لم يكن ثمة موضوع أثار ردود فعل سلبية أو انه فهم بشكل خاطئ كالذي فعلته الرياضيات ، حتى العديد من الأفراد لم يرونها علم من العلوم الحيوية ، والشيء المثير هنا هو كيف أن التقدم العلمي والتكنولوجي ، الذي هو في أساسه ثمرة التطور الذي حصل في الرياضيات المتقدمة وفي العلوم الطبيعية الأساسية ، قد ترافق مع هذه الاتجاهات السلبية نحو الرياضيات ، بما فيها من كره وخوف وقلق ونفور منها ؟ أضف إلى ذلك ارتباط ذلك بعدد من التصورات والانطباعات العامة الشائعة عن الرياضيات ، إنها صعبة ،باردة ، مملة، مردة ، نظرية، فوق العقل ، هامة ، خاصة للذكور إلى حد كبير ،منعزلة ، وليست سهلة المنال من قبل الجميع إلا لقلة لها ذكاء وقدرات عقلية ولها عقل رياضي .
إن مثل هذه المشاعر والتصورات منتشرة في العديد من البلدان وعلى مستويات مختلفة ، كما أن بعضاً منها له تأثيرات سلبية على الرياضيات وينتقل من جيل لآخر كعدوى اجتماعية سائدة ، مقبولة إلى حد ما والمدهش انه كثيرا ما نسمع من أشخاص تباهيهم بكرههم للرياضيات أو أنهم لا يفهمونها على الإطلاق . هذا من جهة ومن جهة أخرى فقد أدت هذه التصورات إلى تناقص في أعداد الطلبة الذين يرغبون في دراسة الفروع المتضمنة الرياضيات ( بشكل كبير ) أو الذين يرغبون في التخصص في الرياضيات .
إذاً ، من كل ذلك ، لبد من البحث عن أصل وأسباب هذه المشاعر والانطباعات السلبية وما هي الأساليب الممكنة لتحبيب الرياضيات وتشويقها وتقليل النفور منها .
التصورات الشائعة عن الرياضيات :
يعرف ( سام وإرنست ) التصورات إنها تكوينات شخصية تتضمن مجالين : العاطفي (المشاعر والمواقف) والمعرفي( المعارف والمعتقدات ) وما ينشأ من كنايات وصور مرتبطة بذلك . ومن هذا المنطلق فإن مصطلح " التصور عن الرياضيات " يشير إلى صورة عقلية ووجهة نظر أو موقف يتخذه الفرد تجاه الرياضيات من المفترض أنه تطور نتيجة للخبرات الاجتماعية من خلال المدرسة أو البيت أو الزملاء أو وسائل إعلام أو غيرها من المؤثرات . غير أن من أكثر المؤثرات نفوذاً والتي تحكم علاقة الأشخاص بالرياضيات هي ما حدث لهم أيام الدراسة وغالباً ما تكون نتائج كل هذه المؤثرات ذات أهمية بالغة ، منها : حب ، كره ،حقد و في أكثر الأحيان خوف ورعب .وكذلك مع النظرة الشائعة ، إن الرياضيات بحاجة إلى نوع خاص من العقل ، وإنها تجذب أولئك الذين لهم ميل فحسب . لذا فإن معظم الناس يرون الرياضيات موضوعاً مدرسياً مملاً وإنهم إما فشلوا بها أو اجتازوها بشق الأنفس ، إضافة إلى ذلك ينظر الناس عموماً إلى الراضيات أنها مادة صعبة وتقترن عند غالبيتهم بشعور قوي بالإخفاق ، وذكرياتهم عن الرياضيات المدرسية تنحصر في الاختبارات والامتحانات ، وفي إشارات الضرب التي ترمز للخطأ على أوراق امتحاناتهم وواجباتهم المنزلية ، وفي الخوف من النتيجة الخاطئة .
