَادَ , فَقَالَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : حَتَّى مَتَى "، ثُمَّ قَالَ : " يَسْتَغْفِرُ اللَّهَ وَيَتُوبُ إِلَيْهِ وَلَا يَمَلُّ حَتَّى يَكُونَ الشَّيْطَانُ هُوَ الْمَحْسُورُ ".(35)
وقال حماد بن سلمة: قال ثابت أن أبا العالية قال : إني لأرجو أن لا يهلك عبد بين نعمتين ، نعمة يحمد الله عليها ، وذنب يستغفر الله منه.(36)
(11)انتفاع الوالد باستغفار ولده له :
عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « إِذَا مَاتَ الإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ إِلاَّ مِنْ ثَلاَثَةٍ إِلاَّ مِنْ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ ».(37)
وعنه رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:"إِنَّ اللَّهَ لَيُبَلِّغُ الْعَبْدَ الدَّرَجَةَ، فَيَقُولُ: يَا رَبِّ، أَنَّى لِي هَذِهِ الدَّرَجَةُ؟ فَيَقُولُ: بِاسْتِغْفَارِ وَلَدِكَ لَكَ".(38)
دل به على أن الاستغفار يحط الذنوب ويرفع الدرجات ، وعلى أنه يرفع درجات أصل المستغفر
له إلى ما لم يبلغه بعمله، فما بالك في العامل المستغفر، ولو لم يكن في النكاح فضل إلا هذا لكفى.(39)
وَعَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُوْلُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - :«سَبْعٌ يُجْرَى لِلْعَبْدِ أَجْرُهُنَّ بَعْدَ مَوْتِهِ وَهُوَ فِي قَبْرِهِ : مَنْ عَلَّمَ عِلْماً ، أَوْ كَري(1) نَهْراً ، أَوْ حَفَرَ بِئْراً ، أَوْ غَرَسَ نَخْلاً ، أَوْ بَنَى مَسْجِداً ، أَوْ وَرَّثَ مُصْحَفاً ، أَوْ تَرَكَ وَلَداً يَسْتَغْفِرُ لَهُ بَعْدَ مَوْتِهِ».(40)
(12)فضائل كثرة الاستغفار :
عَنِ الزُّبَيْرِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : " مَنْ أَحَبَّ أَنْ تَسُرَّهُ صَحِيفَتُهُ فَلْيُكْثِرْ فِيهَا مِنَ الاسْتِغْفَارِ ". (41)
وعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ بُسْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُوْلُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : «طُوبَى لِمَنْ وَجَدَ فِي صَحِيْفَتِهِ اسْتِغْفَاراً كَثِيراً».(42)
وَعَنْ يَسَارِ بْنِ زَيْدٍ ، مَوْلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ، قَالَ : حَدَّثَنِي أَبِي ، سَمِعَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: مَنْ قَالَ : أَسْتَغْفِرُ اللهَ ، الَّذِي لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ ، الْحَيُّ الْقَيُّومَ ، وَأَتُوبُ إِلَيْهِ ، غُفِرَ لَهُ ، وَإِنْ كَانَ فَرَّ مِنَ الزَّحْفِ.(43)
وعن عكرمة ، قَالَ : قال أبو هريرة : إِنِّي لَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ وَأَتُوبُ إِلَيْهِ كُلَّ يَوْمٍ اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفَ مَرَّةَ ، وَذَلِكَ عَلَى قَدْرِ دِيَتِي ".(44)
وعن همام بن منبه بن كعب – رحمه الله-- : إن العبد ليذنب الذنب الصغير فيحقره ، و لا يندم عليه ،ولا يستغفر منه ، فيعظم عند الله حتى يكون مثل الطود، ويعمل الذنب العظيم فيندم عليه ، ويستغفر منه الله عز وجل حتى يغفر له.(45)
ولذا قال بعض السلف: لا كبيرة مع الاستغفار ، ولا صغيرة مع الإصرار.
وعَنْ أَبِي سَعِيدٍ ، قَالَ : سَمِعْتُ الْحَسَنَ ، يَقُولُ : " أَكْثِرُوا مِنَ الِاسْتِغْفَارِ فِي بُيُوتِكُمْ ، وَعَلَى مَوَائِدِكُمْ ، وَفِي طُرُقِكُمْ ، وَفِي أَسْوَاقِكُمْ ، وَفِي مَجَالِسِكُمْ ، أَيْنَمَا كُنْتُمْ فَإِنَّكُمْ مَا تَدْرُونَ مَتَى تَنْزِلُ الْمَغْفِرَةُ ".(46)
وقَالَ رِيَاحُ بْنُ عَمْرٍو الْقَيْسِيُّ: لِي نَيِّفٌ وَأَرْبَعُونَ ذَنْبًا ،قَدِ اسْتَغْفَرْتُ لِكُلِّ ذَنْبٍ مِائَةَ أَلْفِ مَرَّةٍ ".(47)
وقال بعضهم : إنَّما مُعوَّلُ المذنبين البكاء والاستغفار ، فمن أهمته ذنوبه ، أكثر لها من الاستغفار .
(13) للاستغفار أهمية عظيمة:
فهو مطلب إلهي ، ومراد رباني ، طلبه الله لنفسه، وارتضاه من عباده، واختاره لتكفير ذنوب المقربين، وأحبه ليطهرهم من سيئاتهم ، وأنزله في كتابه، وأرسل به رسله .
والاستغفار : عمل الأنبياء، ودعوة المرسلين، وشغلهم الشاغل،أكثروا منه بالليل والنهار، مع خلوهم من أسبابه، وبعدهم من دائه.
وهو: عمل الصالحين، وذكر المقربين ، ودأب المؤمنين، وسبيل المتقين، ونجاة السالكين، ومحب الراغبين، وطريق الفالحين، ومقيل عثرات العاثرين، وتفريج لهموم المهمومين، ودواء للعصاة والمذنبين.
وهو: مفتاح التوبة، وطريق العودة، وسبيل المغفرة، وبداية الاعتذار، والصلح مع الله رب العالمين.
وهو: مطهر البدن من الذنوب ، وتنظيف القلب من الران، وسبب لعدم تكديس المعاصي على العبد، وهو أقرب طريق لجلب رحمة الله تعالى.
والاستغفار: مسلك الأبرار، والساهرين للأسحار، وتوبة المذنبين بالليل والنهار.
والاستغفار : عبادة اللسان ، وتوبة المقال ، والاعتذار في الحال ، والنجاة في المآل ، وفيه صلاح الأهل والمال .
والاستغفار: سم الشيطان، وترياق الإنسان ، وطرد للنسيان.
والاستغفار: يرد القلب أساريره ، ويعيد النور للوجوه، العابسة، ويخلص البال من شغله ، والفكر من همه.(48)
ــــــــــــــــــــــــ
(1)مسلم (2577)
(2) أخرجه أحمد( 2/296، 405، 492) ، والبخاري(7507) ومسلم (2758) واللفظ له.
(3)أحمد ، ومسلم (2749).
(4)صحيح : انظر" صحيح الجامع"(5253) عن أبي هريرة رضي الله عنه
(5)رواه مسلم ( 2748).
(6)حسن : أخرجه الترمذي ، وقال حديث حسن ، الضياء ، وانظر " صحيح الجامع " (4338) ،"المشكاة " (2336)
(7)أحمد (24665) ، مختصر مسلم (88)،ابن حبان (330)، " صحيح الجامع (7806)
("المُفْهِمْ لِمَا أَشْكَلَ مِنْ تلخيصِ كتابِ مُسْلِمْ "للإمام أحمَدُ بن أبي حَفْصٍ عُمَرَ بنِ إبراهيمَ الحافظ الأنصاريُّ القرطبيُّ.
(9)البخاري (5191)
(10)رواه مسلم .
