هو عمر بن عبد العزيز بن مروان بن الحكم من خلفاء بني أمية
وهو خامس الخلفاء الراشدين
ولد بحلوان بمصر سنة (60) هـ، أمه أم عاصم بنت عاصم بن عمر بن الخطاب. روي العلم عن أنس وعبد اللّه بن جعفر بن أبي طالب ويوسف بن عبد اللّه بن سلام وسعيد بن المسيب وعروة بن الزبير والربيع بن سبرة وغيرهم.
كان أبيض الوجه، وسيم حسن الجسم حسن اللحية غائر العينين، بجبهته أثر حافر دابّة. قيل إن أباه لما ضربه الفرس وأدماه جعل يمسح الدم ويقول إن كنت أشج بني مروان أنك لسعيد وذلك أن النبي قال: الناقص والأشج أعدلا بني أمية. قال المؤرخون الناقص هو هشام بن عبد الملك لأنه نقص من أعطيات جيوشه فلقب بالناقص. بعثه أبوه من مصر إلى المدينة ليتأدب بأدب أهلها فكان يختلف إلى عبد اللّه بن عبيد اللّه يسمع منه، ولما مات أبوه عبد العزيز طلبه عمه عبد الملك إلى دمشق وزوجه بابنته فاطمة، وهي التي يقول الشاعر فيها:
بنتُ الخليفةِ والخليفة ُجدهـــــــا
أختَ الخلائفِ والخليفة ُ زوجها
وكان قبل ذلك يبالغ في التنعم ويفرط في الاختيال في المشية. قال أنس بن مالك، ما صليت خلف إمام أشبه برسول اللّه من هذا الفتى عمر بن عبد العزيز. وقال زيد بن أسلم كان يتم الركوع والسجود ويخفف القيام والقعود. سئل محمد بن علي بن الحسين عن عمر بن عبد العزيز فقال هو نجيب بني أمية وأنه يبعث يوم القيامة أمة وحده. وقال عمرو بن ميمون بن مهران عن أبيه كانت العلماء مع عمر بن عبد العزيز تلامذة. لما طلب للخلافة كان بالمسجد فسلموا عليه بالخلافة فعقر فلم يستطع النهوض حتى أخذوا بضبعيه فأصعدوه المنبر، فجلس طويلا لا يتكلم. فلما رآهم جالسين قال ألا تقومون فتبايعوا أمير المؤمنين فنهضوا إليه فبايعوه رجلا رجلا. وقد عمل له ابن الجوزي سيرة مجلدا ضخما وهو الذي أمر بجمع أحاديث رسول اللّه وتدوينها كما جمع أبو بكر الصديق القرآن وعدل بين الناس عدلا لم يره الناس إلا من جده عمر بن الخطاب فرتع الناس في بحبوبة الأمن والخصب، وتمنوا لو خلد في الخلافة، ولكن بني أمية تألبوا عليه ودسوا إليه السم فمات مسموما. وسبب كراهيتهم له أنه ضيق الخناق عليهم ولم يتركهم يستغلون ضعف الضعفاء نقعا لغلتهم فتوفي بدير سمعان سنة (101) هـ.
كانت آخر خطبة خطبها : حمد الله وأثنى عليه ثم قال : أما بعد فإنكم لم تخلقوا عبثاً ، ولم تتركوا سدىً وإن لكم معاداً ينزل الله فيه للحكم فيكم والفصل بينكم ، فخاب وخسر من خرج من رحمة الله تعالى ، وحرم جنة عرضها السماوات والأرض ، ألم تعلموا أنه لا يأمن غداً إلا من حذر اليوم الآخر وخافه ، وباع فانياً بباقٍ ، ونافداً بما لا نفاد له ، وقليلاً بكثير ، وخوفاً بأمان ، ألا ترون أنكم في أسلاب الهالكين وسيكون من بعدكم للباقين ، كذلك ترد إلى خير الوارثين ، ثم إنكم في كل يوم تشيعون غادياً ورائحاً إلى الله لا يرجع، قد قضى نحبه حتى تغيبوه في صدع من الأرض ، في بطن صدع غير موسد ولا ممهد ، قد فارق الأحباب ، وواجه التراب والحساب ، فهو مرتهن بعمله ، غني عما ترك ، فقير لما قدم ، فاتقوا الله قبل القضاء ، راقبوه قبل نزول الموت بكم ، أما إني أقول هذا … ثم وضع طرف ردائه على وجهه فبكى وأبكى من حوله ، وفي رواية : وأيم الله إني لأقول قولي هذا ولا أعلم عند أحد من الذنوب أكثر مما أعلم من نفسي ، ولكنها سنن من الله عادلة أمر فيها بطاعته ، ونهى فيها عن معصيته ، وأستغفر الله ، ووضع كمّه على وجهه فبكى حتى بلّ لحيته فما عاد لمجلسه حتى مات رحمه