وكيف أن غلطة واحدة في الرياضيات سواء في الجمع أو الطرح أو في الإشارات أو غيرها ، يمكن أن تسبب لهم أذى أكثر مما في المواضع الأخرى ، ولابد لنا أن نشير أن ثمة اختلافات بين الرياضيات المدرسية أو الأكاديمية وبين الرياضيات في الحياة اليومية ، ومن هذا المنطلق فإن الفرد الذي أخفق أو عانى من الأولى ليس بالضرورة أن يخفق أو يعاني في الثانية ، فلازال العديد من الأفراد الذين يتعاملون في مستويات عالية من الكفاءة مع الأعداد والإحصاء والحاسب والرسوم البيانية وغيرها في حياتهم العملية ، يقول كل منهم لم اكن جيداً في الرياضيات ولن أستطع أن استوعبها تماماً والرياضيات الأكاديمية غريبة عن نفسي وعن اهتماماتي المهنية .
لذا فإن مفهومهم عن الرياضيات العملية يختلف عن الرياضيات المدرسية أو الأكاديمية .وتفهم الأخيرة على أنها رياضيات حقيقية . كما ان الصورة الشائعة عن الرياضيات تضع الرياضيات بمعزول عن الاهتمامات اليومية لعامة الناس على الرغم من إن التطبيقات الاجتماعية للرياضيات يشار لها يومياً في وسائل الإعلام ، من التربية البدنية والمناخ إلى المؤشرات الاقتصادية والاجتماعية .
لذا فإن الصورة العامة الشائعة للرياضيات هي لحد ما سلبية ومنعزلة ومغايرة لوظائف واهتمامات العديد من الأفراد وقدراتهم الذاتية ، وعادة ما تقترن صورة الرياضيات للعديد من الأفراد بالقلق والفشل ، ومما يدل على ما تتصف به الرياضيات من النفور هو أنه عندما كانت (بريجد سويل ) تجمع بيانات من قبل لجنة (كوكروفت ) البريطانية ، فقد رفض نصفهم الإجابة عن باقي الأسئلة عندما علموا أنها حول الرياضيات . مشيراً ذلك مواقف سلبية بيد أن هذا الابتعاد عن الرياضيات والصورة السلبية عنها تثير عدداً من التساؤلات الهامة . منها :
· ما هو مدى انتشار هذه الصورة ؟
· هل هي فعلاً توضح الصورة الحقيقة للرياضيات ؟
· ماهي مسببات ذلك ؟ هل هذا الشعور نحو الرياضيات أصبح صفة سائدة مقبولة ؟
· هل لأي تغير في الممارسات التربوية أن يخفف ذلك ؟
هذا ما سنحاول الإجابة عنه في الفقرات التالية . ومن الجدير بالذكر أن هذه الصورة السلبية لا وجود لها عند الأطفال ، فقد أشارت الأبحاث حول مواقف الأطفال تجاه الرياضيات في العقدين الماضيين ، بالرضا والقبول إلى حد ما عن موضوع الرياضيات ، خاصة في البدايات المدرسية ، لأنهم يشعرون بالمتعة عند التعامل مع الأعداد وصنع بعض المجسمات وغيرها .
فمن المعروف أن الرياضيات موضوع يتطلب الخيال وان الأطفال يحبون اللعب التي تتطلب الخيال ، أما في السنوات اللاحقة من الدراسة تصبح المواقف محايدة على الرغم من كون المواقف السلبية المتطرفة نادرة نسبياً ، غير أن صورة الرياضيات مرتبطة ارتباطاً كبيراً بالتجريد وكلما ارتقى الجريد تصبح الصورة أكثر سلبية .