(11)صحيح موقوف: رواه أحمد في المسند(3627،3629) تعليق شعيب الأرنؤوط : إسناده صحيح،والترمذي(2497)،ومسند أبو يعلى(5177).
(12)صحيح: أخرجه أبو داود (1/1194) وذكر فيه ركوعًا واحدًا ، والنسائي (3/1495 ) ؛احمد في مسنده (2/159 ،163 ،188، 198) ، وابن خزيمة (901 ، 1389 ، 1392، 1393) من طريق عطاء بن السائب عن أبيه عن عبد الله بن عمرو بن العاص؛ وصحح إسناده العلامة أحمد شاكر رحمه الله ،وصححه الألباني في " مختصر الشمائل" (288)
(13)متفق عليه.
(14)" فيض القدير" (4/179).
(15)" تفسير الجلالين " ط.دار الحديث(ص:331)الطبعة الثالثة
(16)" شعب الإيمان" للبيهقي(7092).
(17)حسن : أخرجه أحمد (2/297) ) ، والترمذي (3334)،وابن ماجة ، وابن حبان ، وحسنه الألباني في" صحيح الجامع" (1670)"
(18)صحيح : رواه أبو داود ، والترمذي ، وصححه الألباني في" صحيح الجامع" (2069)،و "الصحيحة"
(1653).
(19)ضعيف: انظر" ضعيف الجامع للألباني(5471)
(20)رواه مسلم.
(21)" تطريز رياض الصالحين"فيصل بن عبد العزيز آل مبارك" المكتبة الشاملة.
(22)أخرجه احمد(20234) ،وابن حبان في " صحيحه" (2431 - موارد )وصحح سنده على شرط الشيخين الألباني في تحقيقه لرياض الصالحين " (1495)
(23)رواه أبو داود(832) ؛والنسائي ،وانتهت روايته عند " إلا بالله " وقال الألباني في" مشكاة المصابيح" (858): سنده حسن .
(24) البخاري (834، 6326 ،7387) ، مسلم (2705) .
(25)جسن: رواه الترمذي (3500) ،وأخرجه أحمد في " مسنده عن رجل من بني حنظلة ، وحسنه الألباني في " صحيح الجامع " (1265) .[1]
(26)مسلم (1007).
(27)البخاري (6306) .
(28)رواه البخاري ومسلم عن أبي سعيد ، ومسلم والترمذي عن أبي هريرة ، ومسلم عن بن عمر.
(29)مسلم (2577) .
(30)صحيح :رواه أحمد(47،56)وقال شعيب الأرنؤوط : إسناده صحيح ، و أبو داود (1521)وصححه الألباني،والترمذي(406،3006)،وحسنه الألباني.
(31)حسن : رواه ، وحسنه الألباني في صحيح الجامع" (2097)،و" الصحيحة(1209).
(32)"شعب الإيمان" للإمام البيهقي-رحمه الله-(6883 ).
(33)حسن : رواه أحمد وأبو يعلى ،والحاكم قي" المستدرك" انظر" صحيح الجامع" (1650)،
و" الصحيحة" (604).
(34)"فيض القدير"(2/351).
(35) "الزهد" لهناد بن السري(904 ) ومسند البزار(6913) .
(36)رواه أبو نعيم في" الحلية"(2/219)،والذهبي في"سير أعلام النبلاء" (4/210).
(37) مسلم.
(38) أحمد في المسند (8540) ،والدارمي (3464)، وابن ماجة (3660) وقال البوصيري : إسناده صحيح، ورجاله ثقات.
(39)" فيض القدير"(2/339)
(40)حسن : أخرجه البزار، وسموية ،وحسنه الألباني في" صحيح الجامع" (3602)، و"صحيح الترغيب(1/55).
(41)حسن : رواه ، وحسنه الألباني في "صحيح الجامع"(5955)،و" الصحيحة(2299).
(42)صحيح:رواه ابن ماجة، ورواه أبو نعيم في" الحلية " عن عائشة، وأحمد في" الزهد " عن أبي الدرداء موقوفاً ، وصححه الألباني في" صحيح الجامع"(3930).
(43)صحيح : رواه أبي داود (1517)،والترمذي (3577) ، وصححه الألباني في " صحيح أبي داود (1358)، " السلسلة الصحيحة " (2727).
(44)رواه أبو نعيم في" الحلية" (1/383).
الدية : مال يعطى لولي المقتول مقابل النفس ،أو مال يعطى للمصاب مقابل إصابة أو تلف عضو من الجسم.
(45)انظر" شعب الإيمان " للبيهقي أرقام (7092،7146،7151).
(46)"التوبة"لابن أبي الدنيا(151)،و" جامع العلوم والحكم" (2/408).
(47)التَّوْبَةُ لِابْنِ أَبِي الدُّنْيَا (173 ) ،و" الحلية"(6/194). - النيف : ما زاد على العَقْدِ من واحد إلى ثلاثة.
(48)"تذكير الأبرار بأهمية الاستغفار " لفضيلة الشيخ حلمي الرشيدي.ط.دار الإيمان (ص:7-.
ــــــــــــــــــــــــــ
تم بحمد الله وتوفيقه
وجزاكم الله خيرًا
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته,
الحمد لله ،وأشهد أن لا إله إلا الله ، وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم
الاستغفار:
تعريف الاستغفار:
الاستغفار في اللّغة طلب المغفرة ، وأصل الغفر التّغطية والسّتر ، يقال : غفر اللّه ذنوبه أي سترها.
وَقَالَ شَيْخُ الإِسْلامِ ابْن تَيْمِيَّةَ رَحِمَهُ الله: المَغْفِرَةُ مَعْنَاهَا وِقَايَةُ شَرِّ الذَّنْبِ بِحَيْثُ لا يُعَاقَبُ عَلَى الذَّنْبِ، فَمَنْ غُفِرَ ذَنْبَهُ لَمْ يُعَاقَبْ عَلَيْهِ.
وَقَالَ رَحِمَهُ الله: فَمَنْ غُفِرَ لَهُ لَمْ يُعَذَّبْ وَمَنْ لَمْ يُغْفَرْ لَهُ عُذِّبْ وَهَذَا مَذْهَبُ الصَّحَابَةِ وَالسَّلَفِ وَالأَئِمَةِ.
وفي الاصطلاح طلب المغفرة بالدّعاء والتّوبة أو غيرهما من الطّاعة.
حث الله تعالى نبيه محمد صلى الله عليه وسلم على سؤاله المغفرة :
قال تعالى : " وَاسْتَغْفِرِ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا" ** النساء : 106 }
وقال تعالى : " فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا "{النصر :3}
وقال الله تعالى : " وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ " {محمد : 19}
حث الله سبحانه وتعالى عباده المؤمنين وجميع خلقه على طلب المغفرة :
قال تعالى : " وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ " {البقرة:221}
قال تعالى : " وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ " **** عمران : 133}
وقال تعالى : " وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ "{البقرة:199}
وقال تعالى:" قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ "** فصلت: 6}
حتى أولئك الذين أسرفوا على أنفسهم بمعصيتهم لربهم ، لقوله تعالى : " قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ "{الزمر:53}
وقوله تعالى : " وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا "** النساء : 110}
وقوله تعالى: " نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (49) وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الْأَلِيمُ "{الحجر: 49-50}
وينادي الله على عباده ويحثهم سبحانه على سؤاله المغفرة لذنوبهم كما في الحديث القدسي : " : " ....، يَا عِبَادِي، إِنَّكُمْ تُخْطِئُونَ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، وَأَنَا أَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا ، فَاسْتَغْفِرُونِي أَغْفِرْ لَكُمْ "الحديث .(1)
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ : عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فِيمَا يَحْكِي عَنْ رَبِّهِ عَزَّ وُجَلَّ قَالَ :«أَذْنَبَ عَبْدُ ذَنْباً ، فَقَالَ : اللَّهُمَّ! اغْفِر لِي ذَنْبِي ، فَقَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى : أذْنَبَ عَبْدِي ذَنْباً ، فَعَلِمَ أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ ، وَيَأْخُذُ بِالذَّنْبِ ، ثُمَّ عَادَ فَأَذْنَبَ ، فَقَالَ : أَيْ رَبِّ اغْفِرْ لِي ذَنْبِي ، فَقَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى : عَبْدِي أذْنَبَ ذَنْباً ، فَعَلِمَ أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ ، وَيَأْخُذُ بِالذَّنْبِ ، ثُمَّ عَادَ فَأَذْنَبَ ، فَقَالَ : أَيْ رَبِّ : اغْفِرْ لِي ذَنْبِي ، فَقَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى : أذْنَبَ عَبْدِي ذَنْباً ، فَعَلِمَ أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ ، وَيَأْخُذُ بِالذَّنْبِ ، اعْمَلْ مَا شِئْتَ فَقَدْ غَفَرتُ لَكَ ".(2)
وعَنْهُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- :« وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ لَمْ تُذْنِبُوا لَذَهَبَ اللَّهُ بِكُمْ، وَلَجَاءَ بِقَوْمٍ يُذْنِبُونَ ،فَيَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ فَيَغْفِرُ لَهُمْ ».(3)
وفي رواية لأحمد والترمذي:" لَوْ لَمْ تُذْنِبُوا لَذَهَبَ اللَّهُ بِكُمْ وَلَجَاءَ بِقَوْمٍ يُذْنِبُونَ فَيَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ فَيَغْفِرُ لَهُمْ ". (4)
وَعَنْ أَبِي أَيُّوبَ أَنَّهُ قَالَ حِينَ حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ: كُنْتُ كَتَمْتُ عَنْكُمْ شَيْئًا سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:" لَوْلَا أَنَّكُمْ تُذْنِبُونَ ،لَخَلَقَ اللَّهُ خَلْقًا يُذْنِبُونَ يَغْفِرُ لَهُمْ".(5)
وعن أنس بن مالك - رضي الله عنه - : قال : سمعتُ النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- يقول :
« قَالَ الله تَعَالَى : يَا ابْنَ آدَمَ ، إنَّكَ ما دَعَوْتَنِي وَرَجَوْتَنِي ، غَفَرْتُ لَكَ عَلَى مَا كَانَ مِنْكَ وَلا أُبَالِي . يَا ابْنَ آدَمَ ، لَوْ بَلَغت ذُنُوبُك عَنَانَ السماءِ ، ثُمَّ اسْتَغْفَرْتَنِي غَفَرْتُ لَكَ وَلا أُبَالِي ، يَا ابْنَ آدَمَ ، إِنَّكَ لَوْ أتَيْتَنِي بِقُرَابِ الأَرْضِ خَطَايا ، ثُمَّ لَقَيْتَنِي لا تُشْرِكُ بِي شَيْئاً ، لأَتَيْتُكَ بقُرَابِها مَغْفِرَةً » .(6)
من فضائل الاستغفار:
(1)مغفرة الله تعالى للمستغفرين :
قال تعالى:" وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا "{النساء: 110}،
وقوله تعالى : " وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا"{النساء:64}،وقوله تعالى :" وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ (135) أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ " **** عمران:135-136}.
(2)الاستغفار دلالة على الإيمان :
عن عَائِشَةَ رضي الله عنها ، قالت : قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ ، ابْنُ جُدْعَانَ كَانَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ يَصِلُ الرَّحِمَ ،وَيُطْعِمُ الْمِسْكِينَ ، فَهَلْ ذَاكَ نَافِعُهُ ؟ قَالَ : "لَا يَنْفَعُهُ ، إِنَّهُ لَمْ يَقُلْ يَوْمًا : رَبِّ اغْفِرْ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ" .(7)
قول أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها : " هل ذلك نافعه ؟ " معناه . هل ذلك مخلصه من عذاب الله المستحق بالكفر ، فأجابها بنفي ذلك ، وعلله بأنه لم يؤمن . وعبّر عن الإيمان ببعض ما يدلّ عليه وهو قوله : " لم يقل يومًا ربِّ اغفر لي خطيئتي يوم الدين ". (
والدليل على ذلك قوله تعالى عن نبيه إبراهيم عليه الصلاة والسلام :" وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ"{الشعراء:82}
وهاهو شاهد إيماني من أمير المؤمنين عمر بن الخطاب نحو سؤاله رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن يستغفر له عما بدر منه ، لما كان عمر رضي الله عنه في بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أن اعتزل نساءه في المشربية وكانوا يظنون أنه صلى الله عليه وسلم طلق نساءه وجاء ليعظ ابنته حفصة رضي الله عنها قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه : فَجَلَسْتُ حِينَ رَأَيْتُهُ تَبَسَّمَ ،فَرَفَعْتُ بَصَرِي فِي بَيْتِهِ فَوَ اللَّهِ مَا رَأَيْتُ فِي بَيْتِهِ شَيْئًا يَرُدُّ الْبَصَرَ غَيْرَ أَهَبَةٍ ثَلَاثَةٍ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! ادْعُ اللَّهَ فَلْيُوَسِّعْ عَلَى أُمَّتِكَ ، فَإِنَّ فَارِسَ وَالرُّومَ قَدْ وُسِّعَ عَلَيْهِمْ وَأُعْطُوا الدُّنْيَا وَهُمْ لَا يَعْبُدُونَ اللَّهَ، فَجَلَسَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَانَ مُتَّكِئًا فَقَالَ:" أَوَفِي هَذَا أَنْتَ يَا ابْنَ الْخَطَّابِ ، إِنَّ أُولَئِكَ قَوْمٌ عُجِّلُوا طَيِّبَاتِهِمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ، فَقُلْتُ :يَا رَسُولَ اللَّهِ! اسْتَغْفِرْ لِي . . ."الحديث
(9)
ويدل على ذلك أيضاً حال المنافقين من الإعراض عن سؤال المغفرة ، لقوله تعالى :" وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا"{النساء:64 }
ولقوله تعالى:" وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللَّهِ لَوَّوْا رُءُوسَهُمْ وَرَأَيْتَهُمْ يَصُدُّونَ وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ"{المنافقون :5}
وفي قصة الأعرابي الذي أعرض عن سؤال رسول الله صلى الله وعليه وسلم له المغفرة ،وأخبر بأنه لأن يحد جمله الأحمر خير له ،شاهد كاف أيضًا من السنة على ذلك، فَعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:" مَنْ يَصْعَدُ الثَّنِيَّةَ ثَنِيَّةَ الْمُرَارِ ،فَإِنَّهُ يُحَطُّ عَنْهُ مَا حُطَّ عَنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ ،قَالَ: فَكَانَ أَوَّلَ مَنْ صَعِدَهَا خَيْلُنَا خَيْلُ بَنِي الْخَزْرَجِ، ثُمَّ تَتَامَّ النَّاسُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :"وَكُلُّكُمْ مَغْفُورٌ لَهُ إِلَّا صَاحِبَ الْجَمَلِ الْأَحْمَرِ"فَأَتَيْنَاهُ فَقُلْنَا لَهُ :تَعَالَ يَسْتَغْفِرْ لَكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: وَاللَّهِ لَأَنْ أَجِدَ ضَالَّتِي أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ يَسْتَغْفِرَ لِي صَاحِبُكُمْ. قَالَ: وَكَانَ رَجُلٌ يَنْشُدُ ضَالَّةً لَهُ.(10)