ونعود للسؤال عما إذا كانت الصورة الشائعة توضح طبيعة الرياضيات بشكل صحيح ، فإن الإجابة نعم ولا كما يرى إيرنست ففي ما يخص الجواب نعم، فان خبرة العديد من المتعلمين تؤكد هذه الصورة . كما يؤكدها أيضا القائمون بالتعليم وغيرهم ، وخبرة التعلم ذاته . أما الجواب لا فإن صورة الرياضيات ليست كما وضعت في العديد من المدارس والكليات وبالتأكيد لن تكون بهذا الأسلوب ، غير أن ذلك قد يلائم إلى حد ما الرياضيات في المدرسة وفي الكليات . ولكن ما شأن موضوع الرياضيات نفسه ؟ ومن هنا برزت وجهة نظر يقودها كجر الذي يركز على الجانب العلمي والإنساني للرياضيات ، ويرفض الصورة السلبية للرياضيات التي ذكرت سابقاً ويعتبرها خاطئة ، ويتفق مع وجهة نظر هيرش الذي يرى أن للرياضيات مقدمة ومؤخرة ،ففي المقدمة تقدم الرياضيات في أطباق لعامة الناس كما يقدم الطعام في المطاعم ، وفي المؤخرة يكون العلماء المعرفة الجديدة في الرياضيات . إذن من المفيد أن يكون ثمة تمييز بين الرياضيات كموضوع أي ما يفهمه المتخصص بالرياضيات وبين الرياضيات المدرسية ، غير ان كليهما قد يساهم في رسم التصورات الشائعة عن الرياضيات بالنسبة للبعدين عن الرياضيات .
مسببات التصورات الشائعة السلبية عن الرياضيات :
يمكن أن نحصر مسببات التصورات السلبية في عاملين الأول هو طبيعة موضوع الرياضيات ، والثاني أساليب تدريسها .
طبيعة الرياضيات : تتصف الرياضيات بصفات معينة تجعلها مختلفة أكثر من المواضيع الأخرى ، كما تجعلها بحاجة لمزيد من الجهد والمثابرة من أجل استيعابها .
- أولاً الصفة التجريدية ، من المعروف أن مادة الرياضيات التي يتم التعامل بها من خواص وعلاقات ليست بذي وجود مادي محسوس وبخلاف المواد التي تتعامل بها الفيزياء أو الكيمياء مثلا أي أن مادة الرياضيات هي الأمور المجردة التي تتعامل معها بالرموز والمعادلات المجردة أيضا . لذا فإن المسافة بين المدلول والدلالات تلعب هنا دورا حاسما ، أكثر مما في أي موضوع آخر . وتعد الدلالات مثل الرموز الرياضية ، الأشكال ، التمثيلات البيانية ضرورية ولذا فإنها تعد مادة الاستيعاب الضعيف لمدلول المواضيع الرياضية .
- الصفة الثانية : هي التسلسل في الرياضيات ، أي أن كل فقرة تعتمد على ما سبقها من فقرات ، أي أن فهم واستيعاب أي موضوع فرعي أو فكرة يعتمد بصورة ما على درجة فهم واستيعاب المواضيع التي قبلها .
- الصفة الثالثة : هي أن تعلم الرياضيات هي أكثر اعتماداً على المعلم من أي موضوع آخر ،حيث انه لم يكن هتاك الكثير مما يمكن اكتشافه عند عمل التلميذ وحده .
- الصفة الأخيرة :أنه في بعض مجالات الرياضيات خاصة تلك المتصلة بالتعامل مع الأعداد ، فإنه من الممكن للتلميذ الداء بشكل جيد دون الحاجة للفهم الذي يستعمل في التعلم لاحقاً ، لذا فإن المشاكل غالباً لا تلاحظ من قبل المعلم .
أساليب تعليم الرياضيات : فإذا لم يحسن استخدام أساليب تعليم الرياضيات من قبل بعض المعلمين ، فإنه يدفع التلاميذ لاتخاذ مواقف سلبية تجاه الرياضيات ،بل أحيانا تجاه المدرسة بصورة عامة . لذا فإن الطرق التقليدية العقيمة المتزمتة ، الصارمة ، ير المحببة ، ودون أي سياق أو أمثلة ذات معنى أضف إلى ذلك التدريس بشكل نظري مجرد ، تولد كرهها وإحباطا لدى التلاميذ ، وتولد أيضا شعورا ليهم أن الرياضيات منفصلة عن الواقع ، غير إنسانية، ليس لها قيمة علمية أو جمالية ، راكدة فكرياً دروس الرياضيات فاترة تفشل في إثارة رغبات التلاميذ واهتماماتهم .