وحتى طلبهم من رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يستغفر لهم لتخلفهم عن غزوة تبوك كان قولا بألسنتهم دون عمل قلوبهم لكذبهم في اعتذارهم ، لقوله تعالى : " سَيَقُولُ لَكَ الْمُخَلَّفُونَ مِنَ الْأَعْرَابِ شَغَلَتْنَا أَمْوَالُنَا وَأَهْلُونَا فَاسْتَغْفِرْ لَنَا يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ " ** الفتح :11}
وعَنْ عُمَارَةَ عَنْ الْأَسْوَدِ قَالَا: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ إِنَّ الْمُؤْمِنَ يَرَى ذُنُوبَهُ كَأَنَّهُ فِي أَصْلِ جَبَلٍ يَخَافُ أَنْ يَقَعَ عَلَيْهِ وَإِنَّ الْفَاجِرَ يَرَى ذُنُوبَهُ كَذُبَابٍ وَقَعَ عَلَى أَنْفِهِ فَقَالَ بِهِ هَكَذَا فَطَارَ.(11)
(3)رفع العذاب وجلب الرحمة بالاستغفار:
لقوله تعالى : " وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ "{الأنفال:33}
وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو- رضي الله عنهما - قَالَ: « انْكَسَفَتِ الشَّمْسُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَلَمْ يَكَدْ يَرْكَعُ ،ثُمَّ رَكَعَ فَلَمْ يَكَدْ يَرْفَعُ، ثُمَّ رَفَعَ فَلَمْ يَكَدْ يَسْجُدُ ، ثُمَّ سَجَدَ فَلَمْ يَكَدْ يَرْفَعُ، ثُمَّ رَفَعَ فَلَمْ يَكَدْ يَسْجُدُ ،ثُمَّ سَجَدَ فَلَمْ يَكَدْ يَرْفَعُ، ثُمَّ رَفَعَ، وَفَعَلَ فِي الرَّكْعَةِ الأُخْرَى مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ نَفَخَ فِي آخِرِ سُجُودِهِ ،فَقَالَ: أُفْ ، أُفْ ، ثُمَّ قَالَ « رَبِّ، أَلَمْ تَعِدْنِي أَنْ لاَ تُعَذِّبَهُمْ ،وَأَنَا فِيهِمْ ؟أَلَمْ تَعِدْنِي أَنْ لاَ تُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ؟ فَفَرَغَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- مِنْ صَلاَتِهِ وَقَدْ أَمْحَصَتِ الشَّمْسُ وَسَاقَ الْحَدِيثَ.".(12)
وعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال:أمران نجى الله بهما أمة محمد صلى الله عليه وسلم من العذاب ، رفع واحد ، وبقى الثاني. قيل : يا أمير المؤمنين فما هما؟ قال : يقول الله تعالى: " وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ "{الأنفال:33}
وقد رُفع النبي صلى الله عليه وسلم ، وبقي الاستغفار.
فمن داوم عليه مخلصًا منيبًا ... حرم جسده على النار .
وقال أيضاً : العجب ممن يهلك ومعه النجاة. قيل : وما هي ؟ قال : الاستغفار.
وقوله تعالى: " مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ وَكَانَ اللَّهُ شَاكِرًا عَلِيمًا "{النساء: 147}
وقوله تعالى :" وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جَاءَهُمُ الْهُدَى وَيَسْتَغْفِرُوا رَبَّهُمْ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمْ سُنَّةُ الْأَوَّلِينَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ قُبُلًا " {الكهف:55}
وسنة الأولين : العذاب الذي يرسله الله على المكذبين للرسل
وفي حال خسوف الشمس أو القمر ، لقوله صلى الله عليه وسلم : " فَإِذَا رَأَيْتُمْ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ، فَافْزَعُوا إِلَى ذِكْرِهِ، وَدُعَائِهِ ،وَاسْتِغْفَارِهِ". (13)
وأما الدليل على أنه من أسباب جلب الرحمة وذلك لقوله تعالى عن نبيه صالح لقومه : " قَالَ يَا قَوْمِ لِمَ تَسْتَعْجِلُونَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ لَوْلَا تَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ "{النمل:46}
وقال الإمام الشوكاني – رحمه الله- : لم تؤخرون الإيمان الذي يجلب إليكم الثواب ، وتقدمون الكفر الذي يجلب لكم العقوبة ؟ هلا تستغفرون الله وتتوبون إليه من الشرك ، رجاء أن تُرحموا ، أو كي تُرحموا فلا تُعذبوا ، فإن استعجال الخير أولى من استعجال الشر.(14)
وفي قوله تعالى: " قَالَتْ رُسُلُهُمْ أَفِي اللَّهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَدْعُوكُمْ لِيَغْفِرَ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرَكُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى " {إبراهيم :10}
وفي تفسير الجلالين لقوله تعالى:" ليغفر لكم من ذنوبكم "من زائدة فإن الإسلام يغفر ما قبله ، أو تبعيضه لإخراج حق العباد "ويؤخركم " بلا عذاب " إلى أجل مسمى "أجل الموت.(15)
وعن السماك بن حرب عن النعمان بن بشير رضي الله عنه في قوله تعالى: " وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ "{البقرة: 195} يقول : إذا أذنب أحدكم فلا يُلقين بيده إلى التهلكة ، ولا يقولن لا توبة لي ، ولكن ليستغفر الله وليتب إليه ، فإن الله غفور رحيم.(16)
(4)الاستغفار بعد الذنب سبب لصلاح القلب :
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:إِنَّ الْمُؤْمِنَ إِذَا أَذْنَبَ كَانَتْ نُكْتَةٌ سَوْدَاءُ فِي قَلْبِهِ ، فَإِنْ تَابَ وَنَزَعَ وَاسْتَغْفَرَ صُقِلَ قَلْبُهُ ، وَإِنْ زَادَ زَادَتْ حَتَّى يَعْلُوَ قَلْبَهُ ذَاكَ الرَّيْنُ الَّذِي ذَكَرَ اللهُ ، عَزَّ وَجَلَّ ، فِي الْقُرْآنِ "كَلاَّ بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ". (17)
(5)إن الله تعالى ليعجب ممن يستغفره عالماً بأنه لا يغفر الذنوب غيره :
عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال :أن رسول لله صلى الله عليه وسلم قال : " إنّ رَبَّكَ لَيَعْجَبُ مِنْ عَبْدِهِ إذا قالَ: رَبِّ اغْفِرْ لي ذُنُوبِي ، وهُو يعْلَمُ أنَّهُ لا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ غَيْرِي ". (18)
(6)الاستغفار من جماع خيري الدنيا والآخرة وتعليمه صلى الله عليه وسلم لمن أسلم وفي الصلاة :
لقوله تعالى عن نبيه نوح عليه السلام لقومه : " فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا (10)
يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا (11) وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا "{نوح : 10-12}
وقد ذكر البخاري – رحمه الله- في" كناب " الدعوات" باب " أفضل الاستغفار " هذه الآية.
وقال الحافظ في" الفتح" (12/82):
وكأن المصنف لمح بذكر هذه الآية إلى أثر الحسن البصري – رحمه الله – أن رجلاً شكا إليه الجدب فقال : استغفر الله . وشكا إليه آخر الفقر فقال : استغفر الله . وشكا إليه آخر جفاف بستانه ، فقال : استغفر الله. وشكا إليه آخر عدم الولد فقال : استغفر الله . ثم تلا هذه الآية.
قال الحافظ : وفي هذه الآية الحث على الاستغفار ، وإشارة إلى وقوع المغفرة لمن استغفر.
ولقوله تعالى عن نبيه هود لقومه : " وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ وَلَا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ " {هود " 52}
وأيضاً : " وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعًا حَسَنًا إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ"** هود: 3}
يقول الإمام ابن كثير – رحمه الله-: وقوله: " وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعًا حَسَنًا إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ " أي: وآمركم بالاستغفار من الذنوب السالفة والتوبة منها إلى الله عز وجل فيما تستقبلونه، وأن تستمروا على ذلك، " يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعًا حَسَنًا " أي: في الدنيا " إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ " أي: في الدار الآخرة، قاله قتادة، كقوله: " مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ " [النحل:97].
وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِىِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « مَنْ أَكْثَرَ مِنَ الاِسْتِغْفَارِ ،جَعَلَ اللَّهُ لَهُ مِنْ كُلِّ هَمٍّ فَرَجاً ،وَمِنْ كُلِّ ضِيقٍ مَخْرَجاً ،وَرَزَقَهُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَحْتَسِبُ ».(19)
وعن طارق بن أَشْيَمَ - رضي الله عنه - قَالَ : كَانَ الرَّجُلُ إِذَا أسْلَمَ عَلَّمَهُ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - الصَّلاَةَ ثُمَّ أمَرَهُ أنْ يَدْعُوَ بِهؤلاَءِ الكَلِمَاتِ : « اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي ، وَارْحَمْنِي ، وَاهْدِني ، وَعَافِني ، وَارْزُقْنِي » .
وفي روايةٍ: أنَّه سمع النبي - صلى الله عليه وسلم - وأتاهُ رَجُلٌ فَقَالَ : يَا رسول اللهِ كَيْفَ أقُولُ حِيْنَ أسْأَلُ رَبِّي ؟ قَالَ : « قُلْ : اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي ، وَارْحَمْنِي ، وَعَافِني ، وارْزُقْنِي ، فإنَّ هؤلاَءِ تَجْمَعُ لَكَ دُنْيَاكَ وَآخِرَتَكَ » .(20)
بدأ بالمغفرة لكونها كالتخلية ، لما فيها من التنزيه من أقذار المعاصي ، وعقبها بالرحمة لكونها كالتحلية ، وعطف عليها الهداية ، عطف خاص على عام ، وبعد تمام المطالب سأل الله العافية ليقدر على الشكر ، وطلب الرزق لتستريح نفسه عن الهم بتحصيله .(21)
وعن عمران بن حصين رضي الله عنه أَنَّ رَجُلاً أَتَى رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم ، فَقَالَ : يَا مُحَمَّدُ ، عَبْدُ الْمُطَّلِبِ خَيْرٌ لِقَوْمِكَ مِنْكَ ، كَانَ يُطْعِمُهُمُ الْكَبِدَ وَالسَّنَامَ ، وَأَنْتَ تَنْحَرُهُمْ ، فَقَالَ لَهُ مَا شَاءَ اللهُ ، فَلَمَّا أَرَادَ أَنْ يَنْصَرِفَ ، قَالَ : مَا أَقُولُ ؟ قَالَ : قُلِ : اللَّهُمَّ قِنِي شَرَّ نَفْسِي ، وَاعْزِمْ لِي عَلَى أَرْشَدِ أَمْرِي ، فَانْطَلَقَ ، وَلَمْ يَكُنْ أَسْلَمَ ، ثُمَّ إِنَّهُ أَسْلَمَ ، فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللهِ ، إِنِّي كُنْتُ أَتَيْتُكَ ، فَقُلْتُ : عَلِّمْنِي ، فَقُلْتَ : اللَّهُمَّ قِنِي شَرَّ نَفْسِي ، وَاعْزِمْ لِي عَلَى أَرْشَدِ أَمْرِي ، فَمَا أَقولُ الآنَ حِينَ أَسْلَمْتُ ؟ قَالَ : قُلِ : اللَّهُمَّ قِنِي شَرَّ نَفْسِي ، وَاعْزِمْ لِي عَلَى أَرْشَدِ أَمْرِي ، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي مَا أَسْرَرْتُ ، وَمَا أَعْلَنْتُ ، وَمَا أَخْطَأْتُ ، وَمَا عَمِدْتُ ، وَمَا جَهِلْتُ.(22)
وََعَنِ ابْنِ أَبِي أَوْفَى، قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ: إِنِّي لَا أَسْتَطِيع أَن آخذ من الْقُرْآن شَيْئا ، فَعَلِّمْنِي مَا يُجْزِئُنِي مِنْهُ. قَالَ: قُلْ سُبْحَانَ اللَّهِ ،وَالْحَمْدُ لِلَّهِ ، وَلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَاللَّهُ أَكْبَرُ ،وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ . قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَذَا لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، فَمَا لِي؟قَالَ:" قُلْ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي ، وَارْحَمْنِي وَعَافِنِي، وَاهْدِنِي، وَارْزُقْنِي ،ثُمَّ أَدْبَرَ وَهُوَ مُمْسِكُ كَفَّيْهِ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:" أَمَّا هَذَا فَقَدْ مَلَأَ يَدَيْهِ مِنْ الْخَيْرِ ".(23)
وعَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ ، أَنَّهُ قَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : عَلِّمْنِي دُعَاءً أَدْعُو بِهِ فِي صَلاتِي ، قَالَ : قُلِ : اللَّهُمَّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي ظُلْمًا كَثِيرًا ، وَلا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ أَنْتَ ، فَاغْفِرْ لِي مَغْفِرَةً مِنْ عِنْدِكِ ، وَارْحَمْنِي إِنَّكَ أَنْتَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ".(24)
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، أَنَّ رَجُلاً ، قَالَ : يَا رَسُولَ اللهِ سَمِعْتُ دُعَاءَكَ اللَّيْلَةَ ، فَالَّذِي وَصَلَ إِلَيَّ مِنْكَ ، مِنْهُ ، أَنَّكَ تَقُولُ : اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي ذَنْبِي ، وَوَسِّعْ لِي فِي دَارِي ، وَبَارِكْ لِي فِيمَا رَزَقْتَنِي ، فَقَالَ : هَلْ تَرَاهُنَّ تَرَكْنَ شَيْئًا؟(25)
(7)الاستغفار من أسباب الفوز العظيم بأن يزحزح العبد عن النار ويدخل الجنة:
لقوله تعالى : " كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ "**** عمران:185}
وَعَنْ عَبْدِ اللَّه بْنِ فَرُّوخَ ؛ انَّهُ سَمِعَ عَائِشَةَ تَقُولُ : إِنَّ رَسُولَ اللهِِ صلى الله عليه وسلم قَالَ :إِنَّهُ خُلِقَ كُلُّ إِنْسَانٍ مِنْ بَنِي ادَمَ عَلَى سِتِّينَ وَثَلاثِمَائَةِ مَفْصِلٍ . فَمَنْ كَبَّرَ اللَّه ، وَحَمِدَ اللَّه ، وَهَلَّلَ اللَّهَ ، وَسَبَّحَ اللَّهَ ، وَاسْتَغْفَرَ اللَّهَ ، وَعَزَلَ حَجَرًا عَنْ طَرِيقِ النَّاسِ ، أوْ شَوْكَةً أوْ عَظْمًا عَنْ طَرِيقِ النَّاسِ ، وَأمَرَ بِمَعْرُوفٍ ، أوْ نَهَى عَنْ مُنْكَرٍ ، عَدَدَ تِلْكَ السِّتِّينَ وَالثَّلاثِمِائَةِ السُّلامَى فَإِنَّهُ يَمْشِى يَوْمَئِذٍ وَقَدْ زَحْزَحَ نَفْسَهُ عَنِ النَّارِ. قَالَ أبُو تَوْبَةَ : وَرُبَّمَا قَالَ يُمْسِى. (26)
وَعَنْ شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ : عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ :«سَيّدُ الاسْتِغْفَارِ
أنْ تَقُولُ : اللَّهُمَّ! أَنْتَ رِبِّي لاَ إِلَهَ إِلاًّ أَنْتَ ، خَلَقْتَنِي وَأَنَا عَبْدُكَ ، وَأَنَا عَلَى عَهْدِكَ وَوَعْدِكَ مَا اسْتَطَعْتُ ، أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا صَنَعْتُ ، أَبُوءُ لَكَ بِنِعْمَتِكَ عَلَيَّ وَأَبُوءُ لَكَ بِذَنْبِي فَاغْفِرْ لِي ، فَإِنَّهُ لاَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ أَنْتَ». قَالَ :«وَمَنْ قَالَهَا مِنَ النَّهَارِ مُوقِناً بِهَا ، فَمَاتَ مِنْ يَوْمِهِ قَبْلَ أَنْ يُمْسِي ، فَهُوَ مِنْ أَهْلِ الجنة ، وَمَنْ قَالَهَا مِنَ اللَّيْلِ وَهُوَ مُوْقِنٌ بِهَا ، فَمَاتَ قَبْلَ أَنْ يُصْبِحَ ، فَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ». (27)
ولهذا يأمر النبي صلى الله عليه وسلم معشر النساء أن يتصدقن ويكثرن من الاستغفار ،لكونهن أكثر أهل النار،لأنهن يكثرن اللعن، ويكفرن العشير، فعن أبي سعيد ، وابن عمر وأبي هريرة، أن رسول الله عليه وسلم قال : " يَا مَعْشَرَ النِّسَاءِ تَصَدَّقْنَ ،وَأَكْثِرْنَ الاسْتِغْفَارَ ،فَإِنِّي رَأَيْتُكُنَّ أَكْثَرَ أَهْلِ النَّارِ ،إِنِّكُنَّ تُكْثِرْنَ اللَّعْنَ ،وَتَكْفُرْنَ الْعَشِيرَ ،مَا رَأَيْتُ مِنْ نَاقِصَاتِ عَقْلٍ وَدِينٍ أَغلَبَ لِذِي لُبَ مِنْكُنَّ ، أَمَّا نُقْصَانُ الْعَقْلِ فَشَهَادَةُ امْرَأَتَيْنِ تَعْدِلُ شَهَادَةَ رَجُلٍ فَهذَا نُقْصَانُ الْعَقْلِ ، وَتَمْكُثُ اللَّيَالِيَ مَا تُصَلِّي وَتُفْطِرُ في رَمَضَانَ فَهذَا نُقْصَانُ الدِّينِ ".(28)
(الاستغفار من أسباب النصر على الأعداء :
لقوله تعالى :"آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ (285) لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلَانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (286){البقرة:286}
ولقوله تعالى عن المؤمنين حواريي الأنبياء عليهم السلام :" وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ (146) وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (147) فَآتَاهُمُ اللَّهُ ثَوَابَ الدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَوَابِ الْآخِرَةِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (148)**** عمران : 146-147}
(9)سقوط الإثم لمسارعة العبد بالتوبة والاستغفار :
لقوله تعالى:"وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا"{النساء:110}
يقول الإمام السعدي - رحمه الله -: أي : من تجرأ على المعاصي واقتحم على الإثم ثم استغفر الله استغفارا تاما يستلزم الإقرار بالذنب والندم عليه والإقلاع والعزم على أن لا يعود. فهذا قد وعده من لا يخلف الميعاد بالمغفرة والرحمة.
فيغفر له ما صدر منه من الذنب، ويزيل عنه ما ترتب عليه من النقص والعيب، ويعيد إليه ما تقدم من الأعمال الصالحة، ويوفقه فيما يستقبله من عمره، ولا يجعل ذنبه حائلا عن توفيقه، لأنه قد غفره، وإذا غفره غفر ما يترتب عليه.
واعلم أن عمل السوء عند الإطلاق يشمل سائر المعاصي، الصغيرة والكبيرة، وسمي "سوءًا" لكونه يسوء عامله بعقوبته، ولكونه في نفسه سيئًا غير حسن.
وكذلك ظلم النفس عند الإطلاق يشمل ظلمها بالشرك فما دونه. ولكن عند اقتران أحدهما بالآخر قد يفسر كل واحد منهما بما يناسبه، فيفسر عمل السوء هنا بالظلم الذي يسوء الناس، وهو ظلمهم في دمائهم وأموالهم وأعراضهم.
ويفسر ظلم النفس بالظلم والمعاصي التي بين الله وبين عبده، وسمي ظلم النفس "ظلما" لأن نفس العبد ليست ملكا له يتصرف فيها بما يشاء، وإنما هي ملك لله تعالى قد جعلها أمانة عند العبد وأمره أن يقيمها على طريق العدل، بإلزامها للصراط المستقيم علمًا وعملا فيسعى في تعليمها ما أمر به ويسعى في العمل بما يجب، فسعيه في غير هذا الطريق ظلم لنفسه وخيانة وعدول بها عن العدل، الذي ضده الجور والظلم.
وكما في الحديث القدسي: " ....، يَا عِبَادِي، إِنَّكُمْ تُخْطِئُونَ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، وَأَنَا أَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا ، فَاسْتَغْفِرُونِي أَغْفِرْ لَكُمْ "الحديث .(29)
وعَنْ أَسْمَاءَ بْنِ الْحَكَمِ الْفَزَارِىِّ، قَالَ: سَمِعْتُ عَلِيًّا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ – يَقُولُ: كُنْتُ رَجُلاً إِذَا سَمِعْتُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- حَدِيثًا نَفَعَنِي اللَّهُ مِنْهُ بِمَا شَاءَ أَنْ يَنْفَعَنِي، وَإِذَا حَدَّثَنِي أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِهِ اسْتَحْلَفْتُهُ فَإِذَا حَلَفَ لِي صَدَّقْتُهُ ،قَالَ: وَحَدَّثَنِي أَبُو بَكْرٍ وَصَدَقَ أَبُو بَكْرٍ - رضى الله عنه - أَنَّهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ :« مَا مِنْ عَبْدٍ يُذْنِبُ ذَنْبًا فَيُحْسِنُ الطُّهُورَ، ثُمَّ يَقُومُ فَيُصَلِّى رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ يَسْتَغْفِرُ اللَّهَ، إِلاَّ غَفَرَ اللَّهُ لَهُ ». ثُمَّ قَرَأَ هَذِهِ الآيَةَ (وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ) إِلَى آخِرِ الآيَةِ.(30)
وَعَنْ أَبِي أُمَامَةَ - رضي الله عنه - قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :" إِنَّ صَاحِبَ الشِّمَالِ لِيَرْفَعُ الْقَلَمَ سِتَّ سَاعَاتٍ عَنِ الْعَبْدِ الْمُسْلِمِ الْمُخْطِئِ أَوْ الْمُسِيءِ ،فَإِنْ نَدِمَ وَاسْتَغْفَرَ اللَّهَ مِنْهَا أَلْقَاهَا ، وَإِلَّا كُتِبَتْ وَاحِدَةً ".(31)
وبالجملة فدواءُ الذنوب الاستغفارُ ،فعن سلام بن مسكين قال : سمعت قتادة ، يقول : "إنَّ هذا القرآن يدلُّكم على دائكم ودوائكم ، فأما داؤكم : فالذُّنوب ، وأما دواؤكم : فالاستغفار ".(32)
(10)الاستغفار خير علاج لكيد الشيطان للإنسان :
عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إِنَّ الشَّيْطَانَ قَالَ وَعِزَّتِكَ يَا رَبِّ لَا أَبْرَحُ أُغْوِي عِبَادَكَ مَا دَامَتْ أَرْوَاحُهُمْ فِي أَجْسَادِهِمْ قَالَ الرَّبُّ وَعِزَّتِي وَجَلَالِي لَا أَزَالُ أَغْفِرُ لَهُمْ مَا اسْتَغْفَرُونِي".(33)
" إن الشيطان " لفظ رواية أحمد" إن إبليس" بدل" الشيطان " قال: وعزتك " أي: وقوتك وشدتك
" يا رب لا أبرح أغوي": أي لا أزال أضل " عبادك " الآدميين المكلفين. يعني لاجتهدن في إغوائهم بأي طريق ممكن
" ما دامت أرواحهم في أجسادهم ": أي مدة دوامها فيها " فقال الرب:" وعزتي وجلالي لا أزال أغفر لهم ما استغفروني ": أي: طلبوا مني الغفران. أي الستر لذنبهم مع الندم على ما كان منهم ،والإقلاع والخروج من المظالم،والعزم على عدم العود، إلى الاسترسال مع اللعن .وظاهر الخير أن غير المخلصين ناجون من الشيطان وليس في آية " لأغوينهم أجمعين إلا عبادك منهم المخلصين " ما يدل على اختصاص النجاة بهم كما وهم لأن قيد قوله تعالى " ممن اتبعك " أخرج العاصين المستغفرين إذ معناه ممن اتبعك واستمر على المتابعة، ولم يرجع إلى الله ولم يستغفر ،ثم في إشعار الخبر توهين لكيد الشيطان، ووعد كريم من الرحمن بالغفران.