أساليب تحبيب الرياضيات:
جرت محاولات لتغير الصورة السلبية عن الرياضيات ، وذلك بجعلها أكثر إنسانية فقد أنشأ الفن وايت شبكة الرياضيات الإنسانية وعمل بنشاط من أجل الارتقاء بالرياضيات كي تكون موضوعا إنسانيا من خلال شبكة المؤتمرات والنشريات .كما أن الهيئة الدولية لتعليم الرياضيات (ICMI ) رعت مؤتمر لتحبيب الرياضيات عام 1989 م في ليدز بريطانيا، وكان ثمرة هذا المؤتمر هو (مجلد) تحبيب الرياضيات ونشر عام 1990 م بواسطة جامعة كامبردج . يقدم هذا الكتاب أفكاراً قيمة حول مشاكل الرياضيات التي أشرن لها ، وتشكيلة واسعة من التدابير المكنة للتغلب عليها . كما أن المؤتمر العالمي للرياضيات التربوية السابع شكل مجموعة عمل واحد من واحد وعشرين عضوا تبحث في الصورة العامة للرياضيات وعلماء الرياضيات . إذا ثمة دور كبير للممارسات التربوية لتغيير الصورة السلبية عن الرياضيات ، وأول خطوة هي أن نرفع درجة الوعي حول طبيعة الرياضيات ومن حقيقة وجود مفاهيم بديلة لذلك ، وبعد نشر مثل هذه الأفكار في الدوائر التربوية يصبح نشرها في المجتمع امراً حيويا .
وفي هذا الإطار ذكر تقرير لجنة تعليم الرياضيات التابعة للجمعية الملكية ومعهد الرياضيات وتطبيقاتها في بريطانيا ثلاثة مداخل لتيسير الرياضيات وتبسيطها سنذكرها باختصار :
(1) ينصح دائما أن يكون مدخل الرياضيات المنهجية هو السياق التاريخي ، حيث تعد الجوانب المتعلقة بعلماء الرياضيات كأفراد ذات أهمية خاصة حيث تدمج تماما في مناهج الرياضيات .
(2) الاهتمام بالدور الاجتماعي للرياضيات في سبيل المثال ، مكان ودور الرياضيات في المجتمع والتأثير على حياة الأفراد بالأسلوب الكمي للمسائل وكذلك القضية المبدئية التي يثيرها استخدام الرياضيات فيما يختص بالتطورات التكنولوجية .
(3) أهمية الأسلوب الثقافي المتعدد من حيث توفيره إطارا جيدا لجعل المنهج في الرياضيات أكثر إنسانية باعتباره يشمل الجوانب التاريخية والاجتماعية . على سبيل المثال العمل مع مختلف أنظمة العد والقياس وتحليل أهمية الأشكال والتصاميم المختلفة .
هذا فيما يتعلق بمنهج الرياضيات أما فيما يخص عامة الناس فالأساليب تعتمد على نوعيتهم وهدفنا في ذلك أن يتطلعوا للرياضيات ويستعملوها في مواقع كثيرة ، فإذا كان الشخص شابا يتطلع إلى تعليمه وإذا كان أكثر عمرا يتطلع إلى استعمال الرياضيات في حياته اليومية وفي وظيفته وفي مسؤولياته المدنية وإلى جزء الرياضيات الذي سيلعبه في تعليم أطفاله وأحفاده .
وقد يحقق تحبيب الرياضيات حاجة ماسة مرتبطة بالتقنيات الجديدة (الروبوت – الرسم بالحاسب وغيرها ) والطرق الإحصائية والعلوم الاجتماعية والزراعة وعلم الأحياء ، ويمكن أن يتم ذلك من خلال التعليم المستمر والتعليم الذاتي أو عن طريق المهارات المهنية .
وفي هذا لابد من الإشارة لأهمية إشراك الآخرين في النشاطات المقترنة بالرياضيات كالألغاز والألعاب والمسابقات وغيرها .