وقال: لكن إياك أن تقول: إن الله يغفر الذنوب للعصاة، فأعصى وهو غني عن عملي، فإن هذه كلمة حق أريد بها باطل، وصاحبها ملقب بالحماقة بنص خبر : الأحمق من أتبع نفسه هواها ،وتمنى على الله الأماني. وقولك هذا يضاهي من يريد أن يكون فقيهًا في علوم الدين فاشتغل عنها بالبطالة، وقال: إنه تعالى قادر على أن يفيض على قلبي من العلوم ، ما أفاضه على قلوب أنبيائه وأصفيائه بغير جهد وتعلم، فمن قال ذلك ضحك عليه أرباب البصائر ،وكيف تطلب المعرفة من غير سعي لها ،والله يقول " وأن ليس للإنسان إلا ما سعى " " وإنما تجزون ما كنتم تعملون".(34)
وعن خالد بن أبي عزة أن عليا أَتَاهُ رَجُلٌ , فَقَالَ : مَا تَرَى فِي رَجُلٍ أَذْنَبَ ذَنْبًا قَالَ : " يَسْتَغْفِرُ اللَّهَ وَيَتُوبُ إِلَيْهِ " قَالَ : قَدْ فَعَلَ , ثُمَّ عَادَ . قَالَ : " يَسْتَغْفِرُ اللَّهَ وَيَتُوبُ إِلَيْهِ . قَالَ : قَدْ فَعَلَ , ثُمَّ عَادَ . قَالَ :" يَسْتَغْفِرُ اللَّهَ , ثُمَّ يَتُوبُ إِلَيْهِ " , فَقَالَ لَهُ فِي الرَّابِعَةِ : قَدْ فَعَلَ , ثُمَّ عَادَ , فَقَالَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : حَتَّى مَتَى "، ثُمَّ قَالَ : " يَسْتَغْفِرُ اللَّهَ وَيَتُوبُ إِلَيْهِ وَلَا يَمَلُّ حَتَّى يَكُونَ الشَّيْطَانُ هُوَ الْمَحْسُورُ ".(35)
وقال حماد بن سلمة: قال ثابت أن أبا العالية قال : إني لأرجو أن لا يهلك عبد بين نعمتين ، نعمة يحمد الله عليها ، وذنب يستغفر الله منه.(36)
(11)انتفاع الوالد باستغفار ولده له :
عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « إِذَا مَاتَ الإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ إِلاَّ مِنْ ثَلاَثَةٍ إِلاَّ مِنْ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ ».(37)
وعنه رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:"إِنَّ اللَّهَ لَيُبَلِّغُ الْعَبْدَ الدَّرَجَةَ، فَيَقُولُ: يَا رَبِّ، أَنَّى لِي هَذِهِ الدَّرَجَةُ؟ فَيَقُولُ: بِاسْتِغْفَارِ وَلَدِكَ لَكَ".(38)
دل به على أن الاستغفار يحط الذنوب ويرفع الدرجات ، وعلى أنه يرفع درجات أصل المستغفر
له إلى ما لم يبلغه بعمله، فما بالك في العامل المستغفر، ولو لم يكن في النكاح فضل إلا هذا لكفى.(39)
وَعَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُوْلُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - :«سَبْعٌ يُجْرَى لِلْعَبْدِ أَجْرُهُنَّ بَعْدَ مَوْتِهِ وَهُوَ فِي قَبْرِهِ : مَنْ عَلَّمَ عِلْماً ، أَوْ كَري(1) نَهْراً ، أَوْ حَفَرَ بِئْراً ، أَوْ غَرَسَ نَخْلاً ، أَوْ بَنَى مَسْجِداً ، أَوْ وَرَّثَ مُصْحَفاً ، أَوْ تَرَكَ وَلَداً يَسْتَغْفِرُ لَهُ بَعْدَ مَوْتِهِ».(40)
(12)فضائل كثرة الاستغفار :
عَنِ الزُّبَيْرِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : " مَنْ أَحَبَّ أَنْ تَسُرَّهُ صَحِيفَتُهُ فَلْيُكْثِرْ فِيهَا مِنَ الاسْتِغْفَارِ ". (41)
وعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ بُسْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُوْلُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : «طُوبَى لِمَنْ وَجَدَ فِي صَحِيْفَتِهِ اسْتِغْفَاراً كَثِيراً».(42)
وَعَنْ يَسَارِ بْنِ زَيْدٍ ، مَوْلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ، قَالَ : حَدَّثَنِي أَبِي ، سَمِعَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: مَنْ قَالَ : أَسْتَغْفِرُ اللهَ ، الَّذِي لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ ، الْحَيُّ الْقَيُّومَ ، وَأَتُوبُ إِلَيْهِ ، غُفِرَ لَهُ ، وَإِنْ كَانَ فَرَّ مِنَ الزَّحْفِ.(43)
وعن عكرمة ، قَالَ : قال أبو هريرة : إِنِّي لَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ وَأَتُوبُ إِلَيْهِ كُلَّ يَوْمٍ اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفَ مَرَّةَ ، وَذَلِكَ عَلَى قَدْرِ دِيَتِي ".(44)
وعن همام بن منبه بن كعب – رحمه الله-- : إن العبد ليذنب الذنب الصغير فيحقره ، و لا يندم عليه ،ولا يستغفر منه ، فيعظم عند الله حتى يكون مثل الطود، ويعمل الذنب العظيم فيندم عليه ، ويستغفر منه الله عز وجل حتى يغفر له.(45)
ولذا قال بعض السلف: لا كبيرة مع الاستغفار ، ولا صغيرة مع الإصرار.
وعَنْ أَبِي سَعِيدٍ ، قَالَ : سَمِعْتُ الْحَسَنَ ، يَقُولُ : " أَكْثِرُوا مِنَ الِاسْتِغْفَارِ فِي بُيُوتِكُمْ ، وَعَلَى مَوَائِدِكُمْ ، وَفِي طُرُقِكُمْ ، وَفِي أَسْوَاقِكُمْ ، وَفِي مَجَالِسِكُمْ ، أَيْنَمَا كُنْتُمْ فَإِنَّكُمْ مَا تَدْرُونَ مَتَى تَنْزِلُ الْمَغْفِرَةُ ".(46)
وقَالَ رِيَاحُ بْنُ عَمْرٍو الْقَيْسِيُّ: لِي نَيِّفٌ وَأَرْبَعُونَ ذَنْبًا ،قَدِ اسْتَغْفَرْتُ لِكُلِّ ذَنْبٍ مِائَةَ أَلْفِ مَرَّةٍ ".(47)
وقال بعضهم : إنَّما مُعوَّلُ المذنبين البكاء والاستغفار ، فمن أهمته ذنوبه ، أكثر لها من الاستغفار .