وأخيرا هناك قلق حول الإدراك الشامل للرياضيات الذي يقدمه المنهج الحالي ومع أن الرياضيات تضم مجموعة مهمة من البنى المفاهيمية القادرة على توضيح تشكيلة واسعة من الظواهر ، غير أنه نادرا ما تقدم بمثل ذلك الأمر ، الذي أدى بالعديد من التلاميذ ان ينظروا للرياضيات على أنها مجموعة متنوعة واسعة من الحقائق والأساليب غير المترابطة معظمها لا علاقة لها بحياتهم .
إن مثل هذه المشاعر والتصورات منتشرة في العديد من البلدان وعلى مستويات مختلفة ، كما أن بعضاً منها له تأثيرات سلبية على الرياضيات وينتقل من جيل لآخر كعدوى اجتماعية سائدة ، مقبولة إلى حد ما والمدهش انه كثيرا ما نسمع من أشخاص تباهيهم بكرههم للرياضيات أو أنهم لا يفهمونها على الإطلاق . هذا من جهة ومن جهة أخرى فقد أدت هذه التصورات إلى تناقص في أعداد الطلبة الذين يرغبون في دراسة الفروع المتضمنة الرياضيات ( بشكل كبير ) أو الذين يرغبون في التخصص في الرياضيات .
إذاً ، من كل ذلك ، لبد من البحث عن أصل وأسباب هذه المشاعر والانطباعات السلبية وما هي الأساليب الممكنة لتحبيب الرياضيات وتشويقها وتقليل النفور منها .
التصورات الشائعة عن الرياضيات :
يعرف ( سام وإرنست ) التصورات إنها تكوينات شخصية تتضمن مجالين : العاطفي (المشاعر والمواقف) والمعرفي( المعارف والمعتقدات ) وما ينشأ من كنايات وصور مرتبطة بذلك . ومن هذا المنطلق فإن مصطلح " التصور عن الرياضيات " يشير إلى صورة عقلية ووجهة نظر أو موقف يتخذه الفرد تجاه الرياضيات من المفترض أنه تطور نتيجة للخبرات الاجتماعية من خلال المدرسة أو البيت أو الزملاء أو وسائل إعلام أو غيرها من المؤثرات . غير أن من أكثر المؤثرات نفوذاً والتي تحكم علاقة الأشخاص بالرياضيات هي ما حدث لهم أيام الدراسة وغالباً ما تكون نتائج كل هذه المؤثرات ذات أهمية بالغة ، منها : حب ، كره ،حقد و في أكثر الأحيان خوف ورعب .وكذلك مع النظرة الشائعة ، إن الرياضيات بحاجة إلى نوع خاص من العقل ، وإنها تجذب أولئك الذين لهم ميل فحسب . لذا فإن معظم الناس يرون الرياضيات موضوعاً مدرسياً مملاً وإنهم إما فشلوا بها أو اجتازوها بشق الأنفس ، إضافة إلى ذلك ينظر الناس عموماً إلى الراضيات أنها مادة صعبة وتقترن عند غالبيتهم بشعور قوي بالإخفاق ، وذكرياتهم عن الرياضيات المدرسية تنحصر في الاختبارات والامتحانات ، وفي إشارات الضرب التي ترمز للخطأ على أوراق امتحاناتهم وواجباتهم المنزلية ، وفي الخوف من النتيجة الخاطئة .
وكيف أن غلطة واحدة في الرياضيات سواء في الجمع أو الطرح أو في الإشارات أو غيرها ، يمكن أن تسبب لهم أذى أكثر مما في المواضع الأخرى ، ولابد لنا أن نشير أن ثمة اختلافات بين الرياضيات المدرسية أو الأكاديمية وبين الرياضيات في الحياة اليومية ، ومن هذا المنطلق فإن الفرد الذي أخفق أو عانى من الأولى ليس بالضرورة أن يخفق أو يعاني في الثانية ، فلازال العديد من الأفراد الذين يتعاملون في مستويات عالية من الكفاءة مع الأعداد والإحصاء والحاسب والرسوم البيانية وغيرها في حياتهم العملية ، يقول كل منهم لم اكن جيداً في الرياضيات ولن أستطع أن استوعبها تماماً والرياضيات الأكاديمية غريبة عن نفسي وعن اهتماماتي المهنية .
لذا فإن مفهومهم عن الرياضيات العملية يختلف عن الرياضيات المدرسية أو الأكاديمية .وتفهم الأخيرة على أنها رياضيات حقيقية . كما ان الصورة الشائعة عن الرياضيات تضع الرياضيات بمعزول عن الاهتمامات اليومية لعامة الناس على الرغم من إن التطبيقات الاجتماعية للرياضيات يشار لها يومياً في وسائل الإعلام ، من التربية البدنية والمناخ إلى المؤشرات الاقتصادية والاجتماعية .
لذا فإن الصورة العامة الشائعة للرياضيات هي لحد ما سلبية ومنعزلة ومغايرة لوظائف واهتمامات العديد من الأفراد وقدراتهم الذاتية ، وعادة ما تقترن صورة الرياضيات للعديد من الأفراد بالقلق والفشل ، ومما يدل على ما تتصف به الرياضيات من النفور هو أنه عندما كانت (بريجد سويل ) تجمع بيانات من قبل لجنة (كوكروفت ) البريطانية ، فقد رفض نصفهم الإجابة عن باقي الأسئلة عندما علموا أنها حول الرياضيات . مشيراً ذلك مواقف سلبية بيد أن هذا الابتعاد عن الرياضيات والصورة السلبية عنها تثير عدداً من التساؤلات الهامة . منها :
· ما هو مدى انتشار هذه الصورة ؟
· هل هي فعلاً توضح الصورة الحقيقة للرياضيات ؟
· ماهي مسببات ذلك ؟ هل هذا الشعور نحو الرياضيات أصبح صفة سائدة مقبولة ؟
· هل لأي تغير في الممارسات التربوية أن يخفف ذلك ؟
هذا ما سنحاول الإجابة عنه في الفقرات التالية . ومن الجدير بالذكر أن هذه الصورة السلبية لا وجود لها عند الأطفال ، فقد أشارت الأبحاث حول مواقف الأطفال تجاه الرياضيات في العقدين الماضيين ، بالرضا والقبول إلى حد ما عن موضوع الرياضيات ، خاصة في البدايات المدرسية ، لأنهم يشعرون بالمتعة عند التعامل مع الأعداد وصنع بعض المجسمات وغيرها .
فمن المعروف أن الرياضيات موضوع يتطلب الخيال وان الأطفال يحبون اللعب التي تتطلب الخيال ، أما في السنوات اللاحقة من الدراسة تصبح المواقف محايدة على الرغم من كون المواقف السلبية المتطرفة نادرة نسبياً ، غير أن صورة الرياضيات مرتبطة ارتباطاً كبيراً بالتجريد وكلما ارتقى الجريد تصبح الصورة أكثر سلبية .
ونعود للسؤال عما إذا كانت الصورة الشائعة توضح طبيعة الرياضيات بشكل صحيح ، فإن الإجابة نعم ولا كما يرى إيرنست ففي ما يخص الجواب نعم، فان خبرة العديد من المتعلمين تؤكد هذه الصورة . كما يؤكدها أيضا القائمون بالتعليم وغيرهم ، وخبرة التعلم ذاته . أما الجواب لا فإن صورة الرياضيات ليست كما وضعت في العديد من المدارس والكليات وبالتأكيد لن تكون بهذا الأسلوب ، غير أن ذلك قد يلائم إلى حد ما الرياضيات في المدرسة وفي الكليات . ولكن ما شأن موضوع الرياضيات نفسه ؟ ومن هنا برزت وجهة نظر يقودها كجر الذي يركز على الجانب العلمي والإنساني للرياضيات ، ويرفض الصورة السلبية للرياضيات التي ذكرت سابقاً ويعتبرها خاطئة ، ويتفق مع وجهة نظر هيرش الذي يرى أن للرياضيات مقدمة ومؤخرة ،ففي المقدمة تقدم الرياضيات في أطباق لعامة الناس كما يقدم الطعام في المطاعم ، وفي المؤخرة يكون العلماء المعرفة الجديدة في الرياضيات . إذن من المفيد أن يكون ثمة تمييز بين الرياضيات كموضوع أي ما يفهمه المتخصص بالرياضيات وبين الرياضيات المدرسية ، غير ان كليهما قد يساهم في رسم التصورات الشائعة عن الرياضيات بالنسبة للبعدين عن الرياضيات .
مسببات التصورات الشائعة السلبية عن الرياضيات :
يمكن أن نحصر مسببات التصورات السلبية في عاملين الأول هو طبيعة موضوع الرياضيات ، والثاني أساليب تدريسها .
طبيعة الرياضيات : تتصف الرياضيات بصفات معينة تجعلها مختلفة أكثر من المواضيع الأخرى ، كما تجعلها بحاجة لمزيد من الجهد والمثابرة من أجل استيعابها .
- أولاً الصفة التجريدية ، من المعروف أن مادة الرياضيات التي يتم التعامل بها من خواص وعلاقات ليست بذي وجود مادي محسوس وبخلاف المواد التي تتعامل بها الفيزياء أو الكيمياء مثلا أي أن مادة الرياضيات هي الأمور المجردة التي تتعامل معها بالرموز والمعادلات المجردة أيضا . لذا فإن المسافة بين المدلول والدلالات تلعب هنا دورا حاسما ، أكثر مما في أي موضوع آخر . وتعد الدلالات مثل الرموز الرياضية ، الأشكال ، التمثيلات البيانية ضرورية ولذا فإنها تعد مادة الاستيعاب الضعيف لمدلول المواضيع الرياضية .
- الصفة الثانية : هي التسلسل في الرياضيات ، أي أن كل فقرة تعتمد على ما سبقها من فقرات ، أي أن فهم واستيعاب أي موضوع فرعي أو فكرة يعتمد بصورة ما على درجة فهم واستيعاب المواضيع التي قبلها .
- الصفة الثالثة : هي أن تعلم الرياضيات هي أكثر اعتماداً على المعلم من أي موضوع آخر ،حيث انه لم يكن هتاك الكثير مما يمكن اكتشافه عند عمل التلميذ وحده .
- الصفة الأخيرة :أنه في بعض مجالات الرياضيات خاصة تلك المتصلة بالتعامل مع الأعداد ، فإنه من الممكن للتلميذ الداء بشكل جيد دون الحاجة للفهم الذي يستعمل في التعلم لاحقاً ، لذا فإن المشاكل غالباً لا تلاحظ من قبل المعلم .
أساليب تعليم الرياضيات : فإذا لم يحسن استخدام أساليب تعليم الرياضيات من قبل بعض المعلمين ، فإنه يدفع التلاميذ لاتخاذ مواقف سلبية تجاه الرياضيات ،بل أحيانا تجاه المدرسة بصورة عامة . لذا فإن الطرق التقليدية العقيمة المتزمتة ، الصارمة ، ير المحببة ، ودون أي سياق أو أمثلة ذات معنى أضف إلى ذلك التدريس بشكل نظري مجرد ، تولد كرهها وإحباطا لدى التلاميذ ، وتولد أيضا شعورا ليهم أن الرياضيات منفصلة عن الواقع ، غير إنسانية، ليس لها قيمة علمية أو جمالية ، راكدة فكرياً دروس الرياضيات فاترة تفشل في إثارة رغبات التلاميذ واهتماماتهم .
أساليب تحبيب الرياضيات:
جرت محاولات لتغير الصورة السلبية عن الرياضيات ، وذلك بجعلها أكثر إنسانية فقد أنشأ الفن وايت شبكة الرياضيات الإنسانية وعمل بنشاط من أجل الارتقاء بالرياضيات كي تكون موضوعا إنسانيا من خلال شبكة المؤتمرات والنشريات .كما أن الهيئة الدولية لتعليم الرياضيات (ICMI ) رعت مؤتمر لتحبيب الرياضيات عام 1989 م في ليدز بريطانيا، وكان ثمرة هذا المؤتمر هو (مجلد) تحبيب الرياضيات ونشر عام 1990 م بواسطة جامعة كامبردج . يقدم هذا الكتاب أفكاراً قيمة حول مشاكل الرياضيات التي أشرن لها ، وتشكيلة واسعة من التدابير المكنة للتغلب عليها . كما أن المؤتمر العالمي للرياضيات التربوية السابع شكل مجموعة عمل واحد من واحد وعشرين عضوا تبحث في الصورة العامة للرياضيات وعلماء الرياضيات . إذا ثمة دور كبير للممارسات التربوية لتغيير الصورة السلبية عن الرياضيات ، وأول خطوة هي أن نرفع درجة الوعي حول طبيعة الرياضيات ومن حقيقة وجود مفاهيم بديلة لذلك ، وبعد نشر مثل هذه الأفكار في الدوائر التربوية يصبح نشرها في المجتمع امراً حيويا .
وفي هذا الإطار ذكر تقرير لجنة تعليم الرياضيات التابعة للجمعية الملكية ومعهد الرياضيات وتطبيقاتها في بريطانيا ثلاثة مداخل لتيسير الرياضيات وتبسيطها سنذكرها باختصار :
(1) ينصح دائما أن يكون مدخل الرياضيات المنهجية هو السياق التاريخي ، حيث تعد الجوانب المتعلقة بعلماء الرياضيات كأفراد ذات أهمية خاصة حيث تدمج تماما في مناهج الرياضيات .
(2) الاهتمام بالدور الاجتماعي للرياضيات في سبيل المثال ، مكان ودور الرياضيات في المجتمع والتأثير على حياة الأفراد بالأسلوب الكمي للمسائل وكذلك القضية المبدئية التي يثيرها استخدام الرياضيات فيما يختص بالتطورات التكنولوجية .
(3) أهمية الأسلوب الثقافي المتعدد من حيث توفيره إطارا جيدا لجعل المنهج في الرياضيات أكثر إنسانية باعتباره يشمل الجوانب التاريخية والاجتماعية . على سبيل المثال العمل مع مختلف أنظمة العد والقياس وتحليل أهمية الأشكال والتصاميم المختلفة .
هذا فيما يتعلق بمنهج الرياضيات أما فيما يخص عامة الناس فالأساليب تعتمد على نوعيتهم وهدفنا في ذلك أن يتطلعوا للرياضيات ويستعملوها في مواقع كثيرة ، فإذا كان الشخص شابا يتطلع إلى تعليمه وإذا كان أكثر عمرا يتطلع إلى استعمال الرياضيات في حياته اليومية وفي وظيفته وفي مسؤولياته المدنية وإلى جزء الرياضيات الذي سيلعبه في تعليم أطفاله وأحفاده .
وقد يحقق تحبيب الرياضيات حاجة ماسة مرتبطة بالتقنيات الجديدة (الروبوت – الرسم بالحاسب وغيرها ) والطرق الإحصائية والعلوم الاجتماعية والزراعة وعلم الأحياء ، ويمكن أن يتم ذلك من خلال التعليم المستمر والتعليم الذاتي أو عن طريق المهارات المهنية .
وفي هذا لابد من الإشارة لأهمية إشراك الآخرين في النشاطات المقترنة بالرياضيات كالألغاز والألعاب والمسابقات وغيرها .
وأخيرا هناك قلق حول الإدراك الشامل للرياضيات الذي يقدمه المنهج الحالي ومع أن الرياضيات تضم مجموعة مهمة من البنى المفاهيمية القادرة على توضيح تشكيلة واسعة من الظواهر ، غير أنه نادرا ما تقدم بمثل ذلك الأمر ، الذي أدى بالعديد من التلاميذ ان ينظروا للرياضيات على أنها مجموعة متنوعة واسعة من الحقائق والأساليب غير المترابطة معظمها لا علاقة لها بحياتهم .