(13) للاستغفار أهمية عظيمة:
فهو مطلب إلهي ، ومراد رباني ، طلبه الله لنفسه، وارتضاه من عباده، واختاره لتكفير ذنوب المقربين، وأحبه ليطهرهم من سيئاتهم ، وأنزله في كتابه، وأرسل به رسله .
والاستغفار : عمل الأنبياء، ودعوة المرسلين، وشغلهم الشاغل،أكثروا منه بالليل والنهار، مع خلوهم من أسبابه، وبعدهم من دائه.
وهو: عمل الصالحين، وذكر المقربين ، ودأب المؤمنين، وسبيل المتقين، ونجاة السالكين، ومحب الراغبين، وطريق الفالحين، ومقيل عثرات العاثرين، وتفريج لهموم المهمومين، ودواء للعصاة والمذنبين.
وهو: مفتاح التوبة، وطريق العودة، وسبيل المغفرة، وبداية الاعتذار، والصلح مع الله رب العالمين.
وهو: مطهر البدن من الذنوب ، وتنظيف القلب من الران، وسبب لعدم تكديس المعاصي على العبد، وهو أقرب طريق لجلب رحمة الله تعالى.
والاستغفار: مسلك الأبرار، والساهرين للأسحار، وتوبة المذنبين بالليل والنهار.
والاستغفار : عبادة اللسان ، وتوبة المقال ، والاعتذار في الحال ، والنجاة في المآل ، وفيه صلاح الأهل والمال .
والاستغفار: سم الشيطان، وترياق الإنسان ، وطرد للنسيان.
والاستغفار: يرد القلب أساريره ، ويعيد النور للوجوه، العابسة، ويخلص البال من شغله ، والفكر من همه.(48)
ــــــــــــــــــــــــ
(1)مسلم (2577)
(2) أخرجه أحمد( 2/296، 405، 492) ، والبخاري(7507) ومسلم (2758) واللفظ له.
(3)أحمد ، ومسلم (2749).
(4)صحيح : انظر" صحيح الجامع"(5253) عن أبي هريرة رضي الله عنه
(5)رواه مسلم ( 2748).
(6)حسن : أخرجه الترمذي ، وقال حديث حسن ، الضياء ، وانظر " صحيح الجامع " (4338) ،"المشكاة " (2336)
(7)أحمد (24665) ، مختصر مسلم (88)،ابن حبان (330)، " صحيح الجامع (7806)
("المُفْهِمْ لِمَا أَشْكَلَ مِنْ تلخيصِ كتابِ مُسْلِمْ "للإمام أحمَدُ بن أبي حَفْصٍ عُمَرَ بنِ إبراهيمَ الحافظ الأنصاريُّ القرطبيُّ.
(9)البخاري (5191)
(10)رواه مسلم .
(11)صحيح موقوف: رواه أحمد في المسند(3627،3629) تعليق شعيب الأرنؤوط : إسناده صحيح،والترمذي(2497)،ومسند أبو يعلى(5177).
(12)صحيح: أخرجه أبو داود (1/1194) وذكر فيه ركوعًا واحدًا ، والنسائي (3/1495 ) ؛احمد في مسنده (2/159 ،163 ،188، 198) ، وابن خزيمة (901 ، 1389 ، 1392، 1393) من طريق عطاء بن السائب عن أبيه عن عبد الله بن عمرو بن العاص؛ وصحح إسناده العلامة أحمد شاكر رحمه الله ،وصححه الألباني في " مختصر الشمائل" (288)
(13)متفق عليه.
(14)" فيض القدير" (4/179).
(15)" تفسير الجلالين " ط.دار الحديث(ص:331)الطبعة الثالثة
(16)" شعب الإيمان" للبيهقي(7092).
(17)حسن : أخرجه أحمد (2/297) ) ، والترمذي (3334)،وابن ماجة ، وابن حبان ، وحسنه الألباني في" صحيح الجامع" (1670)"
(18)صحيح : رواه أبو داود ، والترمذي ، وصححه الألباني في" صحيح الجامع" (2069)،و "الصحيحة"
(1653).
(19)ضعيف: انظر" ضعيف الجامع للألباني(5471)
(20)رواه مسلم.
(21)" تطريز رياض الصالحين"فيصل بن عبد العزيز آل مبارك" المكتبة الشاملة.
(22)أخرجه احمد(20234) ،وابن حبان في " صحيحه" (2431 - موارد )وصحح سنده على شرط الشيخين الألباني في تحقيقه لرياض الصالحين " (1495)
(23)رواه أبو داود(832) ؛والنسائي ،وانتهت روايته عند " إلا بالله " وقال الألباني في" مشكاة المصابيح" (858): سنده حسن .
(24) البخاري (834، 6326 ،7387) ، مسلم (2705) .
(25)جسن: رواه الترمذي (3500) ،وأخرجه أحمد في " مسنده عن رجل من بني حنظلة ، وحسنه الألباني في " صحيح الجامع " (1265) .[1]
(26)مسلم (1007).
(27)البخاري (6306) .
(28)رواه البخاري ومسلم عن أبي سعيد ، ومسلم والترمذي عن أبي هريرة ، ومسلم عن بن عمر.
(29)مسلم (2577) .
(30)صحيح :رواه أحمد(47،56)وقال شعيب الأرنؤوط : إسناده صحيح ، و أبو داود (1521)وصححه الألباني،والترمذي(406،3006)،وحسنه الألباني.
(31)حسن : رواه ، وحسنه الألباني في صحيح الجامع" (2097)،و" الصحيحة(1209).
(32)"شعب الإيمان" للإمام البيهقي-رحمه الله-(6883 ).
(33)حسن : رواه أحمد وأبو يعلى ،والحاكم قي" المستدرك" انظر" صحيح الجامع" (1650)،
و" الصحيحة" (604).
(34)"فيض القدير"(2/351).
(35) "الزهد" لهناد بن السري(904 ) ومسند البزار(6913) .
(36)رواه أبو نعيم في" الحلية"(2/219)،والذهبي في"سير أعلام النبلاء" (4/210).
(37) مسلم.
(38) أحمد في المسند (8540) ،والدارمي (3464)، وابن ماجة (3660) وقال البوصيري : إسناده صحيح، ورجاله ثقات.
(39)" فيض القدير"(2/339)
(40)حسن : أخرجه البزار، وسموية ،وحسنه الألباني في" صحيح الجامع" (3602)، و"صحيح الترغيب(1/55).
(41)حسن : رواه ، وحسنه الألباني في "صحيح الجامع"(5955)،و" الصحيحة(2299).
(42)صحيح:رواه ابن ماجة، ورواه أبو نعيم في" الحلية " عن عائشة، وأحمد في" الزهد " عن أبي الدرداء موقوفاً ، وصححه الألباني في" صحيح الجامع"(3930).
(43)صحيح : رواه أبي داود (1517)،والترمذي (3577) ، وصححه الألباني في " صحيح أبي داود (1358)، " السلسلة الصحيحة " (2727).
(44)رواه أبو نعيم في" الحلية" (1/383).
الدية : مال يعطى لولي المقتول مقابل النفس ،أو مال يعطى للمصاب مقابل إصابة أو تلف عضو من الجسم.
(45)انظر" شعب الإيمان " للبيهقي أرقام (7092،7146،7151).
(46)"التوبة"لابن أبي الدنيا(151)،و" جامع العلوم والحكم" (2/408).
(47)التَّوْبَةُ لِابْنِ أَبِي الدُّنْيَا (173 ) ،و" الحلية"(6/194). - النيف : ما زاد على العَقْدِ من واحد إلى ثلاثة.
(48)"تذكير الأبرار بأهمية الاستغفار " لفضيلة الشيخ حلمي الرشيدي.ط.دار الإيمان (ص:7-.
ــــــــــــــــــــــــــ
تم بحمد الله وتوفيقه
وجزاكم الله خيرًا
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته,